لعل من المبكر الحديث عن التداعيات المحتملة لزيارة قداسة البابا الى لبنان.. ومع ذلك:
- في المضمون: استخدم قداسته، مرارا، تعابير “السلام” و”المصالحة” و”الحوا”ر، إلا أنه لم يحدد بَين مَن ومَن؟
إذا كان يقصد السلام بين اللبنانيين، فلا “حرب أهلية” في لبنان. والمتخاصمون يتشاركون في حكومة ما. ولا يوجد في البلاد ميليشيات مسلحة، بل ميليشيا واحدة، تابعة لإيران، هي ما يسمى “حزب الله”، مطلوب منها تسليم سلاحها اليوم قبل الغد. وإذا تمرّدت الميليشيا على قرار الحكومة اللبنانية، فهذا يعني انها خارجة على القانون.
وإذا كان قصدُ قداسته السلام بين لبنان وجيرانه، وتحديدا اسرائيل، فكان حرياً به ان يشجع اللبنانيين صراحةً على السير في طريق التفاوض المباشر مع اسرائيل.
- في المضمون ايضا، قال رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون مرحبا بقداسة الحبر الاعظم :”نحن نجزم اليوم، بأن بقاء هذا اللبنان، الحاضر كله الآن من حولكم، هو شرط لقيام السلام والأمل والمصالحة بين أبناء ابراهيم كافة”.
دعا الرئيس عون، إذاً، الى السلام والمصالحة بين “ابناء ابراهيم كافة”، ولم يستثنِ اليهود منهم! هذه لم تكن زلة لسان، وليس واضحاً لماذا لم تركّز عليها وسائل الإعلام، وخصوصاً الإعلام الرسمي؟
أين بطريرك الموارنة؟
- في المضمون ايضا ايضا، كان واضحا عدم رغبة البابا في إعطاء “براءة ذمة” لرجال الكنيسة المارونية، من البطريرك بشارة الراعي الى أصغر كاهن، او راهب. وتَعمّد الحبر الاعظم ان يقوم بنفسه، منفردا، بكل الزيارات والاتصالات واللقاءات، آخذا على عاتقه التحدث باسم الكنيسة المارونية. علما ان كنيسة الموارنة هي كنيسة “مشرقية” ولا تتبع لكرسي بطرس في روما مباشرةً، بل هي على تحالف مع الفاتيكان وخليفة بطرس. وعلما أيضا، أن البطريرك الماروني، هو بالنسبة للموارنة، خليفة القديس بطرس ايضا.
وفي اللقاء الذي جمع قداسة الحبر الاعظم بالرؤوساء الروحيين في لبنان، تحدث جميع القادة الروحيين، وكان البطريرك الراعي بين الحضور مستمعا، ولم يطلب منه القاء كلمة “الموارنة” ليعبر عن هواجسهم، فبدا في غاية الحرج، حيث تحدث البابا نيابة عن كنيسة الموارنة اللبنانية المشرقية.
ايضا، يبدو ان قداسته تعمد عدم إشراك البطريرك الراعي، في اي من زياراته او لقاءاته، فبدا وكأنه صاحب الدار ورجال الدين الموارنة وعلى رأسهم البطريرك مدعوين للمشاركة أسوة بسواهم، ما خلا من طلب اليهم المساهمة في اعمال تنظيم الزيارة وبحدود المسؤوليات التي طلبت منهم.
-
في المشهديات:
كان لافتا جدا سجود الحبر الاعظم، في قرية “عنايا”، امام ضريح الراهب اللبناني “القديس مار شربل”، في سابقة فاتيكانية بابوية!
- لم يبخل اللبنانيون بحسن الضيافة والكياسة في استقبال قداسة البابا، فكانوا دقيقين في التنظيم، ولم يبخلوا بالحشود التي انتظرت لساعات تحت زخات المطر، مرور البابا من امامهم لنيل بركته الرسولية ولو من وراء زجاج السيارة التي كانت تقله.
- في المشهديات ايضا، أعاد قداسة الحبر الاعظم الاعتبار الى الوجود المسيحي في لبنان، فبعد ان طبع أمين عام حزب الله الاسبق حسن نصرالله وحزبه لبنان بطابعهم، لعقود طويلة، جاءت الزيارة البابوية لتلفت الانتباه الى ان لبنان ليس محمية ايرانية، وان مسيحييه ما زالوا على قيد الحياة، وينبضون حيوية ووطنية.
في الشكل
- أثار حماس السيدة اللبنانية الاولى ولهفتها للقاء قداسة البابا انتقادات، ناتجة عن خرقها للبروتوكول، وتقدمها على الحبر الاعظم، وعلى رئيس الجمهورية، اثناء استقبال قداسته في مطار رفيق الحريري الدولي، اضافة الى اصطحابها مصمم الازياء “ايلي صعب” الى لقاء “الشبيبة” مع البابا، من دون مبرر.
- أثار وجود رئيس جمعية المصارف “سليم صفير” في بكركي أثناء لقاء قداسة البابا مع الشبيبة اللبنانية استغراب واستهجان بعض اللبنانيين. ويبدو ان الصداقة التي تربطه بالبطريرك الراعي هي التي اوصلته الى هذا اللقاء، من دون مبرر ايضا.
- لوحظ ايضا استبعاد أركان الكنيسة المارونية عن تنظيم اللقاء. فغاب وليد غياض، مسؤول الاعلام في الصرح البطريركي، والاب عبدو بو كسم، مدير المركز الكاثوليكي للاعلام، والاب فادي فادي تابت، امين سر البطريركية المارونية، عن الصورة تماما، ولم يكن لاي منهم دور يُذكر في التحضير او مواكبة الزيارة الباباوية.
- في الشكل ايضا، كان لافتا، تغييب قيادات وازنة في البلاد عن الاستقبال الذي اعد في القصر الجمهوري لقداسة الحبر الاعظم بحيث لم توجه الدعوات للمشاركة الى كل من د. سمير جعجع الذي يرأس أكبر حزب مسيحي في لبنان، والزعيم وليد جنبلاط، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وامين عام تيار المستقبل احمد الحريري… بالمقابل، وجهت الدعوة الى مدير مركز استقصاء وابحاث الاستاذ ربيع الهبر، ومدير موقع الكتروني هو الصحافي سيمون ابو فاضل!
أخيرا لا بد من الاشارة الى ان الزيارة البابوية حملت معها سلاما مؤقتا الى لبنان. فتوقفت الغارات الاسرائيلية طيلة ايام الزيارة ولم تنفذ اي اغتيال او تدمير خلالها.


