انتهى الإجتياح الإسرائيلي لجنوب الليطاني عام 1978، إلى “هدنة”. سلم الإسرائيلي مناطق الإحتلال لـ”جيش لحد”، وسلم مقاتلو المقاومة الفلسطينية مواقعهم على الضفّة الأخرى لليطاني، إلى مقاتلين أقل خبرة ومراسا، ويمموا إلى بيروت،ليصادروا الشقق الفخمة والسيارات الفارهة، وليتسلطوا على مصالح الناس.
لم يترك بعضهم ، قادة ومقاتلين، موبقة إلا وارتكبوها، من تهريب الدخان، والمشروبات الروحية، إلى السيطرة على المرافىء، شرعية وغير شرعية، وصولاً إلى فرض الشراكة والخوات على أصحاب المشاريع التجارية.
لكن فساد تلك المرحلة لم يتجرأ على صحة الناس كما اليوم. فالمشهد الراهن الذي ترسمه مقاومة الحزب القائد، بعدما ترك الجنوب ل”هدنة” القرار 1701، هو انخراطه في تجارة الأدوية الفاسدة، والكابتاغون، والسيغار الصيني، والتهريب عبر المرفأ والمطار، وشبكات الإنترنت، وكابلات التلفزة، والكهرباء، إلى شبكة الإتصالات الهاتفية الشهيرة، وبيع “السلاح المقاوم”، والبناء في أملاك الدولة والناس والمشاعات، بإشراف “أشرف القادة”،ولجيوبهم، إضافة إلى الفضائح المعروفة، وليالي السكر والمجون في بيروت، والتشبيح والسلبطة.
في كل مرة، إنفضح أمر من هذه، واجه الأمين العام الرأي العام بتكذيب، في غير مكانه: حين ابتلع صلاح عز الدين أموال ناس الجنوب والضاحية، قال إنّ حزبه لايعرفه ولا يتعاطى معه، ثم ظهر إسم نائب ووزير مقاوم كمدّع بمبلغ يقارب نصف مليون دولار. ولم يلبث أن إختفى سارق الأموال، ويقال إنه عبر مطار البيئة الحاضنة إلى البرازيل. قبله، كانت فضيحة صاحب طائرة كوتونو الشهيرة (مطلع 2004) الذي أودى جشعه بحياة 80 من أبناء الجنوب، وكذلك رنا قليلات.
أمام هذه الأجواء التي تضج بها سهرات الجنوب ودساكره، وشوارع بيروت والضاحية ، يبدو أن الأمين العام، المنفي طوعاً تحت الأبنية الجديدة في الضاحية، هو الوحيد الذي لايزال غائباً عمّا يجري، بدليل صدق تعابيره في أحاديثه، عن بعد، عن هذه الأمور، فيما صارت فضائح الحزب طبق كل لقاء. حتّى الأمور الصغيرة لا تغيب عمن يحب أن يسمع، كسداد نائب ووزير مايفوق الخمسين ألف دولار رسوماً جمركية لسيارة نجله النجيب، ما يفترض أن سعرها يفوق الـ150 ألف دولار.، أو شراء زميله صيدلية بمليوني دولار في شارع الحمراء. فمن أين لهذا المقاوم وذاك أن ينفقا هكذا مبالغ إن لم تكن ثروتهما بملايين الدولارات؟
لاتحتاج الناس إلى ألسنة طويلة. يكفيها خبريات صغيرة وما أكثرها. فكيف والتحاقد الإجتماعي، والتحاسد صارا درب النظر من زوجة شهيد، من رتبة مقاتل، إلى زوجة شهيد من رتبة قائد، ومن إبن الأول إلى إبن الثاني، في رقعة جمهورية الحزب، حيث لا يخفى أمر على مقيم؟
بلغ سيل الفضائح الزبى حتى اضطر رئيس الجمهورية لتضمينها كلمته في عيد الإستقلال، وجنبلاط مبادرته أمس.
rached.fayed@annahar.com.lb
كاتب لبناني
النهار