ما هي طبيعة الاستراتيجية التي ستعتمدها البلدان المغاربية لمواجهة مخططات تنظيم “القـاعدة”؟ وهل أصبحت “القاعدة” قريبة من المغرب؟ وهل سيدفع خطر الإرهاب بالأنظمة المغاربية إلى تجميد خلافاتها والبحث عن الآليات الممكنة لبناء تكتل سياسي قوي قادر على التصدي لخطر القوى الإرهابية؟
تفيد كل المؤشرات أن “القاعدة” اقتربت أكثر من المغرب. فأحداث الجزائر التي خلفت وراءها ضحايا بشرية وخسائر مادية ونوه بيان “القاعدة” بالنصر متوعدا بالاستمرار في تنفيذ مخططاته، وقبل ذلك تغيير اسم التنظيم بعد مبايعة بن لادن.. تؤكد أن المنطقة المغاربية أصبحت كل مواقعها الحساسة مستهدفة.
أحداث الجزائر جعلت الأنظمة المغاربية تدخل في مرحلة استنفار أمني قصد مواجهة المشروع الظلامي لأتباع السعودي أسامة بن لادن في المنطقة.
أكيد أن التطورات السلبية التي يشهدها العراق المحتل من قبل الأمريكان خاصة وأن مشروع دمقرطة العراق لم يتحقق، إذ يظهر أن هذا المشروع لا زال بعيدا. كما أن الدعم الذي لا زالت تحظى به إسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ضدا على الشرعية الدولية، فضلا عن مواقف بوش من بعض القضايا الدولية، علاوة على فضيحة سجن أبو غريب وما خلفته من غضب شديد زاد في تسويد صورة الأمريكان في المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، ناهيك عن تشجيع التيارات العنصرية المتطرفة في أوروبا التي اجتهدت كثيرا في جعل الإرهاب مرادفا للإسلام ..إلخ. هذه العوامل وغيرها تلعب دورا في خلق مناخ دولي يساعد التيارات المتطرفة الإرهابية كتنظيم “القاعـدة” لأسامة بن لادن في التغلغل أكثر داخل العديد من المواقع الجغرافية.
فتطورات أفغانستان بعد سقوطها في يد حلفاء الأمريكان وخروج كوادر “القاعدة” واعتقال بعضهم.. لم يعمل على القضاء على هذا التنظيم، بل على العكس من ذلك أظهرت العديد من التطورات في السنوات الأخيرة تنامي قوة أنصار بن لادن وأيمن الظواهري خاصة بعد أحداث الحادي عشر من شهر شتنــبر 2001.
إن النظام الدولي الحالي لا يساعد على ترسيخ الاستقرار وانتشار الديمقراطية وسيادة احترام حقوق الإنسان.. وهو الأمر الذي يجعل مسلسل الحرب على الإرهاب العالمي قد يطول ويطول، اللهم إلا إذا برزت تطورات من شأنها أن تغير في المعادلات التي تتحكم في توازنات النظام الراهن لصالح نظام جديد يكون أساسه احترام الشعوب وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتقسيم الثروة بشكل عادل ومساعدة الدول الفقيرة على الخروج من دائرة التخلف…
مما لاشك فيه أن الاعتماد على المقاربة الأمنية لوحدها غير كاف لمواجهة المد الإسلامي المتطرف بالمنطقة المغاربية. فالديمقراطية هي أحد الآليات التي من شأنها أن تعيد لدول المنطقة استقرارها، ذلك أن واقع الحال داخل هذه البلدان يفيد غياب الإرادة السياسية لدى بعض حكام المنطقة. كما أن الخلافات الضيقة التي تتحكم في العلاقة بين أنظمة ما يسمى بـ” اتحاد المغرب العربي” تلعب دورا في تعطيل التنمية والدمقرطة داخل هذه المنطقة. فالقوى الغربية أصبحت، اليوم، تطالب البلدان المغاربية بإقامة تكتل أو قطب سياسي واقتصادي قوي لمواجهة التحديات التي بات يفرضها الإرهاب العالمي. هذا التكتل الذي أضحى مطلبا لهذه القوى بعدما كانت، بالأمس القريب، لا تتحمس لمثـــل هذه التكتلات!؟
ولا يستبعد أن تتدخل هذه القوى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي للضغط على حكام البلدان المغاربية من أجل تجميد خلافاتهم وتطوير التنسيق الأمني على وجه الخصوص في المحطة الأولى لمواجهة كل المخططات التي تريد ضرب المصالح الغربية الهامة بالمنطقة، على اعتبار أن هذه الخلافات يستغلها تنظيم”القاعدة” ببلاد المغرب الإسلامي بشكل جيد لتوسيع دائرة نفوذه.
لعل طبيعة السياسة التي اتبعت من قبل الأنظمة المذكورة كانت ضمن الأسباب التي أدت إلى تنامي المد الإسلامي المتطرف في المنطقة المذكورة.
فعدم وجود سياسة دينية واضحة تضع مسافة بين الشأن الديني والشأن السياسي من جهة وعدم تشجيع التيارات الإسلامية المعتدلة من جهة أخرى ساعد على جعل الدين موضع استغلال وتوظيف سياسيين. وهذا الأمر جعل النظام السياسي بالمملكة المغربية على سبيل المثال يولي أهمية كبرى لمسألة إعادة وإصلاح الحقل الديني، ذلك أن هذا الأخير شكل أحد الاهتمامات الرئيسية للملك محمد السادس الذي قام بعدة خطوات وصفت بالثورية من أجل إصلاح الحقل الديني.
إن غياب الإرادة السياسية القوية للدخول في مرحلة الانتقال الديمقراطي من شأنه أن يجعل دول المنطقة تعيش في دوامة هذا الخطر، الشيء الذي يستدعي من القوى السياسية الديمقراطية وتنظيمات المجتمع المدني التحرك في اتجاه الضغط أكثر على الأنظمة المذكورة لتغيير سياسيتها، مع العلم أن الأصوات الديمقراطية في المنطقة المغاربية
لازالت تتعرض للقمع والحصار والتضييق بدرجات متفاوتة بين مكونات المنطقة.
musantra@yahoo.fr
* الدار البيضاء