إذا تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية اليوم ووقع لبنان في الفراغ الرئاسي، فإن هذا يعني أن هذا الفراغ محطة ضمن خطة معدة للبنان، أو أنه جزء من مسار يراد للبنان أن يسلكه في اتجاه تغيير وجهه ووظيفته في المنطقة وطبيعة الحكم فيه.
فالحديث عن كيفية إدارة الفراغ بعد حصوله، وعن «تنظيم» هذا الفراغ عندما يصبح أمراً واقعاً، سبق الحدث المفترض بأسابيع وأشهر. بل أنه يمكن القول إن حصول هذا الفراغ، سيتم بمبادرة من فريق واحد هو المعارضة. فعدم التمكن من انتخاب رئيس للجمهورية سببه مقاطعة نواب المعارضة للجلسة النيابية، واشتراطهم «التوافق» على المرشح الذي يريدونه، على طريقة تقديم العرض الذي لا يمكن للفريق الآخر أي الأكثرية رفضه، كشرط لتأمين نصاب الجلسة النيابية.
وإذا كانت المبادرة في إحداث الفراغ هي في يد المعارضة، فمعنى ذلك أنها تأمل من حصوله بنتائج سياسية لمصلحتها وتتوقع تطورات تراهن على صنعها في كنف هذا الفراغ.
لم يعد خافياً على كثيرين من متابعي الأزمة اللبنانية أنه إذا تجنب لبنان وقوع الحرب الأهلية بعد حصول هذا الفراغ، فإن تسلّم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة سلطات الرئاسة مجتمعة، وفق ما ينص عليه الدستور، سيحوّلها الى هدف ومرمى قوى المعارضة، التي تعتبرها غير شرعية. وسيتصاعد تصويب المعارضين وحلفاء دمشق على هذه الحكومة، وسيرمي جميع قادة المعارضة كل المصاعب والمشاكل التي يمر فيها لبنان على كاهل هذه الحكومة التي تتشكل غالبيتها من قوى 14 آذار، من أجل انهاكها.
تقضي نيات من خطط للفراغ كخطوة من ضمن خطة أوسع التسبب بمزيد من الشلل لعمل هذه الحكومة، على رغم الاعتراف الدولي والعربي الذي سيستمر قائماً بها، ومن ثم اتهامها بأن بقاءها هو وراء إضعاف المسيحيين وموقعهم في قلب السلطة السياسية، لرفع التهمة عن المعارضة بأنها حالت دون وصول الرئيس الجديد الى هذا الموقع. والمطلوب عبر هذه الحملة هو انضاج حال الاهتراء التي تعيشها المؤسسات الرسمية تمهيداً للمطالبة بقيام حكومة انتقالية تضع قانوناً جديداً للانتخاب، تجري انتخابات نيابية مبكرة، يعتبر قادة المعارضة ان النصر محتم لهم فيها، لاعتقادهم بأنهم سينجحون في التسبب باهتراء قوى 14 آذار في السلطة بسبب ضغط مطرقة الوضع المعيشي المتفاقم على هذه القوى، وسندان الهجوم المتواصل للمعارضة ضدها في شكل يقود الى تآكل شعبيتها. ناهيك بأنه إذا طال الفراغ وامتد حتى حصول الانتخابات النيابية في موعدها في الربيع المقبل، أو حصولها في شكل مبكر، فإن قادة المعارضة يدركون ان قادة الأكثرية سيكونون مكبلين وغير قادرين على الحركة وعقد المهرجانات الانتخابية وحملات التعبئة لجمهورهم الانتخابي، بسبب ما يتهددهم من مخاطر أمنية واغتيالات تجبرهم على البقاء في منازلهم أو في فندق فينيسيا، حتى لو نجح البرلمان في انتخاب رئيس جديد، فكيف سيكون الأمر في ظل الفراغ الرئاسي الذي يتيح بدوره كل أنواع المفاجآت الأمنية؟
ان حصول الفراغ طالما هو جزء من خطة، إذا حصل يتناسب مع هدف دمشق إسقاط الفريق الحاكم الحالي والأكثرية النيابية. فالرئيس بشار الأسد سبق ان وصفه بأنه منتج إسرائيلي وأنه سيسقط. وهو هدف تسعى اليه دمشق سواء بالفراغ أم من دونه أو سواء طال هذا الفراغ أم قصرت مدته… ولكل حالة من هذه الحالات عند الفريق المعارض وحليفه السوري أثمانها أو ما يقابلها. ولذلك، على ما يبدو، أيّد بعض قادة المعارضة المرشح الذي سبق أن رفضه النائب سعد الحريري، لعلمهم بأنه سيرفضه عند التفاوض النهائي، وعدلوا عن تأييد المرشح الذي قال انه توافق معهم على العمل لإنجاح وصوله الى الرئاسة. هل ان للفراغ وظيفة محلية فقط تقتصر على تعديل موازين القوى الداخلية التي بدأ العمل عليها منذ أطلقت المعارضة تحركها قبل سنة عبر الاستقالة من الحكومة والاعتصام…؟
ما كان مطروحاً على سورية وإيران اللتين تمسكان بورقة لبنان عبر حلفائهما فيه لأهداف تتعلق بالصراع الإقليمي عموماً، وبالمحكمة الدولية وبالملف النووي الإيراني… هو أن تنتظرا اتضاح صورة الوضع الإقليمي – الدولي في المنطقة واتجاهات رياح المواجهة بينهما وبين الدول الغربية والعربية المعتدلة، إذا أفرجتا عن الرئاسة اللبنانية لمصلحة رئيس تسوية لن يزعج استمرار حلفائهما اللبنانيين في امتلاك الأوراق التي في حوزتهم سواء في ابعادها الداخلية أم الاقليمية، وسلاح «حزب الله» أهمها، اذ لا احد يتنطح الى المس بهذا السلاح. وخاضت القيادة الايرانية والقيادة السورية التفاوض مع فرنسا والدول الأوروبية حول الرئاسة اللبنانية بذهنية السعي الى رئيس يقدم لهما جزءاً من الغطاء الذي قدمه لهما لحود لتعذر إيجاد شبيه بالأخير. وحصول الفراغ لا يعني سوى انهما قررتا مواصلة خطة الإمساك بكل شيء في لبنان، للتفاوض على أبعد من الرئاسة.
الحياة