(ط ط) عين المجلس العسكرى د. الجنزورى رئيساً للوزراء، بعد أن استقال عصام شرف، الذى أعلن للشعب المصرى أسفه من أنه لم يستطع أن يقدم له شيئاً، مع أن الثوار هم الذين رشحوه وحملوه على الأعناق، وعلل فشله بأنه لم تكن له سلطات حقيقية للتصرف فى أى شئ، وهو ما يعنى أن الوزارة كانت تعمل مثلما كانت وزارات عهد مبارك تعمل، كسكرتارية للرئيس الذى حل المجلس العسكرى الأعلى بدلاً منه. وقد تأكد هذا القول حين أذاع المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى الأعلى بياناً متلفزاً قال فيه إن الوزارة – أى وزارة د. الجنزورى ستحكم معهم (أي مع المجلس العسكرى)، وهذا يبرر العطل والمَطَل الذى لحق تصرفات السلطة، والتى من أجلها ثار الثوار على تعيين د. الجنزورى واعتصموا أمام مجلس الوزراء لمنع دخوله إليه. وقد وقعت إثر ذلك أحداث مؤسفة – تسمى موقعة مجلس الوزراء – قُتل فيها عدد من الثوار منهم شيخ فاضل من دار الإفتاء، وطبيب ومهندس من أسر طيبة وكريمة؛ وغيرهم.
ومع كل ذلك، فإن الإخوان المسلمين أيدوا حكومة د. الجنزورى وطالبوا بإعطائها فرصة للعمل، يُحكم عليها بعدها بالنجاح أو الفشل. أى إن الإخوان ظلوا يعملون على خيانة القوى الثورية، وإحباط جهودها فى تعيين شخص جاد، لم يعمل مع نظام مبارك، مثل د. الجنزوري الذى عمل ضمن هذا النظام مدة تزيد على عشرين عاماً، وكانت له أثناء حكمه أخطاء شديدة، مثلما حدث فى مشروع شرق التفريعة ومشروع توشكي وغيرها.
إزاء خيانة الإخوان للثوار، وإدعاء د. الجنزورى أنه أُعطى تفويضاً كاملاً بأعمال رئيس الدولة، فيما عدا ما يخص الجيش وما يتعلق بالقضاء، قبل الثوار على مضض أن يتجرعوا حكومة د. الجنزورى لفترة تُثبت فيها جدارتها أو يتحقق منها فشلها.
وللعجب، فإن تيار الإخوان المسلمين – جماعة أو حزباً – عاد بعد أقل من ثلاثة أشهر، يطالب بحق تأليف الوزارة، لأن د. الجنزورى فشل فى عمله. وكان ذلك موقفاً مغايراً للموقف الذى أخذوه، ضد الثوار بمنح د. الجنزورى فرصة. والفرصة أمام وزارة لا تكون مجرد شهرين، بل يُفترض أن تكون ستة أشهر على الأقل، خاصة وأن عمر هذه الوزارة رهن بتولى رئيس مدنى حكم البلاد وإستلام السلطة، ومنها – ربما – إستقالة الوزارة. ففيم العجلة ولماذا غيّر الإخوان رأيهم، ولم يصبروا على الحكومة مدة ستة أشهر سوف تنتهى بتاريخ 30يونية2012 عند إستلام رئيس مدنى للسلطة؟ هذا دليل دامغ على أن جماعة الإخوان تتخذ خطواتها دون رويّة ولا أسباب حقيقية، إنما يمليها عليها الهوى والشراهة ورغبة الإستحواذ على كل مفاصل السلطة! فقد أدركوا أن المجلس التشريعى محكوم عليه لا محالة بالبطلان، نتيجة قصر نظرهم وعدم التزامهم حكم القانون. بل إنهم أرادوا أن يكون لهم قانونهم الخاص بهم، فيستولوا على مجلس الوزراء ثم رياسة الجمهورية، ويضعوا دستوراً يضفى الشرعية على مجلس الشعب ومجلس الشورى، المطعون عليهما وعلى أعضائهم، مدة ثلاث سنوات. وخلال هذه الفترة يكون لهم حق تشكيل الوزارة (مع أنهم أكثرية ولا يكونون أغلبية إلا مع حزب النور، الذى قد يكون له رأى آخر تبعاً لعقيدته فى عدم مخالفة الحاكم) وهكذا بجموح الجماعة وجنوح حزبها، تقوض كل القوانين، ويعاد تشكيل المحكمة الدستورية العليا، كما يعاد النظر فى إختصاصها، خلافاً للمعمول به فى كل دول العالم، وكل المحاكم الدستورية.
(د د) فُتح باب الترشيح لرياسة الجمهورية، وعلى خلاف ما كانوا يعالنون به ويجاهرون بفحواه، فقد دفعوا بأحدهم مرشحاً للرياسة. وتبين للجنة المختصة أنه لم يستوف الشروط اللازمة، إذ ينقصه حكم من المحكمة برد إعتباره قضائياً، حتى لو صدر عفو عن الجريمة التى أدين فيها. وثارت ثورة الإخوان وقال قائلهم إن السلطة تعمدت حجب إسم هذا المرشح مع أنه إقتصادى ماهر، ورد خصومهم قائلين إن هذا الشخص لا يفهم إلا فى إقتصاد تجار الشنطة وتجار العملة فى السوق السوداء. دفع الإخوان بمرشح آخر لهم هو رئيس حزب الحرية والعدالة، وهو مهندس درس فى الولايات المتحدة، وأشيع عنه أنه حمل الجنسية الأمريكية أثناء دراسته بالولايات المتحدة، وكذّب هو ذلك لكنه إعترف بأن أولاده حصلوا على هذه الجنسية.
تصرف الإخوان خلال الإنتخابات – كما هى عادتهم – بصلف وغرور وتعالى، وقال المرشح للرياسة إنه “سوف يدهس أعداءه بحذائه”. غير أن الشعب المصرى لقن الإخوان المسلمين درساً لن ينسوه أبداً؛ فقد فازوا بما يتراوح حول 25٪ من أصوات الناخبين، التى إنخفضت إلى نسبة 50٪ من أصوات الأشخاص الذين يحق لهم الإنتخاب. ومعنى ذلك أن هؤلاء الأخيرين قاطعوا الإنتخابات لكى يتحاشوا التصويت لمن يُسمون بفلول الحزب الوطنى وللإسلام السياسى.
وبهذا التصرف الحاسم من الشعب، كانت نسبة ما حصل عليه الإخوان من أصوات يقدر بحوالى 1/8 مجموع أصوات المقيدين فى جدول الإنتخاب، ممن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم فى أى إنتخابات تجرى.
(ي ي) لقد إتصف الإخوان المسلمون واتسمت تصرفاتهم، بالإستعلاء والإستكبار، وعدم الوفاء بأى عهد، وبلدد الخصومة والإيذاء الخارج عن الحد لكل من يعارضهم ولو فى أمر بسيط إلى ما غير ذلك:
1.. ولربما لا يعرف من فى الشرق الأوسط سبب إستعلائهم وإستكبارهم، مع أنهم لم يقدموا فكراً ولا فقهاً، وإنما قدموا سلوكيات للبداوة بكل جلافتها، وقد عرفت السر حين كنت عائداً إلى محل إقامتى بعد أن حضرت جلسة عاصفة لجمعية التوفيق بين الإسلام والمسيحية فى مدينة نيويورك، فقد سألنى القس الذى كنت أعرفه من مصر عن معنى عبارة (وأنتم الأعلون) لأن رجلاً من أصل باكستانى يرددها أمامهم دائماً دلالة على أن تنظيمهم هو الأعلى. فأجبت بأن هذه العبارة جزء من الآية (ولا تهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون) نزلت خطابا للمسلمين الذين كانوا قد هُزموا فى موقعة أُحد (سورة آل عمران آية 139). فقال لى إن هذا التعبير سر الإستكبار والإستعلاء الذى يسلكه الباكستانى المنوه عنه.
وفى تقديرى أن تلك العبارة يتم تداولها كثيراً بين أفراد الإخوان فى سرية؛ حتى يجهل الآخرون سبب تصرفاتهم، وما كنت لأعرفها لولا أن ذكرها لي القس المضيف لى.
2.. أما نكوثهم لكل عهد وأى تصرف، فقد ذكر ذلك أحد بارزيهم فى برنامج تلفزيونى، إذ ركن إلى حديث فى صحيح البخاري ورد على لسان النبى يقول فيه ما معناه أنه إذا إتفق أحدكم على شئ ثم سنحت له فرصة أفضل فعليه أن يأخذ الأفضل ويُكفّر عن قسمه. وقد صدرت فتوى من الأزهر الشريف عام 1990 بأن أحاديث الآحاد لا إلزام دينياً لها، فهى تؤخذ على سبيل الإسترشاد والإستئناس لا غير. أما إن إختارت جماعة هذا الحديث – وهو حديث آحاد – لتركن إليه فى تصرفاتها واقوالها، فإنها تكون قد تنكبت سواء السبيل وخالفت القرآن الذى تقول آية فيه (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) سورة البقرة آية 177.
3.. أما اللدد فى الخصومة، والهوان فى التصرف مع من يخالفهم، فلقد ظهر عندما ألصقوا بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كل نقيصة، بعد اختلافه مع مكتب الإرشاد على أمر إدارى، وكانوا من قبل يقولون عنه “من أراد أن يرى وجه رجل من رجال الجنة فلينظر إلى وجه عبد المنعم أبو الفتوح” – والرجل كما يظهر للمصريين جميعاً عفّ اللفظ حسن التصرف حصل فى نتائج التصويت – وهو يعمل وحده – على ما يقل عن عدد الأصوات التى حصل عليها مرشح الإخوان بنسبة قليلة.
ولقد فهمت مما حدث من الإخوان المسلمين مع د. عبد المنعم أبو الفتوح و د. محمد حبيب ما حدث ويحدث معى.
فلقد أستأجروا رجلاً ماركسياً، ظل فترة طويلة فى معتقلات عبد الناصر، ولما أفرج عنه عمل فى جمعية تعاونية (وقت أن كنت أجلس مجالس القضاء الرفيعة)، ودون أن ينكر ماركسيته أو يتخلى عن الكتب التى ألفها، وعلى الأخص كتاب عن المعتزلة بإعتبارهم فرسان العقل، وكتاب عن الخلافة يجرى فى ذات المجرى الذى أنهل منه فى كتاباتى، وحقق كتاب على عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم”، لم يتخل الرجل عن ماركسيته ولم يتخل عن كتبه، ومع ذلك استأجروه ليكتب عنى بصورة كريهة وبتشويه مقصود.
فى ألمانيا قال لى أستاذ ألمانى عنه: إننا نعتبره ميتاً وكأنه لم يحيا ولم يكتب، ولا نستطيع الإشارة إلى أى رأى أو تقدير فى كتبه، لأنه لم يتمسك بها ويظل على عهده، ولا أنكرها فيريح ويستريح.
(يتبع)
saidalashmawy@hotmail.com
القاهرة