عنفت المعارك امس بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد. وحقق الجيش تقدماً داخل المخيم القديم منذ ليل الجمعة – السبت، فسيطر على المزيد من المباني خلال قتال دار من حي الى حي ومنزل الى منزل، ما أدى الى محاصرة مزيد من مسلحي التنظيم الذين أطلقوا 8 صواريخ «كاتيوشا» صباحا وظهرا على مناطق سكنية بعيدة عن المخيم، بعدما أطلقوا 18 صاروخاً الجمعة. وأفادت المعلومات الأمنية ان الجيش قصف مصادر صواريخ «كاتيوشا» اطلقها عناصر «فتح الاسلام» من مواقعهم في مخيم نهر البارد، بمدافع الميدان والدبابات وحقق إصابات في مرابضها. ومارس مسلحو «فتح الاسلام» القنص ضد عناصر الجيش من المواقع التي انكفأوا اليها، مستخدمين بنادق متطورة لهذا الغرض يتعدى مداها ألفي متر، وهي مزودة مناظير بعيدة المدى. ورد الجيش على القنص يقصف مدفعي شديد.
وفيما بدأ في ضاحية لا سيل سان كلو الباريسية الحوار اللبناني الذي دعت اليه فرنسا بجلسة اولى مغلقة استمرت حتى ساعة متقدمة ليل امس في ظل تكتم شديد، توجه رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط الى جدة للقاء القيادة السعودية، يرافقه وزير الإعلام غازي العريضي، وعقد إجتماعا مع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل على ان يقابل القيادة السعودية اليوم. ولفت كلام للسفير الايراني في بيروت محمد رضا شيباني عن انه تحدث مع رئيس البرلمان نبيه بري عن «المساعي الايرانية – الفرنسية المشتركة لإيجاد مخرج للأزمة السياسية اللبنانية»، وعن «المساعي المشتركة الايرانية – السعودية».
وقال السفير الايراني في باريس علي اهاني الذي التقته «الحياة» في الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي في حديقة قصر الاليزيه امس، ان طهران ساعدت على انعقاد اجتماع الحوار اللبناني في باريس، وانها تتطلع الى ان يتم انتخاب رئيس الجمهورية اللبناني الجديد في الموعد المحدد. لكنه أشار الى ضرورة الإعداد لهذه الانتخابات، مؤكداً ان طهران لا تحبذ نشوء حكــومتين وتـــدهور الأمور في لبنان.
وكان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في استقبال المشاركين في الحوار والذين بلغ عددهم 30 شخصاً ويمثلون 14 طرفا حكوميا ومعارضا واربعة شخصيات من المجتمع المدني. ووصل المشاركون الى مقر الاجتماع، التابع لوزارة الخارجية الفرنسية، على متن باص نقلهم من فندق اقامتهم في منطقة بوجيفال القريبة.
وقرر كوشنير ملازمة الجلسات التي تعقد في ظل تكتم شديد، وبعيدا عن الصحافة. وأبدت الخارجية الفرنسية تكتماً فائقاً حول سير أعمال الاجتماعات وجدول أعمالها ومناقشاته، حرصاً على تجنيبها أي مزايدات كلامية، كما أكدت تكراراً حرصها على لعب دور المسهل في إطاره بعيداً عن أي تدخل.
وتوزع المشاركون في الاجتماع حول مائدة مستطيلة، وجلس كوشنير عند أحد أطرافها وإلى جانبه سفير فرنسا في لبنان برنار ايمييه والسفير جان كلود كوسران الذي أعد للاجتماع ومدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية جان فيليكس باغاتون.
وافتتح الاجتماع بكلمة ألقاها كوشنير وعرض فيها توقعات فرنسا وأهدافها من خلاله وتبع ذلك مداخلات مقتضبة لكل من المشاركين قبل بدء النقاشات التي تتواصل اليوم الأحد. ومن المقرر أن يختتم الاجتماع بمؤتمر صحافي يعقده كوشنير اليوم في قاعة مسرح بلدية سان كلو.
وقال كوشنير في كلمته الافتتاحية ان الوضع في لبنان بالغ الخطورة، وانه لا يريد اختفاء هذا البلد، مشدداً على أهمية اتفاق الطائف والا يكون لبنان ساحة حرب للآخرين «ونحن هنا للاستماع اليكم».
وبعد كلمة الوزير الفرنسي، عرض كل من المشاركين موقفه المعروف، ولم تشهد الجلسة نقاشاً للمواقف المختلفة، إذ ان هذا النقاش سيتم اليوم.
وشدد ممثلو «حزب الله» على تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة، وإلغاء كل القرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية، فيما عرض ممثل كتلة «التغيير والاصلاح» العونية ما حصل في السنوات السابقة، من تعيين نواب وغيره، ملمحاً ضمناً الى ان الرئيس المقبل للبنان ينبغي ان يكون النائب ميشال عون.
وركز الوزير مروان حمادة على احترام الدستور والحفاظ عليه، خصوصاً بالنسبة للاستحقاق الرئاسي، وكذلك الوزير أحمد فتفت الذي ركز على الدستور والطائف والاستحقاق الرئاسي.
وقال مصدر فرنسي ان ما حصل خلال جلسات أمس كان مجرد استماع لمواقف الأطراف المختلفة، مشيراً الى ان الجانب الفرنسي سيعمل في الوقت المناسب على تحديد عناصر التوافق بين الأطراف. وأضاف ان هذه العناصر معروفة وتتناول التأكيد على الطائف وانتخابات الرئاسة والحكومة.
جنبلاط في السعودية
وفي جدة، زار جنبلاط، يرافقه العريضي، بعيد وصوله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في منزله. واوضح العريضي لـ «الحياة» أن اللقاء تناول «موضوع المحكمة الدولية، وتقرير (رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري سيرج) براميرتز الذي صدر قبل ايام، ومستقبل المحكمة بعد إقرارها، وآلية عملها عند الشروع فيها. وبحثنا في ما يجري في نهر البارد، والوضع الأمني بملفاته جميعاً، والوضع الاجتماعي، والمستقبل الاقتصادي، وكل ما يتعلق بمصلحة لبنان».
وقال العريضي أن «الموعد الأساسي مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سيكون اليوم (الأحد)». من جانبها قالت مصادر ديبلوماسية إن ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز سيستقبل في وقت لاحق جنبلاط والعريضي.
وقال إن زيارته وجنبلاط لجدة «لا علاقة لتوقيتها بلقاء سان كلو. فهناك من يمثلنا على طاولة الحوار، ونتطلع إلى أن يكون حواراً جدياً يستمر بعد عودتنا إلى بيروت»، وأن الزيارة «كانت مقررة منذ فترة، وكنا ننتظر التوقيت» المناسب.
(الحياة)