ز.. فى عام 1947 وإبّان فورة الإخوان المسلمين ضد باقى القوى الوطنية، قابل المرشد الأول للإخوان المسلمين (حسن البنا) المستشار السياسى للسفارة الأمريكية وعرض عليه إقامة قسم لمكافحة الشيوعية فى مصر، يكون رجاله من جماعة الإخوان أما التمويل المالى فيكون من الولايات المتحدة.
غير أن المستشار السياسى إعتذر عن عدم إمكان ذلك، لأن المخابرات الأمريكية كانت فى ذلك الوقت لا تتعاون مع جماعات (ووقع الشيخ حسن فى فخ التمويل الأجنبى – أو تكراره – قبل أن يتأكد من إختصاصات المخابرات الأمريكية).
ح.. وكان حسن البنا فى الإنتخابات البرلمانية – التى أُجريت عام 1942 فى عهد الوفد – قد رشح نفسه عن دائرة الإسماعيلية. وإستدعاه الزعيم مصطفى النحاس إلى فندق مينا هاوس (الذى كان يقيم فيه آنذاك) وجرت مع حسن البنا مقابلة عاصفة، طلب فيها مصطفى النحاس من حسن البنا أن ينأى بالدين عن السياسة، وإستجاب البنا لأنه فى ذلك الوقت لم يكن يستطيع مجابهة النحاس والوفد (وقد علمت التفاصيل الدقيقة والألفاظ التى قيلت فى هذه المقابلة العاصفة من إبراهيم فرج “باشا” الذى كان إبناً روحياً للنحاس).
ط.. وقد عاود حسن البنا الترشيح للإنتخابات النيابية عن دائرة الإسماعيلية عام 1945 فى عهد الحكومة التى كان يرأسها ويشغل منصب وزير الداخلية فيها أحمد ماهر باشا. وقد سقط البنا فى الإنتخابات، فإنتقم من أحمد ماهر الذى إعتقد أنه هو الذى أسقطه فى الإنتخابات، بالقتل؛ إذ إغتاله محام كان عضواً فى الحزب الوطنى، وعضواً فى التنظيم السرى للإخوان. وكانت الإزدواجية فى الإنتماء الحزبى مسموح بها من الإخوان ذلك الوقت، ولربما كانت دافعاً لعدم وضوح الهوية الإخوانية لقاتل أحمد ماهر، فى وقتها، وربما للآن.
ي.. بعد ذلك توالى مسلسل الإغتيالات، وبسفور يضح بدور الإخوان فيها، فقد تم عام 1948 إغتيال المستشار الخازندار رئيس محكمة جنايات مصر، وتبعها إغتيال محمود النقراشى رئيس الوزراء الذى كان قد حل جماعة الإخوان فى مصر.
وأثر حادثا القتل المباشر أثرهما فى إرهاب القضاة وإرهاب السياسيين. وأصبح حسن البنا محل حفاوة الساسة وغيرهم، خوفاً منه وتحسباً لمكره وخداعه. وقد تلت ذلك أحداث إرهابية متتالية، مثل حادث قنبلة محكمة مصر، والشروع فى إغتيال إبراهيم عبد الهادى الذى رأس الوزارة بعد إغتيال أحمد ماهر. وقضية سيارة الجيب إلى غير ذلك.
وقد سلف بيان أنه لما أحيط بحسن البنا واستشعر أنه من المحتمل أن تغتاله حكومة عبد الهادى، ردا على إغتيال أحمد ماهر، حرر بياناً عنوانه “ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين” حيث نقض ما كان قد نُسب إليه من الأمر بعمليات الإغتيال وغيرها.
وقد أدى إغتيال حسن البنا فى فبراير 1948، والإعتقالات الواسعة التى أجرتها الحكومة لأعضاء الإخوان، أن ضاعت وإنتهت فرصة الإخوان فى الوثوب إلى السلطة خلال حرب فليسطين، أو بعد الهدنة التى أُجريت بين المتحاربين، فاستبقوها هدفاً لهم يعملون عليه بشتى الوسائل.
وأثناء رياستى لمحكمة الإستئناف العالى ببورسعيد كنت اجلس فى غرفتى، وأتحاشى الحديث مع القضاة الذين يترددون على الإستراحة الخاصة بالرياسة للزيارة. وقد نمى إلى علمى من عضو اليسار فى المحكمة التى كنت أرأسها أن نقاشاً حاداً دار بينه وبين بعض القضاة الذين كانوا ينعون ويتباكون على هُويتهم ويقولون لقد ضاعت هذه الهوية بعد إلغاء الخلافة الإسلامية، ولابد من عودتها لتعود لهم الهوية. فلما أجابهم المستشار عضو اليسار بأن هُويتنا هى المصرية، وهى هى هويتنا من قبل أن تنشأ الخلافة وبعد أن أُلغيت، أبدوا له الإعتراض على ذلك.
ولما علمت بذلك طلبت من زميلى الا يدخل فى مناقشات عميقة، مع من يطالبون بالخلافة ومعه وهو ممن يتمسك بالهوية المصرية.
وللتدليل على إستمرار المطالبة أو التمسك بإعادة الخلافة الإسلامية لتكون لهم هوية، فقد ذهب عدد كبير من جماعة الإخوان لمقابلة رجب أردوغان رئيس وزراء تركيا وهم يهتفون هتافهم المشهور “الله أكبر ولله الحمد” وكأنهم يقدموا له مصر لقمة سائغة، لكن الرجل كان عظيماً فيما فعل إذ قال لهم إن الدين له ولغيره من المسلمين أما الدولة فلا دين لها، (إذ أن الدولة المثالية هى الدولة المدنية).
ولما خاب أمل الإخوان فيما فعله وقاله رجب أردوغان ظلوا يقولون إنه ليس لأحد أن يتدخل فى شئوننا الداخلية، وبذلك قلبوا الصورة، فهم الذين ذهبوا إلى رجب أردوغان ليقدموا له مصر، لقمة سائغة يبتنى بها الخلافة، ولما لم يعجبهم رده، قالوا ليس لأحد أن يتدخل فى سياستنا الداخلية، مع أنهم هم الذين دعوا الغير الغريب إلى التدخل فى شئوننا. ولو أن الرجل إستجاب لهم، أو كان غِرّاً لا يعرف حدود الفرد وحدود الدولة، لاهتبلها فرصة ليسيطر على مصر، كما فعلت مصر عام 1958 فى الوحدة مع سوريا التى إنتهى بها الأمر إلى التفكك والإنفصال عام 1961.
ط.. فى وزارة الوفد 1950 – 1952 هدأت الأمور نحوا ما، وأفرجت وزارة الداخلية عن المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين (مع أن بعض محاولات إغتيال الزعيم مصطفى النحاس كانت قد حدثت بتدبير منهم).
ي.. وقع إنقلاب 23 يوليو 1952 برياسة اللواء محمد نجيب ظاهرياً، أما الرياسة الفعلية فكانت لجمال عبد الناصر.
وفى كتابه “الآن أتكلم” ذكر خالد محى الدين أنه وجمال عبد الناصر كانا عضوان فى الجهاز السرى للإخوان المسلمين، وأنهما أقسما يمين العضوية أمام شخص متخفى فى ثيابه بمنطقة الصليبية.
وبدأ مجلس الإرشاد التعامل مع الإنقلابيين على أنهم أعضاء فى جماعة الإخوان، يأتمرون بأمر المرشد، ويأتـمّون بما يأمر به؛ لكن الإنقلابيين – وقد وصلوا إلى السلطة – رفضوا ذلك. وكان المرشد العام (حسن الهضيبى) قد طلب منهم حلّ جميع الأحزاب حتى يخلو الجو للإخوان، فأمر الإنقلابيون بحل الأحزاب جميعاً، وإستثنوا من ذلك جماعة الإخوان المسلمين، ولما إختلفوا معها إعتبروها حزباً سياسياً وطبقوا عليها قانون حل الأحزاب وإعتقلوا الإسلاميين بالآلاف.
أرادات الجماعة ومرشدها أن تفرض الوصاية على من إعتقدت أنهم أعضاء فيها يلتزمون أوامر المرشد؛ لكن السلطة كانت قد قوّت الإنقلابيين فرفضوا ذلك، وقامت حرب ضروس بين الجانبين إنتهت بإنتصار السلطة، ولما كان يفرج عن شخص من الإخوان كان يغادر مصر إلى البلاد الخليجية، كل حسب إتصالاته، لكن أكثرهم كانوا فى السعودية.
ومنذ سنوات طردتهم السعودية من بلادها، وشن عليهم وزير الداخلية حملة شعواء مفادها أنهم كانوا يعملون لصالحهم ولا يعملون لصالح البلد الذى آواهم. وأنهم لا يقيمون وداً ولا يحفظون عهداً. وهم لا يخدمون إلا أنفسهم.
(يتبع)
القاهرة
ماذا يجرى فى مصر؟ (29)
هذا المقال دقيق ورائع كغيرة من مقالات المستشار سعيد الذى يلقى اضواء كاشفة على مصائب الاخوان من واقع تاريخهم الانانى واستهتارهم ب مصر وترديدهم شعلرات جوفاء عفا عليها الزمن ك الخلافة التى فى ظلها نهبت مصر بل وتهدد الانسان المصرى ب الانقراض لهول المظالم التى ذاقها
اطال اللة لنا فى عمرك