لا يتمنّى إلا حاقد أن تسقط الجريدة التي كانت أبرز مؤسّسات المجتمع المدني اللبناني لنصف قرن، وخصوصاً في حقبة الإحتلال الأسدي السوداء! “النهار” كانت “مدرسة” الصحافة العربية، ومنبر “المعارضات” العربية، خصوصاً بعد “تأميم” الصحافة المصرية! وسيكون سقوطها بمثابة سقوطٍ لـ”رمز” لبناني أساسي، في وقت يعمل فيه وكلاء إيران لإسقاط البلد كله! نتمنّى لـ”ديك النهار” أن يبقى “يصيح” في صباح كل يوم بيروتي!
*
رغم البيان الذي أصدرته إدارة “النهار” لنفي شائعات إقفالها الوشيك، فقد اشارت معلومات الى ان جريدة “النهار” اللبنانية، ستطوي طبعتها الورقية خلال اسابيع قليلة، نتيجة ازمة مالية تضرب الصحيفة، وتسببت بتأخير دفع رواتب الموظفين منذ اكثر من تسعة اشهر.
وفي حين لم يتضح المآل الذي ستنتهجه إدارة الصحيفة بعد توقيف الطبعة الورقية، في ما يتعلق بدفع المستحقات المالية للموظفين، إلا ان من الواضح ان الطبعة الرقمية الالكترونية للصحيفة ستواصل صدورها.
المسيرة الانحدارية للصحيفة العريقة عربيا ولبنانيا، والتي شكلت مدرسة في مهنة الصحافة كتب فيها كبار وأعلام الصحافة اللبنانية، بدأت مع إغتيال الصحافي والنائب جبران تويني، الوريث الشرعي للصحيفة. وكان « جبران » قد تدرج في مهنة الصحافة في مكاتبها، وأسس لها ملحقا للشباب، وعمل في ظل والده الصحافي العريق المرحوم غسان تويني. وكانت الصحيفة تواصل مسيرتها التصاعدية، في حمأة صراع سياسي انخرطت فيه بموضوعيتها المعهودة الى جاتب “ثورة الارز ». فكان الصحافي الشهيد جبران تويني أحد ابرز قادة هذه الثورة، الى جانب زميله الصحافي في النهار الشهيد سمير قصير، وكلاهما قُتل غدرا، بتفجير موكب الاول وسيارة الثاني.
بعد استشهاد الصحافي النائب جبران تويني، آلت الصحيفة الى ابنته النائب نايله تويني، وهي يافعة وتفتقر الى الخيرة السياسية والمهنية. وكان جدها غسان تويني أقعده المرض، من دون ان يفقد ذرة من وعي متقد. فساعد حفيدته بما استطاع من عزم على العبور بالصحيفة المؤسسة إلى بر الامان، إلا أن العمر لم يسعفه، والمهنة لا تُوَرَّث بين ليلة وضحاها.
أولت تويني إهتماما خاصا للموقع الالكتروني للصحيفة، فعملت على توظيف العديد من الصحفيين الجُدد في المهنة. ولأن الموقع رقمي والكتروني يبتلع الكثير من المواد، المفيد منها والمبتذل، فقد شكّل وعاءا لما هب ودب. وبدل ان يكون الموقع الالكتروني مكملا لمسيرة الصحيفة، فقد سعى الى مجاراة السوق الالكتروني! فأهمل قواعد اللغة العربية وادبيات المهنة التي أرستها الصحيفة عبر تاريخها الطويل، ونشر مواد كانت احياناً استهلاكية، من الاثارة الجنسية الى ما شابه.
تزامناً، كانت الصحيفة الورقية تتهاوى، من دون ان تفقد بريقها بكتّابها المعروفين من سركيس نعوم وعلي حماده واميل خوري وايلي الحاج واحمد عياش .ونبيل بو منصف وجهاد الزين زراجح الخوري وسميح صعب وامين قموريه …. وسواهم من كتّاب المقالات اليومية والاسبوعية. ولكن، ايضا، كانت مبيعات الصحيفة تتراجع، ويتراجع ايضا الدعم الذي كانت تتلقاه، خصوصا من الرئيس سعد الحريري مالك الحصة الوازنة من اسهم الصحيفة.
« معجزة »!
وصلت الصحيفة الى الحائط المسدود، وسط صمت إدارتها. إلا أن معلومات تقاطعت تفيد ان الصحيفة لا تستطيع الاستمرار أكثر، ومراكمة الديون، وهي تتجه نحو إقفال الطبعة الورقية، والابقاء على الموقع الالكتروني.
وهذا، إلا إذا حصلت « معجزة »! ولكن بيروت لا تعيش زمن المعجزات هذه الايام.