الأعوام العشرون الاخيرة فرضت فكرة احتلت اذهان اللبنانيين، وهي ان رئيس الجمهورية لا علاقة له بالاقتصاد الوطني لا من قريب ولا من بعيد. والبعض يذهب ابعد من ذلك ليقول انه خلال العهدين الاخيرين تم تلزيم الاقتصاد للحكومات المتعاقبة، ولكننا على يقين بأن من يحضر ليترأس جلسات مجلس الوزراء يجب ان يمتلك رؤية اقتصادية واضحة الملامح بالنسبة الى الموضوعات المطروحة، من العولمة ومنظمة التجارة العالمية والتجارة الحرة العربية، الى الضرائب والرسوم والضمان والصحة والكهرباء والتعليم واللامركزية الادارية والبيئة.
هذه بعض العناوين التي “تأكل” من قلب اللبناني وتحوّل حياته اليومية معركة مع المجتمع ومع الذات وتدفعه الى الاستزلام لمن يقدم له ابسط حاجاته الحياتية، وتسخّر إمكانات شعبنا في معركة بقاء يجب ان نربحها لنحوّل إمكاناتنا إلى إنتاجية أفضل ونمو مستدام.
ولكن العنوان المهم والذي يشمل كل ما ذكرناه، وهو السبب الاساسي وراء نخر هذا المجتمع: “الفساد”. وهنا لا نتكلم عن سرقات المال العام الواضحة بل نتكلم عن اجراءات ادارية تنخر المجتمع وتحوله مجموعة من البشر قررت عبادة النصوص ومجموعة تدربت على يد العثماني وجاء الفرنسي ووضع على جبينهم حداثة البيروقراطية التي تحكمت بلبنان منذ الاستقلال واحفاد هؤلاء ومن تربى على يدهم يهندسون اجراءات تخفض من انتاجية مجتمعنا الى النصف وهو رأي معظم رجال الاقتصاد. أين مرشحنا من كل هذا؟! رئيس الجمهورية العتيد رأس الهرم، وهذا واضح من خلال الطائف رغم وجود وجهات نظر عدة حول الموضوع. لا يعقل ان تكون هذه الموضوعات غائبة عن برامج المرشحين، فالاقتصاد هو اهم من شهادات حسن السلوك التي يبحث عنها المرشحون.
بما ان العبرة ليست بالعناوين فحسب بل في التنفيذ، فنحن نتطلع اذن ليس الى من يتبنى العناوين بل الى من يتعهد تنفيذها خلال عهده المفروض ان يكون ميموناً : “انا المرشح لرئاسة الجمهورية اتعهد ان اوجه حكومتي وبيانها الوزاري الى اقرار الاصلاحات الآتية وربط تنفيذها بجدول زمني محدد”:
1 – تقديم اقتراح مشروع قانون لمجلس النواب لاصدار قانون حرية الحصول على المعلومات Freedom of Information Act، بما يسمح لكل مواطن لبناني الحصول على اي معلومات مرتبطة بالشأن العام، اي من كل المؤسسات الحكومية ونشر كل المعلومات على صفحات الكترونية متوافرة للعموم.
2 – تقديم اقتراح مشروع قانون الى مجلس النواب لاصدار قانون بالنسبة الى المناقصات العامة، يعتمد الشفافية التامة ان بالنسبة الى المواصفات او بالنسبة الى آلية فض العروض ولا يسمح باي شكل بتفصيل مناقصات غب الطلب.
3 – الغاء السرية المصرفية عن كل من يعمل في القطاع العام وكل من يستفيد من المال العام عنه وعن فروعه واي شركات تابعة له مباشرة او غير مباشرة، كما هو معمول به في البلدان الليبيرالية.
4 – إنشاء مجلس أعلى للفعالية الاقتصادية مع إعطائه صلاحيات إعادة صوغ كل الاجراءات الادارية في الدولة من دون الرجوع الى الادارات المختصة. ويكون دور هذا المجلس الانطلاق بورشة لاعادة صوغ كل المراسيم التنفيذية والاجراءات الادارية بالتعاون مع اهل الاختصاص والمجتمع المدني والهيئات الاقتصادية والاكاديمية، مع تحديد فترة زمنية لا تتعدي الـ24 شهراً للخروج بآليات جديدة لكل المعاملات حتى مع القطاع الخاص من اجل ترشيقها وتبسيطها ومنع التعقيدات المهندسة خصيصاً لفتح باب الرشاوى.
5 – فتح انتاج الكهرباء وتوزيعها للتنافس الحر كلياً بمدة لا تتعدى الـ3 اشهر والسماح باستيراد الغاز الطبيعي والمحروقات لمن يشاء ومنع الاحتكار في هذا القطاع.
6 – تأمين الخدمات الصحية لكل مواطن عبر القطاع الخاص ودمج كل الموازنات من ضمان ووزارة صحة وتعاونيات وغيرها تحت ادارة رقابية واحدة لتأمين الخدمات الصحية لكل مواطن يحتاجها من طريق شرائها عبر بوالص تأمين من القطاع الخاص.
7 – رفع الحد الادنى للاجور الى 500 الف ليرة لبنانية والغاء مبدأ التعويضات العائلية من الضمان الاجتماعي، وتحرير صناديق نهاية الخدمة تحت اشراف المصرف المركزي، وتحويل الضمان هيئة رقابية.
8 – تلزيم ادارة المدارس الرسمية للقطاع الخاص وتوزيعها عبر مناقصات على المؤسسات التعليمية العريقة التي اثبت جدارتها عبر تحقيق نتائج باهرة على المستوى التعليمي، مع التركيز بان كلفة معدل التعليم في القطاع الخاص هو نصف ما هو عليه في القطاع الرسمي وبنتيجة افضل.
9 – تحويل الاقتصاد الوطني اقتصادا تنافسيا يشمل كل القطاعات من دون استثناء لمنع الاحتكار مع احترام حقوق المستهلك، ويبقى منفتحا على التجارة الحرة ومحافظا على تنافسية القطاعات الانتاجية في لبنان، عبر:
أ- إنشاء مجلس أعلى لمنع الاحتكار الخاص والرسمي منفصل عن كل الوزارات Anti – Monopolies Commission.
ب- إنشاء محاكم خاصة ومستقلة متخصصة بحقوق المستهلك ومنع الاحتكار.
10 – العمل على استنباط تشريعات تعطي اعفاءات ضريبية ودعم لمن يخلق فرص عمل في لبنان تحث على تشجيع الاستثمارات التنموية وتوازن الانماء المناطقي والقطاعي، وإنشاء مناطق صناعية “ذكية”، تتوافر فيها الخدمات، في كل المناطق.
11 – إعادة حصرية حق فرض الضرائب الى مجلس النواب، وعدم فرض ضرائب مستترة باسم رسوم، وتأكيد مبدأ ان الرسوم هي لقاء خدمة وليست لتمويل مالية الدولة.
12 – إنشاء قوات خاصة من الشرطة يتم تدريبها في الغرب لمعالجة مشكلات السير Traffic Task Force، والتركيز على الرقابة الالكترونية في كل طرق لبنان وقوة مماثلة لمراقبة الاعتداءات على البيئة Environmental Task Force.
انها “دزينة” من العناوين الاقتصادية التي تُقنع أهل الاقتصاد بأن المرشح العتيد “ناوي على الخير” بما يتعلق بالاقتصاد الوطني والاصلاح.
(•) رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين.