2-2
في أكتوبر 2001 م ــ وعبر صفحات مجلة “نيوز ويك” الأمريكية ــ وجه الجنرال حميد غول القائد السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية، الذي عزله الجنرال برويز مشرف بعد أحداث 11 سبتمبر مباشرة، تحذيراً للولايات المتحدة الأمريكية من مغبة المراهنة على القيادات الأفغانية، لأنّها تبدّل ولاءاتها بسهولة، مثلما تبدّل ملابسها الداخلية.. حيث قال: “أعرف كثيراً من القادة الأفغان الذين يناورون في مواقفهم وتحالفاتهم.. فقد بدّل أحدهم ولاءه ست مرات.. وأعرف آخرين يمارسون نوعاً من الولاء الموسمي.. ففي أيام الصيف يهربون من جبهات المجاهدين في الجنوب إلى كابول في الشمال.. ثم يعودون مرة أخرى إلى صفوف المجاهدين في الجنوب هرباً من شتاء كابول القارس”!!
كان نجيب الله – قبل انقلاب دوستم عليه – قطع شوطاً معاً في بلورة اتجاهات عامة لتحقيق السلام والمصالحة في أفغانستان تحت إشراف الأمم المتحدة، من خلال مبعوثها الدولي السابق إلى أفغانستان السيد بينان ستيفان، حيث اتفقت الأطراف المعنية على عقد مؤتمر تشاوري خارج أفغانستان، يحضره سبعة ممثلين عن حكومة نجيب الله، وسبعة من المنفيين الذين يمثلون المعارضة في أوروبا من أنصار الملك السابق ضاهر شاه، ومجموعة من المعارضين في باكستان تمثل أحزاب المجاهدين السبعة.. وكان الهدف من ذلك المؤتمر هو تشكيل مجلس انتقالي، وصياغة دستور يحدد شكل نظام الحكم .
حظي ذلك الاتفاق بموافقة الرئيس الأفغاني الراحل نجيب الله، والرئيس الأفغاني اللاحق برهان الدين ربّاني، ويونس خالص، ومحمد نبي وعبد الحق أرسلان وسيد جيلاني. كما حظي ايضا بموافقة قلب الدين حكمتيار الذي كان من أشد المعارضين لمبدأ التفاوض مع الحكومة الشيوعية في كابول برئاسة نجيب الله ثم قام بتغيير موقفه فجأة بالانضمام الى صف المعتدلين الذين يؤيدون التفاوض مع مشروع حكومة نجيب الله فيما عارضه فصيل واحد فقط هو الاتحاد الإسلامي بزعامة عبد رب الرسول سياف الذي أصر على مواصلة الجهاد المسلح حتى إقامة الدولة الإسلامية في أفغانستان.. وحاول سياف إفشال هذا الاتفاق، حيث قام على نحو منفرد بحشد معظم قواته، كما شن هجوما كبيراً بهدف اقتحام مدينة جلال أباد والزحف على كابول لإسقاط الحكومة بالقوة.. لكنّه فشل وتلقى ضربة موجعة ومدمرة تسببت في إضعاف نفوذه العسكري لاحقاً، أثناء معارك الصراع الدموي على السلطة بين فصائل المجاهدين.
بيد أنّ هذا الاتفاق لم يُكتب له النجاح، بسبب معارضة الجنرال عبد الرشيد دوستم الذي دبر انقلاباً عسكرياً، أطاح بالرئيس نجيب الله، تمهيداً لإبرام اتفاق تعاهدي من نوع آخر مع قادة المجاهدين الميدانيين في جبهات الشمال، وعلى رأسهم أحمد شاه مسعود، قضى بتمكين الأخير من الدخول مع قواته إلى العاصمة كابول بدون قتال، مقابل دمج قوات مسعود مع الفرق العسكرية الجوية البرية المرابطة في الأقاليم الشمالية التي تعيش فيها غالبية من أتباع المذهب الشيعي، لتكون نواة للقوات المسلحة الجديدة بقيادة أحمد شاه مسعود.. على أن يتولى الجنرال عبد الرشيد دوستم وثلاثة من مساعديه مهام الإدارة الميدانية للمدن الرئيسة في مزار شريف وحيرتان وسامنغان وطالوقان، فيما يعهد للقائد الأوزبكي الشيعي إسماعيل خان مهام الإدارة الميدانية لولاية هيرات المحاذية لإيران غرباً، والسماح لمن يرغب في مغادرة كابول من قيادات وكوادر الحزب والدولة بالانتقال الآمن إلى الأقاليم الشمالية وجمهوريات آسيا الوسطى وتركيا وأوروبا، عن طريق ممر سالانغ الذي سيتم تسليمه – بموجب هذا الاتفاق – لأحمد شاه مسعود، كي يتمكن من دخول قاعدة بجرام الجوية بالتنسيق مع قائد الدفاع الجوي في شمال كابول الجنرال عبد الحسين سيد لال والتحرك منها إلى العاصمة كابول، بدعم لوجيستي من الجنرال الطاجيكي الشيوعي عبد المؤمن شير علم قائد ولاية سامنغان التي تشرف على ممر سالانغ ووادي بانشير مركز قيادة مسعود.
بالاتجاه المعاكس، شعر الجنرالات الشيوعيون من طائفة البشتون السنية التي ينتمي إليها الرئيس نجيب الله، بالقلق الشديد إزاء تحركات دوستم بعد انقلابه على نجيب الله، واتصالاته المريبة بأحمد شاه مسعود. وعلى الفور اتصل الجنرال عبد الصمد رفيع رئيس غرفة العمليات في وزارة الدفاع، بالشيخ قلب الدين حكمتيار الذي يرتبط معه بعَلاقة قرابة، مساء 20 ابريل 1992، وطلب منه اللقاء في مدينة لوغر جنوب كابول بأسرع وقت. وتمّ اللقاء فعلاً بعد ظهر يوم 22 ابريل 1992م، حيث قام الجنرال رفيع بإطلاع قلب الدين حكمتيار على تفاصيل الخطة العسكرية التي رصدتها غرفة العمليات بين دوستم ومسعود، وابلغه استعداد قادة الفرق العسكرية الجوية والبرية في قندهار والأقاليم الجنوبية والوسطى، للانضمام إلى صفوف قوات حكمتيار والعمل تحت قيادته. وهم الجنرال حسين زاد لالي قائد ولاية ننغهار، والجنرال فتح الله نصيرات قائد ولاية باكتيا، والجنرال سيف الدين عبد القدير قائد ولاية غازني، والجنرال نديم عبد الحق بار قائد ولاية أورزغان والجنرال عبد الشكور صافنيور قائد ولاية زابول.
في هذا السياق قام المسؤولون المحليون والقادة العسكريون في بقية المناطق والقرى الواقعة في جنوب غرب أفغانستان، بإبرام عهود مع المجاهدين وزعماء القبائل لاقتسام السلطة في مناطقهم، حيث تحول الجميع بعد ذلك إلى تجار حروب ومخدرات ومصاصي دماء وقطاع طرق وناهبي أملاك خاصة وعامة ومنتهكي أعراض النساء في مرحلة الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط كابول بيد المجاهدين.. ولم تنحصر هذه الأعمال الإجرامية وغير الأخلاقية في مناطق محددة، بل شملت كل أنحاء أفغانستان وشارك فيها كل القادة الجدد من زعماء القبائل والشيوعيين والمجاهدين بدون استثناء.
في اليوم التالي للقاء حكمتيار والجنرال عبدالصمد في لوغر، تلقى جهاز اللاسلكي الخاص بحكمتيار إشارة من جهاز أحمد شاه مسعود، وحرص حكمتيار في هذا الاتصال على الارتباط لاسلكياً بجهاز آخر في مدينة بيشاور يحمله أستاذه ومرجعه الديني والسياسي الشيخ قاضي صاحب، المعروف باسم قاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، وراعي المدارس السلفية الدينية التي تتبع المذهب السني وتعتنق الأفكار الوهابية. ومن المفارقات العجيبة أن أحمد شاه مسعود كان يتحدث عبر اللاسلكي وبجانبه الجنرال الشيوعي عبد الرشيد دوستم الذي كان يسمع عبر جهاز إرتباط كل ما يقوله حكمتيار على الطرف الآخر !!!!
تساءل مسعود في هذا الاتصال عن صحة المعلومات التي وردت إليه حول استعداد حكمتيار لاقتحام كابول بالدبابات، مشيراً إلى أنّه لا يرى داعياً لكل ذلك إذا كان الأمر صحيحاً، لأنّ قادة الانقلاب الذي أطاح بالرئيس نجيب الله أبلغوه استعدادهم لاستسلام العاصمة، وتسليم قاعدة بجرام الجوية، وفتح ممر سالانغ الإستراتيجي، بشرط تجنيب السكان مخاطر الحرب والدمار.
واختتم مسعود حديثه قائلاً: لن أسالك كيف حصلت على الدبابات.. وأين ومتى دربت مقاتليك عليها بهذه السرعة.. ولكني أناشدك.. الاستفادة من هذه التطورات وحقن الدماء بدلاً من التفكير باقتحام كابول بالقوة.
من جانبه رد حكمتيار بالقول إنّ جنود بعض الوحدات العسكرية الحكومية تمردوا على قادتهم وانضموا إليه، وأعلن بكل صراحة رفضه العرض الذي تقدّم به مسعود، لأنّه كان يدرك أنّ ذلك يعني دخول خصمه اللدود مسعود إلى كابول قبله بمساعدة الجنرال دوستم .. ونقل حكمتيار إلى مسعود شكوك قادة الأحزاب السبعة حول صحة ومصداقية التطورات في كابول.. وأكد عزمه على اقتحام العاصمة بالدبابات لتصفية بقايا الشيوعيين مع رفع أصوات التكبير والتهليل أثناء فتح كابول، مشيراً إلى أنّه لا يطيق رؤية الشيوعيين في العاصمة كابول وهم يسلمون السلطة للمجاهدين بصورة ودية!!
كان مسعود بدوره يدرك، أنّ حكمتيار يناور بالحديث حول ضرورة تصفية الشيوعيين لأنّه ينوي دخول كابول على متن دبابات يقودها ضباط شيوعيون من طائفة البشتون السنية، ناهيك عن أنّه كان قد وافق على العمل معهم من خلال مشروع الممثل الدولي بينان ستيفان. ولذلك جاء رد مسعود حازماً بقوله: لقد سمعت موقفك يا أخي وعليه فإنني مجبر الآن على الاستعداد للدفاع عن كابول وسكانها بكل ما لدي من قوةً ضد أي حملة تأتي من جانبكم، ثم أنهى مسعود كلامه بإغلاق جهاز الاتصال .. لتبدأ مأساة جديدة على أيدي الإخوة الأعداء منذ لحظة دخولهم كابول في 27 ابريل 1992م.. مروراً بالاستقطابات السياسية والمواجهات الدموية بين حكمتيار وأحمد شاه مسعود طوال الفترة 1992م ــ 1996م، وانتهاء بظهور كارثة “ طالبان” التي مكّنت الولايات المتحدة الأمريكية من تجديد الاستعانة بالاسلام السياسي لجماعات “المجاهدين” مرةً أخرى، واستخدامهم وَقوداً لحربها الثانية في أفغانستان.
إختلاط الأوراق وسقوط القيم
وصل المجاهدون إلى الحكم في أفغانستان بدون مشروع واضح لبناء الدولة الوطنية الجديدة في مجتمع متعدد الأعراق والأثنيات والطوائف والمذاهب.. فكان وصولهم إلى السلطة إيذاناً بانفجار صراع دموي عنيف على السلطة، اختلطت فيه الأوراق، وغابت عنه القيم الإنسانية، حيث تحوّل القادة السابقون إلى أمراء حرب قذرة موّلوها بتجارة المخدرات وقطع الطرقات وفرض الأتاوات ونهب الأموال والأملاك الخاصة والعامة.. وأدت هذه الحرب إلى إزهاق أرواح عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء وتدمير معظم ما أنجزته الحكومات السابقة من مشاريع تنموية، وتشريد عدة ملايين من اللاجئين الذين غادروا بلادهم الى البلدان المجاورة بحثاً عن الخبز والأمان، بعد أن أخفقت وساطات عربية وإسلامية عديدة في وضع حدٍ لتلك الحرب الأهلية المدمرة، بالإضافة إلى فشل الأمم المتحدة في إحلال السلام والمصالحة الوطنية من خلال ممثلها الجديد الأخضر الإبراهيمي الذي أعلن فشل مهمته، وحمَّل الفصائل المسلحة مسؤولية المأساة الأفغانية، ووصفها بأنّها لا تمثل سوى أقلية مسلحة تعتقل 25 مليون إنسان في ذلك البلد المنكوب.
وفجأة.. ظهرت حركة “طالبان” عام 1995م بعد زيارات ميدانية قام بها الى داخل أفغانستان كل من الجنرال حميد غول القائد السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية، والشيخ قاضي صاحب (المعروف باسم قاضي حسين أحمد) أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، وعدد من قادة الأحزاب الدينية الباكستانية الذين أشرفوا على تعليم وتربية أعضاء وكوادر أحزاب المجاهدين في مدارسهم الدينية.
مما له دلالة أنّ ظهور “ طالبان” – بما هي حركة تضم من أطلقوا على أنفسهم صفة ((طلبة العلم الشرعي)) تزامن مع سلسلة لقاءات مطوَّلة تمّت بين حكمتيار والشيخ قاضي صاحب في مدينة ننغهار، انتهت بخروج الأول بصورة مفاجئة إلى إيران، وانضمام قواته وقوات عبد رب الرسول سياف وقوات حزب الإنقاذ الإسلامي بزعامة صبغة الله مجددي، وقوات الحزب الإسلامي جناح يونس خالص، والمناطق التي كانت تسيطر عليها على حركة “طالبان” التي باشرت في الزحف على معظم مناطق أفغانستان بدعم مباشر من باكستان، وقيامها بعد ذلك بإعلان قيام ما كانت تسمى ((الإمارة الإسلامية)) على النحو الذي عرفه الشعب الأفغاني والعالم بأسره طوال سنوات حكم ((طالبان)) وحتى سقوطها في نوفمبر 2001م تحت ضربات القوات الأميركية والبريطانية وقوات ما كان يسمى ((تحالف الشمال )) الذي ضم أتباع أحمد شاه مسعود وأتباع عبد رب الرسول سياف وجميعهم من ألد أعداء حركة (( طالبان )) !!
لا يحتاج المتابع للشؤون الأفغانية إلى بذل جهدٍ كبيرٍ حتى يكتشف أنّ نموذج (( طالبان )) هو التجسيد العملي لمخرجات المنهاج التعليمي والتربوي للمدارس الدينية المسماة بمعاهد العلوم الشرعية في باكستان، التي درس فيها أعضاء وكوادر أحزاب المجاهدين الأفغان. حيث اكتشف عراب ((طالبان)) الشيخ قاضي صاحب، أنّ هذا المنهاج الذي صاغ عقول قواعد الأحزاب المتحاربة، هو الحل السحري لمعضلة الصراع الدموي على السلطة بين قياداتها.. فجاء اختراع ((طالبان)) ليكون حلاً حاسماً لصراع القيادات الحزبية على السلطة، لكن الحياة أثبتت بانّه لا يصلح لحل مشاكل الإنسان في أفغانستان.
الكارثة الكبرى، أنّ الشيخ قاضي صاحب لم يكتف باختراع حركة ((طالبان)) الذي تلقفته الحكومة الباكستانية وقدّمت له كل أشكال الدعم. بل أنّه اخترع أيضاً فتوى دموية أواخر عام 1995م، وقع عليها شخصياً الى جانب عددٍ كبيرٍ من ملالي المدارس الدينية الذين اجتمعوا في الجامعة الحقانية بولاية بيشاور الباكستانية، حيث نصّت تلك الفتوى التي أشار إليها وندّد بها كل من الرئيس المخلوع برهان الدين رباني والشيخ عبد رب الرسول سياف زعيم الاتحاد الإسلامي المشارك في تحالف الشمال، والدكتور نصير أحمد غور سفير حكومة رباني بدولة الكويت، في أحاديث مباشرة على الهواء عبر القنوات الفضائية أثناء الحرب التي شنتها القوات الأميركية والبريطانية على إمارة ((طالبان)) في أفغانستان، نصّت على تكفير السكان الذين لا يُقاتلون قوات أحمد شاه مسعود في المناطق التي لم تكن قد سقطت بعد في يد حركة “طالبان”.. كما أجازت تلك الفتوى إهدار دم كل معارضي “طالبان” من الكفار والمنافقين والشيعة الروافض بحسب ما جاء في تلك الفتوى التي وصفها رباني وسياف والدكتور نصير بأنّها وفّرت غطاءً شرعياً للجرائم والمجازر التي ارتكبتها “طالبان” بحق عشرات الآلاف من المواطنين في المناطق التي استولت عليها، بما في ذلك قتل خمسين ألفاً من الشيعة الهزارة في إقليم باميان فقط.
في حربها الثانية داخل أفغانستان، تداخلت مصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع مصالح جيران أفغانستان، بالإضافة إلى مصالح قوى إقليمية ودولية أجنبية.. بيد أنّ جميع هذه القوى أتفقت على ضرورة إسقاط نظام “طالبان“ والبحث عن شخصية بشتونية تتولى رئاسة قيادة انتقالية موسعة، يشارك فيها البشتون الى جانب بقية الأعراق والطوائف.
وعندما تزايد الاعتقاد – في المرحلة الأولى من الحرب – بإمكانية شق “طالبان” بحثاً عن جناح معتدل فيها، برزت ورقة الأغلبية البشتونية التي تستند عليها حركة ((طالبان)) لتفتح شهية العديد من القادة البشتون الطامحين لاقتسام حصة ((طالبان)) في كعكة السلطة. ومن بين هؤلاء قلب الدين حكمتيار الذي أعلن في البداية عن انحيازه الى جانب ((طالبان)) التي يتكوّن معظم مقاتليها من قواعد حزبه الطائفي السني وتلاميذه السابقين بهدف تمثيل هذا الجناح المطلوب، ثمّ حاول تغيير موقفه بعد ذلك، وهو ما أكده شاه أحمد زي نائب رئيس الوزراء السابق في حكومة رباني، الذي كشف النقاب – في حديث مع تلفزيون BBC ـ أثناء الحرب على نظام (( طالبان )) ـ عن اتصالات سرية أجراها حكمتيار مع عددٍ من الدول الأوروبية، عرض فيها استعداده للعب دور بشتوني مؤثر في وضع ما بعد ((طالبان)) بشرط عدم تمكين قوات التحالف الشمالي من دخول العاصمة كابول، وهو ما أكدته أيضاً صحيفة ((كيهان)) الإيرانية، وصحيفة ((الأوبرزفر)) البريطانية في أواخر نوفمبر 2001م بعد سقوط نظام طالبان .
ثم تكرر الحال بعد انهيار قوات “طالبان” ودخول قوات التحالف الشمالي تحت المظلة الجوية الأمريكية إلى العاصمة ((كابول)) وبدء التحركات السياسية لعقد مؤتمر المائدة المستديرة للأطراف الأفغانية برعاية الأمم المتحدة خارج أفغانستان، حيث حاول حكمتيار ركوب هذه الموجة بحسب ما قاله الدكتور عبدالله عبدالله وزير خارجية التحالف الشمالي في مؤتمره الصحفي الذي عقده في طهران في مطلع ديسمبر 2001 بحضور وزير خارجية إيران السابق كمال خرازي، مشيراً إلى أنّ حكمتيار سعى إلى ترتيب لقاء معه، وكذا مع وزير خارجية بريطانيا آنذاك جاك سترو الذي كان يزور طهران في الوقت نفسه، وذلك بهدف مناقشة رغبته في توجيه دعوة إليه للمشاركة في مؤتمر ((بون)) بصفته طرفاً في القضية الأفغانية !!
المثير للدهشة أنّ أحزاب المجاهدين الأفغان كانوا يشددون في خطابهم السياسي أثناء تحالفهم مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها الأولى داخل أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، على ضرورة إقامة دولة إسلامية بعد تحرير بلادهم من الاحتلال السوفيتي. بيد أن الخطاب السياسي لأحزاب المجاهدين التي تحالفت مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها الثانية داخل أفغانستان ضد نظام ((طالبان)) كان خاليا ًًتماماً من أي إشارة إلى الدولة الإسلامية بشأن مستقبل نظام الحكم في هذا البلد المنكوب، وكذلك هو الحال الآن.
بل أنّ هذه الأحزاب تجاوزت ذلك إلى القبول بحقوق المرأة كشريكٍ مع الرجل في تقرير مصير أفغانستان من خلال الحرص على تمثيلها في مؤتمر (بون)، وقبولها بتضمين الدستور الأفغاني نصوصا واضحة تحدد نسبة 30 % من مقاعد البرلمان للنساء و20 %، من الحقائب الوزارية في الحكومة للنساء، ناهيك عن أنّ الرئيس السابق برهان الدين رباني الذي كان يعارض اليمقراطية والتعددية السياسية والفكرية، ظهر على إحدى القنوات الفضائية العربية في الشهر الماضي وهو يتحدث عن ضرورة بناء نظام ديمقراطي تعددي.. وهو ما كان يرفضه في مرحلته ((الجهادية)) السابقة باعتباره بدعة علمانية تتعارض مع الإسلام.
ahmedalhobishi@hotmail.com
* عدن
عندما يتبارى حكمتيار وطالبان في إعلان مواصلة (الجهاد) !!!1-2