لماذا لا نبالي على سمعتنا الإنسانية، سواء كحكومة أو كأفراد، حينما تخرج قرارات رسمية يزعم مصدروها والمدافعون عنها بأنها تهدف لمعالجة ممارسات “سلبية” لدى غير الكويتيين من الوافدين، في حين هي لا تعكس إلاّ الصورة الفوقية ووالوجه العنصري في تعامل الكويتي مع سلوكيات غير الكويتي؟ لماذا ردة الفعل التمييزية هذه مع مفردة “السلبيات”، إذْ هي أشد حدة وأكثر انفعالا تجاه “سلبيات” الوافد بالمقارنة مع ردة الفعل تجاه “سلبيات” المواطن، مما يعكس ذلك صورتنا الفوقية ويبرز وجهنا العنصري؟
في الواقع، تبرز تلك القرارات والممارسات والسلوكيات فشلنا في مواجة الخلل. فنحن في سعينا لمعالجة خطأ، نغوص في تثبيت خطأ أشنع، وهو تكريس مبدأ العنصرية والتمييز، ما يعبّر عن ظهور “بيغيدا” كويتية أصيلة في ثقافتنا، من دون أن نلتفت إليها أو من دون أن نهتم بتغييرها، أو حتى لا نبالي بتأثيرها على سمعتنا.
“بيغيدا”.. هي حركة ألمانية تضم محافظين ويساريين ونازيين جددا وعناصر يمينية متطرفة، تستهدف الوقوف ضد هجرة المسلمين إلى ألمانيا نتيجة للطفرة المالية والاقتصادية التي تحققت مما جعل البلاد قبلة للمهاجرين، فكان شعار الحركة الرئيسي “ضد هجرة المسلمين وضد أسلمة المجتمع”.. وهي في تقديري حركة عنصرية، لأنها تعتقد بفوقية العنصر الألماني المسيحي، وترى أن الدين الإسلامي ساهم بشكل رئيسي في زيادة مساحة التطرف في ألمانيا. ورأى غالبية من الألمان بأنّها حركة معبّرة عن الكراهية تجاه المسلمين.
وعلى الرغم من أن حادث الاعتداء الدموي على صحافيي مجلة “شارلي إبدو” الساخرة في فرنسا واحتجاز رهائن في متجر للأغذية الخاصة باليهود، سيساهم في تصاعد مساحة الكراهية ضد الدين الاسلامي وضد وجود المسلمين في أوروبا عامة، إلا ان ذلك يجب أن يشكّل صدمة للمسلمين قبل غيرهم، من أجل إعادة النظر في التفسير العنيف والمتطرّف وغير الحداثي للدين الإسلامي، ولإيجاد أرضية تعايشية للمسلمين وسط العالم الحداثي المتنوّع بأديانه والمتطوّر بأفكاره والمتأنسن بتوجهاته.
لقد أفاد استطلاع للرأي في ألمانيا في نوفمبر الماضي أجرته مؤسسة “برتلسمان” الالمانية ونشرته اسبوعية “ذي زيت” أن اكثر من نصف الالمان (57 بالمائة) يعتبرون الإسلام تهديدا، في حين رأى 61 بالمائة منهم أن الدين الإسلامي لا يتلاءم مع العالم الغربي. وأبدى 24 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع رغبتهم في منع هجرة المسلمين إلى ألمانيا. أي أن أغلبية المستطلعين الألمان أبدوا تسامحا تجاه المهاجرين المسلمين. وقالت المؤسسة إن الكراهية للإسلام تبدو واسعة الإنتشار من الأوساط المحافظة إلى الأوساط اليسارية مرورا بالطبقات الوسطى، كما أظهرته تظاهرات حركة “بيغيدا”.
وشددت “برتلسمان” أن هذه الكراهية للإسلام شبيهة بمعاداة السامية التي سادت ألمانيا في القرن التاسع عشر. وذكرت بأنه في 2012 كان 52 بالمائة من الألمان يعتبرون الإسلام غير متلائم مع الغرب مقابل 61 بالمئة في 2015. لكن الأستاذ في جامعة أرفورت كاي حافظ، وهو أحد معدي هذه الدراسة والمتخصص في وسائل الاعلام، أكد على مسؤولية وسائل الإعلام التي روجت لصورة سلبية جدا للدين الإسلامي. وأوضح أن الكثيرين لم يسمعوا عن الإسلام إلا من خلال “تنظيم الدولة الاسلامية والعنف والسلفيين” واضطهاد المراة ورفض القيم الديموقراطية.
تلك الارقام من شأنها أن تتصاعد بعد حادث الاعتداء على “شارلي إبدو”. وهذا يحتم – مثلما قلنا – ضرورة النظر في التفسير التقليدي القروسطي للدين الإسلامي المسؤول عن جرائم العنف المنسوبة إلى النص الديني. وبعبارة أخرى، لابد من طرح رؤية دينية تتوافق مع الحريات، وبالذات حرية الفرد، وتتصالح مع قيم الديموقراطية. فالإرهاب المنسوب إلى الدين الإسلامي لم ولن ينعكس في “شارلي إبدو” فحسب، ولن تكون حركة “بيغيدا” العنصرية تعبيرا عن رفض ذلك، بل يوجد الإرهاب في بلاد المسلمين بشكل واسع، ونجده في سلوك الحكومات المسلمة ونخبها ومثقفيها وشعوبها، التي لم تحرّك ساكنا تجاه ممارسات مناهضة لحقوق الإنسان باسم الدين، كان آخرها جلد السعودي رائف بدوي.
إن تظاهرات “بيغيدا”، حسب الكثير من المراقبين، جعلت السلطات الألمانية تخشى من تشوه صورتها في العالم. وهو بعكس السلطات والشعوب في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، الذين لا يبالون لصورتهم إن تشوهت. فهم يؤيدون ويشجعون العديد من القرارات التي تسيء الى الوافد المهاجر فيما يخص معالجة ما يسمونه “بالسلبيات”. وكانت قرارات حكومية عدة ترتبط بـ”إبعاد” الوافدين عن الكويت إذا ما ارتكبوا مخالفات معينة، بعضها كانت تافهة ويمكن معالجتها بشكل أبسط، مرّت مرور الكرام من دون أي إحساس من قبل السلطة بأنها خالفت مواثيق انسانية وكرست التمييز والكراهية ضد الآخر غير الكويتي، ومن دون أي ردة فعل شعبية رافضة لقرارات الحكومة.
لكن في ألمانيا، وحسب وسائل الإعلام، أدت تظاهرات “بيغيدا” الى انطلاق حملة تعبئة واسعة شارك فيها سياسيون وصحافيون ورجال أعمال ومواطنون عاديون على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بموجة الاسلاموفوبيا المتنامية. وعنونت صحيفة “بيلد” اليومية العنوان التالي على صدر صفحتها الأولى “ألمانيا أصبحت قوس قزح، لا تسمحوا بإعادتها إلى الأبيض والأسود”. وتحت هذا العنوان نشر نص عريضة موقعة من خمسين شخصية تحت عنوان “لا لبيغيدا”. وكتب أوليفيه بيرهوف مدير المنتخب الالماني لكرة القدم مقالا على صفحات “بيلد”، الأكثر قراءة في أوروبا، أشاد فيه بمزايا الإندماج بين الأجناس. وهو ما فعله أيضا في الصحيفة نفسها فنانون ورجال دين وسياسيون. ومن بين الموقعين على العريضة المستشاران السابقان من الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني غيرهارد شرودر وهلموت شميت، وسبعة من وزراء الحكومة الحالية. وكتب وزير المالية الأماني فولفغانغ شويبله في الصحيفة “ان الكلمات لا تحل مكان الوقائع، ألمانيا في حاجة للمهاجرين”.
كاتب كويتي
fakher_alsultan@hotmail.com