إجابة على استفسار قارئ لموضو ع الدولة الوهم
كتب قارئ لموضوعي المنشور هنا بعنوان ( الدولة الوهم ) ما هو آتي :-
“إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها مثال هؤلاء ” قالها عبد المطلب بن هاشم ، وهو يشير إلى أبنائه وحفدته. لقد إستهل الدكتور القمني كتابه “الحزب الهاشمي” بهذا الإقتباس
أعتقد انه بعد هذه المقالة ان الدكتور سيد القمني ـ ان كان هو كاتب المقال حقا ـ قد تأهل بجدارة للعودة للكتابة في مجلة روزاليوسف. اين هذا المقال مما قدمه الكاتب من فكر في روائعه كـ “حروب دولة الرسول” و “الحزب الهاشمي . . . . لا أعلم كيف يستقيم هذا المقال مع فكر الكاتب. أقول للدكتور القمني انت مديون لقرائك بتفسير لهذه الرؤية الجديدة . ( انتهى تعقيب القارئ ) .
و أجيب
بنعم ، أنا مدين للقارئ بتفسير ، خاصة إذا كان هذا القارئ ممن لا يتيح لهم الظروف متابعة كل ما أكتبه ، فأولاً هناك ما سبق أن كتبته و نشرته و بعد سنوات من البحث و الدرس أعلنت تراجعي عن بعض النتائج التي وصلت إليها ، كما حدث بالنسبة لكتابي النبي إبراهيم و التاريخ المجهول ، و عودتي عن بعض ما وصلت إليه فيه ، و إعلاني عن هذا التراجع بأدلة و قرائن جديدة تشير إلى نتائج تخالفه ، و ذلك في كتابي النبي موسي و آخر أيام تل العمارنة .
لقد بدأت يا سيدي و أنا شديد التعلق بالفكرة الماركسية بكل ما يتضمن تحتها من عناوين ، فإذا الدنيا كما ترون ، و إذا بنا نعلم ما لم نكن نعلم ، لأتحول عن كل ألوان الفلسفات الشمولية إلى العلمانية الليبرالية ،لأن مبدأ ” الثبات على المبدأ ” قد أثبت أنه أحد و أكثر القيم بطلاناً . و هكذا حال العلم و هكذا حال طالب العلم ، هو على استعداد دائم لتغيير يقينياته ، بل هو في نضوجه لا يعمل تحت مظلة أي يقين ، و رغم ذلك فإن العلم ذاته يفرض المنهج المادي الماركسي في قراءة التاريخ كمنهج لا يزال صالحاً للإستخدام و لا زال أحد أدواتي المعرفية .
كنت يا سيدي في مرحلة من عمري شديد العنصرية و كتبت موضوعات قاسية بل و فاشية بامتياز ضد اليهود ، فقط لكونهم يهوداً ، كنت أحمل لهم عداء سحرياً غريباً ممزوجاً بفكرة الاستيلاء على أراضينا في فلسطين وفطير فصح صهيون المعجون بدماء أطفالنا … دون أن نراجع نحن أنفسنا و تاريخنا من هذه القضية ، و هكذا كنت ضمن السرب أسرب مع القطيع القومي ، فناقشت التراث اليهودي من منطق منحاز و عدائي سلفاً ، و هو واضح بشدة في كتابي ” الأسطورة و التراث ” ، خاصة في باب الأساطير التوراتية . و قد أعيد طبع هذا الكتاب عدة مرات ، لكني لم أعدل و لم أبدل فيما سبق و نشرت لأن هذا حق الناس و القراء ، يجب أن يظل كما هو ليشير إلى مراحل تطور الكاتب دون تزويق و إعادة تبرير أو إعلان أسف ، هي مرحلة تلتها مراحل واضحة فيما كتبت بعدها ، لتشكل جميعاًَ علامات لصالح أو ضد الكاتب في الامتحان أمام القارئ المتابع .
و في كتابي : الحزب الهاشمي و تأسيس الدولة الإسلامية و كتابي حروب دولة الرسول قلت أن الجانب المادي من الدعوة كان هو إقامة دولة تجمع شتات عرب الجزيرة تحت راية الدين الإسلامي ، و بريادة من قريش ، و بالذات البيت الهاشمي من قريش ، و سعى هذا البيت للرئاسة في مباراة مع البيت الأموي ، حتى حسمها الهاشميون باعلان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي أنه نبي من السماء .
و في ظل هذا المعنى تابعت الدعوة من بدايتها إلى نهايتها في كتاب هو سفر ضخم ( الإسلاميات ) يأخذ شكل كتب السير ، لكنه المتفرد باعتماد الواقع وحده محركاً للأحداث ، السياسة و المجتمع و الاقتصاد و العاده و التقاليد . . . إلخ . كانت إرادة العرب التجمع القومي في دولة ، عملت قريش عليها من زمن ، و قد تلاقت إرادة العرب مع إرادة السماء ، لكن الواقع كان يقول شيئاً آخر ، فقد ظلت هذه الدولة دولة قبائل ، فهي تجمع بدائي لقبائل تنضوي تحت رئاسة قبيلة سيدة ، و ظل كل شئ فيما عدى ذلك على حاله . الدول حتى اليوم درجات و أصناف ، فهناك دولة أمريكا و هناك دولة جزر القمر و هناك دولة الصومال فهل يستوون ؟ ، وهناك الدولة السعودية التي أقامها بن سعود بحلفه مع بن عبد الوهاب و الإنجليز ، و لم تزل حتى اليوم تعاني من قبلية تؤخرها عن منظومة الدولة المعاصرة بالمعنى العلمي لكلمة دولة .
هذا ناهيك عن كون المطروح علينا اليوم من كافة الفصائل الإسلامية هو إقامة دولة دينية إسلامية ، و هو ما يستدعي شحذ كل الردود العلمية الممكنة لترجيح كفة الدولة المدنية . و لعل أساس هذه الردود يكمن في التأكيد على أن دولة الرسول كانت دولة تليق بزمانها و مكانها ، كانت دولة بالنسبة لحالة العرب في الجاهلية الأولى و الجاهلية الثانية ، دولة لم يكن لها جيش إنما كانت تجيش باستدعاء القبائل لتأتي برجالها و نساءها و أطفالها و خيلها و بعيرها و سلاحها الخاص و تسير كل قبيلة تحت رايتها الخاصة ، مثل هذه الدولة لا يمكن تسميتها دولة إلا قياساً على حال جزيرة العرب آنذاك ، دولة بلا شرطة و لا محاكم و لا هيئات إدارية و لا تراتب وظيفي هيكلي هرمي ، دولة بلا هذا كله تسمى دولة من باب المجاز فقط قياساً على زمكانها ، لكنها بمقاييس العلم هي مرحلة انتقالية من البداوة إلى الدولة لم تكتمل عناصرها حتى اليوم . لذلك عندما أرفضها كنموذج لدولة مطلوبه اليوم من الإسلاميين ، أكون في مكاني لم أبارحه ، و لم أغير رؤيتي لتتفق مع مطالب الحكومة كي تسمح لي أن أكتب في روز اليوسف مرة أخرى كما رأى القارئ الكريم ، فأنا لست من موظفي روز اليوسف و لم أكن كذلك يوماً ، و إنما أكتب من بيتنا لمن أشاء و أمنع عمن أشاء ،و هو المنع الذي قررته مع روز اليوسف بعد موقف هيئة تحريرها الجديد منى إبان أزمة توقفي عن النشر، و ليس المسألة بالعكس يا قارئي المحترم . قليل من حسن الظن بكاتبك يخلق توحداً ليبرالياً مطلوباً . كنت أكتب لروز أيام كان محمد عبد المنعم رئيس تحريرها ، و بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه ، فهو مع من يعرفه يتخلق بأخلاق اللوردات ، و من كان يكتب لرئيس تحرير لورد يصعب عليه أن يكتب لشخص في حجم و تفاهة عبد الله كمال . و ها هي مجلته بعد توقفي عن الكتابة لها تعود بأعدادها سالمة من غير سوء أو ( سوق ) للمطبعة ، لأن قرائي المحترمين كانوا أكثر تفهماً و قرروا مساندتي بمقاطعة المجلة مثلما قاطعتها ، دونما اتفاق و لا اجتماعات و لا لجان و لا هيئات . و شكراً لك أيها القارئ لتنبيهك الشاك المشكك الذي أضرب عنه صفحاً احتراماً لك ، فأنا أكتب لك و استمد ما أكتبه منك ، من أجل وطن أتمناه أنا و أنت وطناً عزيزاً يعيش فيه مواطن كريم .
elqemany@yahoo.com
حنانيك قارئي
الاستاذ/ سيد القمني والدكتور/احمد صبحي منصور من الشخصيات التي ستدخل وتغير تاريخنا العربي والاسلامي في يوم ما وهذا اليوم ليس ببعيد, لديهم الفكرة والنظرة البعيدة التي يرى بها الوعي العربي والاسلامي لمستقبله وحاضره وتاريخه البعيد والقريب.انها احلامنا ولكن بالصوت والصورة, انها احلام يقظتنا, انها امانينا, اماني العاجزين من امثالنا, نقرأ لهم ونحترم شجاعتهم ونتمنى ان نمتلك جزءأ بسيطا من هذه الخصلة, نقرأ ردود الخصوم ونرى انها حصباء وحجارة وتهديد بالقتل وعندئذ نتاكد انهم يمتلكون بعض الحقيقة, اتمنى من خالقي بل ادعوه ان يمد في اعمارهم حتى يبصروا عالما جديداً يتطابق مع افاكارهم واحلامنا.
حنانيك قارئي لا شك أن الدكتور سيد القمني من أهم الكتاب الليبراليين المعاصرين، ولاشك أن قدرته على تغيير قناعاته وإعادة النظر فيما قدم لقراءه من أفكار شيء يحسب له وليس عليه. لقد خلقنا الله لنفكر ونتأمل ونتعلم، لا لكي نتقولب ونسلم ونؤمن أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، فيقف البعض منا عند دولة الخلافة ليراها نموذجا يحتذى به، في حين يري البعض الآخر أن دولة عبد الناصر هي النموذج الأمثل، وفي الحالتين هذه وتلك- رغم مايفصلهما من زمن طويل- يقف المؤيدون في إصرار وتشنج رافضين التحرك قيد أنملة عما وصلوا إليه من قناعات لاتتغير ولاتتبدل مهما كانت النتائج والنكسات… قراءة المزيد ..