الجمهور الشيعي يمرّ الآن بأزمة حادة، ويستشعر خطراً على وجوده وعلى وجود الحزب الذي يستظله ويحتمي به ويتماهى معه. وهذا الحزب هو الآن في أقوى لحظاته من الناحية المادية، لكن لهذه الصورة وجه آخر على المستوى المعنوي…
آسفة أن أتطرق مرة أخرى وبهذه الصيغة وهذا العنوان للمواطن اللبناني الشيعي. لست طائفية ولا مذهبية وأجدني مع التحركات اللبنانية المطالبة بالدولة المدنية ومع الثورات التي تريد قلب الاوضاع المزرية في عالمنا العرب كما انني من المطالبين بالتعامل مع اللبناني كمواطن في الدرجة الاولى سواء أكان شيعياً أم سنياً أم مارونياً أم بوذياً. ولكن عذري في ذلك هو ولائي للبنان وانتمائي إلى هذه الطائفة بالذات التي نشأت في بيئتها ولا أريد للمنتمين اليها، بأي صيغة كانت، إلا الحق والعدل والخير.
وأتمنى ان نتوصل في يوم قريب الى الاستغناء عن مثل هذا التوجه الى بعضنا البعض لأننا منذ الآن نتخلف كثيراً عن الحراك العربي ولم نعد نرضى عن أنفسنا ولا بقينا متفوقين بتقدمنا وديموقراطيتنا.
وسؤال الخوف الذي أشير اليه لا يسري على الشيعي حصراً بالطبع؛ فالخوف والترقب يطول الجميع بتعدد مذاهبهم ولا فضيلة لواحدهم على الآخر. وهو يطول المتهم ومن يتهمه، الضحية والجلاد، الحاكم والمحكوم.
لكن الفارق ان هناك من لديه ما يخسره وهناك من لم يعد لديه الكثير ليخسره. ربما لهذا أولوية التوجه الى الجمهور الشيعي . فلهذا الجمهور ان يخاف، أن يخاف من نفسه أولاً وقبل كل شيء وأن يخاف على قيمه وعلى نظرته الى نفسه.
الجمهور الشيعي يمرّ الآن بأزمة حادة ويستشعر خطراً داهماً على وجوده وعلى وجود الحزب الذي يستظله ويحتمي ويتماهى به. وهذا الحزب الآن في اقوى لحظاته من الناحية المادية، أي لجهة امتلاك القدرات العسكرية والرجال والسلاح ولاستناده الى قوى اقليمية لا تزال قائمة ولو الى حين.
لكن لهذه الصورة وجه آخر على المستوى المعنوي، وجه يخفي هشاشة وضعفاً وخوفاً من مجهول آتٍ يعبر عن نفسه في الانكار الذي نعاينه؛ إنكار الواقع وإنكار الزلزال الحاصل في المنطقة وإنكار هشاشة وضعف منطق الحزب ومن يتبعه مغمض العينين.
والانكار مفهوم نظري لفرويد يقصد به عدم الأخذ في الاعتبار جزءاً من الواقع. ويتعلق الانكار في التحليل النفسي بالواقع الخارجي “المدرك” كما بالواقع الداخلي.
يرفض فعل الانكار اعتبار بعض الوقائع كجزء مهم من الواقع، فيجري تجاهله بالكامل، ويتصرف الشخص او المجموعة المُنكِرة وكأن هذا الواقع غير موجود بالمرة بينما هو ظاهر للعيان ويفترض بالشخص معرفته. وهذا الانكار أو رفض مواجهة الواقع هو آلية دفاعية يلجأ إليها الشخص (أو دولة أو حزب) عندما يعيش هذا الواقع كمخيف ومثير للهلع. لذا يؤدي القلق الشديد من مواجهة هذا الواقع الجديد الى هذا الإنكار الذي يمحو الواقع الذي قد يكون مؤلماً عند تحققه. وهو عكس الشهادة على الواقع والاعتراف به.
وأرجّح أن سبب ذلك الهشاشة الحاصلة جراء انهيار الموقف الأخلاقي وازدواجيته . والابتعاد عن الموقف المبدئي والأخلاقي الذي لطالما تميزت به فكرة التشيع ومُثُلها.
يجدر بنا التأكيد بداية على ما أشار إليه الشيخ حسن مشيمش الذي خطف وأخفي ظلماً تحت بصر وأنظار الجميع في مقالة له في “النهار” إلى أن مثال التشيع الأعلى، الامام الحسين قد خرج من مكة بداية خروجا مدنيا سلميا بسلاح التصريح بكلمة الحق في وجه سلطان جائر، وهو أفضل أنواع الجهاد، كلمة حق في وجه سلطان جائر.
ان الشهادة كتضحية بالنفس لهدف مقدس موجودة في غالبية الديانات، لكنها كفكرة ترتبط عند الشيعة بالنضال ضد اللامساواة والقمع والظلم. فما بالك بالقتل الجماعي الممارس من النظام السوري المدعوم من قبل “حزب الله” ومشايعيه؟
كيف يمكن التمييز جوراً هنا بين انظمة الاستبداد؟ ألم تكن شهادة الحسين ومنذ القرن التاسع عشر مغذية الثورات او الانتفاضات ضد السلطات القمعية سواء أكانت محلية أو استعمارية؟
لا شك في ان ما قام به “حزب الله” في العام 2000 عندما ساهم في تحرير الجنوب، كان حدثاً غير مسبوق وأرسى نموذجاً مؤسساً على الصعيد العربي والإسلامي عامة. كما شكل رافعة قوية لمعنويات وكرامة الشعوب العربية والاسلامية. فلقد كانت المرة الأولى التي تضطر فيها إسرائيل أن تنسحب – مندحرة – تحت ضربات المقاومة. وللمفارقة ان “حزب الله” لم يحتفل بانتصاره ذاك قدر احتفاله “بانتصاره الالهي” في العام 2006!!
لكن المقاومة تنتهي عادة بانتهاء مهماتها، بينما “حزب الله” يمدد هذه المهمات أو يختلقها حتى ظهور المهدي ربما. ويلغي بذلك فكرة أولوية حق تقرير المصير للشعب اللبناني وحق المواطنة المتساوية بين الجميع. وبذلك تحوّلت المقاومة الى مؤسسة قائمة بذاتها غير خاضعة لمعايير او قانون وهي خصوصا خارج الاجماع اللبناني.
إنّ مفهوم “المقاومة” الذي يعتمده الحزب يناقض أساس الفكرة القانونية للمساواة لأنه يقسّم أبناء المجتمع الواحد بين “وطنيين” و”عملاء” وبين “أشرف الناس” و”أحطّهم” وهو بهذا المعنى لا يختلف عن التقسيم العنصري الذي عرف “بالابارتايد” وعن تقسيم الحزبيين المنتمين الى الأيديولوجيات الشمولية. وعندما تحصر المقاومة في فئة معينة من الناس، الشيعة المنتمين الى الحزب حصراً هنا، يفقد الشعب بكامله حقه في تقرير مصيره. وهذا معناه الاستقواء ومحاولة للاستيلاء على مقدرات البلد والتحول مصدراً للعنف.
لقد تبدلت صورة الحزب الوردية في سلوكه المستقيم وابتعاده عن السلطة التي سادت إلى حين تحرير الجنوب في العام 2000. ومنذ ذلك الحين بدأ نوع من التدهور ومن الارتهان، ليس الى المستضعفين ومصالحهم، بل الى الراعيين الاقليميين للمقاومة. كان الانحراف بسيطاً وبالكاد مرئياً من البعض، إذ غطته بالطبع غطرسة إسرائيل وممارساتها المستفزة والعدوانية والتي لا داعي لتكرارها وتعدادها فالمنطقة لم تكن تتحرك في ما سبق إلا على وقعها.
ولطالما غطت هذه الممارسات على سلوك الانظمة التي أطلقت على نفسها تسميات شتى: من جبهة الصمود الى التحدي حتى اهتدت اخيراً الى أكثر الشعارات مخاتلة أي الممانعة. كانت تسمية موفقة لأنها تضمر معاني مختلفة ولا تلزم بالقتال المباشر، استطاعت الاختباء تحت جبة “حزب الله” بما له من تاريخ مشرف وصدقية طبعت ممارساته خلال حقبة التسعينات بما غفر له ممارساته السابقة والتي يتهامس بها بعض المتجرئين من الشيوعين في ما بينهم حول دور الحزب في تصفيات بعض الكوادر الشيعية الشيوعية في حقبة الثمانينات.
وكان يمكن هذا الغفران أن يستمر وان يحصل استمرار التعايش معه لو أن الحزب قد اتخذ منذ ذلك الحين سلوكا وطنياً لبنانياً ولم يغفل هذه المصلحة الوطنية بالكامل لجهة مشاريع وأجندات تخدم أنظمة أقل ما يقال فيها أنها قمعية، سواء تعلق الأمر بالنظام السوري أم بالنظام الايراني.
في الحقيقة لو كنت مكان المحازب الشيعي لكنت خفت، خفت من نفسي أولاً على نفسي وعلى وطني لبنان. وكان هذا الخوف ليدفعني الى البحث عن مخارج، مخارج للسيطرة عليه ولاحتوائه وضبطه وذلك بمحاولة القضاء على مسبباته عبر عودة متمهلة الى الذات ومواجهتها ومراجعتها والتعرف على الانحرافات والاخطاء من اجل تفاديها.
وذلك يكون بالكف عن الاستقواء وعدم الغرق في البحث عن المصلحة الذاتية من خلال العمل على التهدئة وعلى التعاون مع الشركاء في الوطن الذي لا بديل منه وبعدم البحث عن مصادر القوة خارج الذات وخارج الاجماع اللبناني .
لو كنت مكانهم لوقفت مع الحق الذي يصعب الاختلاف عليه، ولما اختبأت تحت ذرائع سواء كانت: سلفية او مقاومة أو أياً كانت.
تكون على حق عندما لا تكون لك مصلحة خاصة وعندما تكون خارج اطار السلطة وتقاسم جبنتها. وتكون على حق عندما تدافع عن الحق من أجل الحق وليس خدمة لمصالحك الشخصية.
وهذا ما ينقص جميع ممثلي طوائف لبنان ومذاهبه من دون تمييز.
(استاذة جامعية)
نُشِر في “النهار”
هل يخاف الشيعي؟ من نفسه وعلى نفسه ووطنه؟
بل يخاف الشيعي من غدركم, فكل حرّ يخشى خيانة فكركم وعمالة أقلامكم, التي لا يصيبها الإسهال إلا حين يبصق فيها الأجنبي!
هل يخاف الشيعي؟ من نفسه وعلى نفسه ووطنه؟
”الامام الحسين قد خرج من مكة بداية خروجا مدنيا سلميا بسلاح التصريح بكلمة الحق في وجه سلطان جائر، وهو أفضل أنواع الجهاد، كلمة حق في وجه سلطان جائر”.
ما التجمعات والأنطوءات الطائفيه في مجتمعاتنا السوريه واللبنانيه خاصة إلا تجمعات مصلحيه انتهازيه حول شلة زعران ليس لها أي رابط بالجذور التاريخيه لتلك الطائفه والفهمان هو ألي بيتخلص من هذه الولاءات المريضه وينتمي للدوله، دولة المواطنه. ”وقل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.