ما زال اهتمام وزير العدل أشرف ريفي بقضية الارهابي ميشال سماحة مثار تساؤل، فالوزير لا يترك مناسبة ولا يبدي اي تهاون او مرونة في معالجة هذا الملف، ويصر على ان تأخذ العدالة مجراها لبنانيا. وعينه على الاحتفاظ بالارهابي سماحة سليما معافى وحيا يرزق في انتظار ما هو اهم من تورطه في عملية نقل المتفجرات من سوريا الى لبنان.
من رياض طه إلى محمد شطح
وبحسب مصادر مطلعة فإن اللواء ريفي يعتبر سماحة “كنز معلومات”، والوثائق التي تم ضبطها خصوصا الرسائل والمكالمات المسجلة على هاتفه النقال تشكل وثيقة إدانة للنظام السوري، وتورطه في عمليات القتل والاغتيالات في لبنان. خصوصا ان هذه المكالمات واضحة، وهي تمت مع مسؤولين في سدة القرار في نظام دمشق، سياسيين كانوا ام امنيين.
ووفقاً لما يعرفه اللبنانيون، من دون ان تكون لديهم إثباتات، فإن نظام البعث السوري متورط، سواء مباشرة او بالواسطة، في معظم عمليات الإغتيال التي جرت على الاراض اللبنانية. خصوصا لقيادات لبنانية وفلسطينية وعربية، عُرفت بمواقفها المناهضة للنظام السوري. ولكن لم تقع أيدي القضاء اللبناني على وثائق صحيحة وموثقة تدين هذا النظام وارتكابته في حقهم، وفي حق زعاماتهم من إغتيال نقيب الصحافة رياض طه وصولا الى الوزير الشهيد محمد شطح، وما بينهما من أعمال قتل وتفجير مقرات من السفارة العراقية الى آخر السلسلة ……
وبحسب المعلومات التي نشرت، عن اعترافات سماحة ومكالماته المسجلة، فهذه اول إدانة موثقة لنظام البعث، صوتا وصورة! وهذا ما يعول عليه اللواء الريفي من أجل مقاضاة هذا النظام، حين تسمح الظروف بذلك، في المحاكم الدولية، فيدفع ثمن بعض من جرائمه التي ارتكبها في حق اللبنانيين.
الردّ: اغتيال وسام الحسن
يعد القاء القبض على سماحة، متلبسا بنقل المتفجرات وبتسجيلات حول مخططه الارهابي بطلب من اجهزة النظام السوري، نشطت محاولات تعمية الحقائق من ابواق البعث في لبنان، خصوصا ان الثنائي الامني ريفي – الحسن هو من القى القبض على سماحة. فكان الرد الاول إغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، ومحاولة إغتيال اللواء أشرف ريفي بتفجير مسجد مقابل لمنزله في طرابلس أثناء وجوده في المنزل, وبعد تعثر محاولات النيل من ريفي، لتدفيعه ثمن القبض على سماحة، انتقل الجهد للعمل على التخلص من سماحة نفسه، فكشف اللواء ريفي محاولة لقتل سماحة أثناء نقله متمارضا من السجن الى المستشفى، فأحبطها.
محاولات التخلص من سماحة لم تتوقف، حيث تقول معلومات ان إخلاء سبيله من قبل المحكمة العسكرية وإكتفاءها بفترة سجنه لاربع سنوات جرمية، اي 36 شهرا، جاء على خلفية محاولة إخارج سماحة من سجنه للتخلص منه. لكن العملية كانت مكشوفة ومعروفة المقاصد، فتنبه لها اللواء ريفي، وجاهر باعلى صوته رافضا الحكم المخفف، والتقى الرئيس سعد الحريري في الرياض مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، وأعدوا سيناريو لمواجهة الحكم “اللايت”، واتفقوا على آلية لعرضها على مجلس الوزراء، والاستقالة من الحكومة في حال لم تتجاوب الحكومة مع مسعاهما في إعادة سماحة الى السجن.
وعلى هذا الاساس، عاد المشنوق وريفي الى لبنان، تزامنا مع انطلاق حملة من المجتمع المدني ومن الجمعيات الشبابية في قوى 14 آذار بالتحالف مع منظمة الشباب التقدمي، لاعادة سماحة الى السجن.
أوهام انتصار “الحزب” والأسد!
معلومات تشير الى أن إخراج سماحة من السجن، جاء على خلفية اوهام إنتصارات يحققها حزب الله في سوريا، بعد التدخل الروسي، وما تم تسويقه عن هذه الاوهام ان رئيس النظام السوري خرج منتصرا بميليشيا حزب الله والجيش الروسي والباسيج والحرس الثوري من ايران وميليشيات العراق الشيعية، وتاليا هو سيبقى على رأس النظام السوري خلال المرحلة الانتقالية للحل السياسي المزمع في سوريا، وبعده. وتالياً، على قوى 14 آذار في لبنان إعلان هزيمتها سياسيا وامنيا. وتمثل إعلان الهزيمة على المستوى السياسي، بترشيح سليمان فرنجيه ومن بعده ميشال عون لرئاسة إلجمهورية من قبل الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، ولترجمة الهزيمة الامنية، كان لا بد من توجيه صفعة الى اللواء أشرف ريفي، بإخراج سماحة من السجن، والتخلص منه لاحقا، وتاليا إخفاء شاهد أساس على تورط نظام دمشق في عمليات القتل في لبنان.
ريفي لم يتقبل الهزيمة المبكرة والمفتلة، فهو رفض ترشيح فرنجيه بحدّة رفضه إخلاء سبيل سماحة، والتزم داخل الحكومة باتفاقه مع الرئيس الحريري والوزير نهاد المشنوق .واعلن اول مرة إنسحابه من جلسة مجلس الوزراء على خلفية عدم إدراج بند إحالة جرائم ميشال سماحة الى المجلس العدلي، وفي الجلسة الثانية، إستقال عملا بموجبات الاتفاق الثلاثي، الذي أكده الوزير المشنوق لاحقا في مقابلة تلفزيونية.
وما فات الوزير ريفي، ان الاتصالات السياسية التي أجراها تيار المستقبل بكل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، أفضت الى التراجع عن خطوة الاستقالة، لما لها من تأثير سلبي على الحكومة اللبنانية المشلولة اصلا، من دون ان يسمح الوقت بإبلاغ الوزير ريفي بنتائج هذه الاتصالات، فاستقال الوزير ريفي، وبادر الرئيس سعد الحريري الى إعلان تبروئه من موقف ريفي، على شبكة تويتر، الامر الذي اثار استغراب ريفي، خصوصا ان الوزير المشنوق لم يلتزم، حسب ريفي، بمقتضيات اتفاق الرياض على الاستقالة.
نشطت الاتصالات وتم راب الصدع بين ريفي الحريري، من دون ان يتراجع الوزير ريفي عن استقالته، واضعا نصب عينيه متابعة قضية سماحة حتى النهاية.
تزامنا، تبدلت المعطيات على الضفة السورية، بين إعلان الرئيس السوري سحب قواته الرئيسية من الميدان السوري، وصولا الى إنطلاق مفاوضات جنيف، وما بدأ يتظهر من حل سياسي لا يأخذ في الاعتبار بقاء الاسد في السلطة في دمشق، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، بدأت المملكة العربية السعودية ومعها منظومة دول مجلس التعاون الخليجي سلسلة ضغوطات إقتصادية وسياسية وأمنية على لبنان بدأت بوقف الهبة للجيش اللبناني، على خلفية مسألتين أساسيتين، الاولى، دعم الجيش لمسلحي حزب الله على الحدود الشرقية اللبنانية- السورية، وتشكيله فصيل إسناد ناري لمقاتلي الحزب داخل الاراضي السوري، والثانية خضوع المحكمة العسكرية لاملاءات حزب الله ونظام دمشق وإفراجها عن ميشال سماحة، حسب ما أشارت معلومات من العاصمة الفرنسية.
وتقول المصادر إنه إزاء تراجع اوهام الانتصار البعثي في دمشق وانسحاب الجيش الروسي، والضغوط العربية كان لا بد لبنانيا من إعادة بعض الامور الى نصابها، وسحب المزيد من الذرائع والقرائن المستخدمة للضغط على لبنان، وفي مقدمها قضية سماحة، وإعادة الاعتبار للقضاء، وإظهار بعضا من استقلاليته عن حزب الله وممارساته وضغوطه.
فإعيدت محاكمة سماحة، من قبل المحكمة نفسها التي أطلقت سراحه، وبرئاسة القاضي طاني لطوف، وهو نفسه القاضي الذي وقع الحكم بإخلاء سبيل سماحة قبل أشهر، فأعاده الى السجن من جديد، وحكم عليه بموجب مواد جرمية تصل عقوبتها الى الاعدام، وتخفف الى المؤبد مع الاششغال الشاقة لانه لم يتح لسماحة تنفيذ مخططه الارهابي.
قرار المحكمة جاء بمثابة إدانة جديدة لها وللقضاء العسكري، وليس دليل قدرتها على رفع يد المداخلات السياسية والضغوط عن قراراتها، فالبينات القضائية هي نفسها التي أدانت سماحة يوم اعتقاله، وهي نفسها التي أعادته الى السجن. فكيف حكمت عليه سابقا بالاكتفاء بمدة سجنه لاربع سنوات؟