بقلم مهراب صادق نیا
الشيخ “مهراب صادق نیا” هو مدرّس في الحوزة العلمية في قم
سنوات عديدة مرّت وأنا لم أتجوّل على قدميّ في شوارع طهران مرتديا لباس رجال الدين.فكلما أزور طهران أستخدم سيارتي الخاصة للإنتقال من مكان إلى آخر وأتجنب ارتداء لباس رجال الدين.
أما هذه المرة، فاضطررت لارتداء هذا اللباس من أجل المشاركة في حديث عام مع الناس. ذهبت بالمترو إلى جهة بعيدة نسبيا. كانت نظرات الناس تجاهي مليئة بعبارات غريبة، ناهيك عن سماعي لمفردات مهينة وبصوتٍ عال!
على سبيل المثال جاء شاب نحوي وقال بصورة عصبية: “إرفعوا وصايتكم عن الشعب فقد خرّبتم ديننا أيضا”. أقولها بكل صدق، لقد خفت للحظة من هذا الشاب، وتذكّرت بصورة غير واعية المرحوم “جمشيد بحري”، رجل الدين الذي قُتِل في محطة للمترو في طهران على يد أحد المحتجين.
الشيخ “جمشيد بحري”، قتله أحد المحتجّين بصورة وحشية في “مترو طهران” لأنه “رجل دين”!
كالعادة، كان قطار المترو مزدحما، ولم تكن المقاعد تكفي لجلوس الناس، وكنت أحد الواقفين. في كل محطة، كانت بعض المقاعد تخلى لتتوفر فرص لبعض الوقوف للجلوس. حاولت مرات عديدة الجلوس ولكني لم أوفّق. كما لم أحصل على أي دعوة من أحد للجلوس، إنما كان الجميع يريدون أن يسبقوني إلى ذلك. حاولت أن أبيّن معاناتي من آلام لي في الركبة، لكن ذلك لم ينفع. أمام مختلف النظرات الموجهة إليّ، فإن بعضها عكست مشاعر انتقامية. رجل في منتصف العمر وكان مرتاحا على مقعده، نظر إليّ وهو يطلق ابتسامة لها معنى، وتعابير وجهه تقول: “آآآه، قلبي مرتاح من عدم قدرتك على الجلوس”.
في المحصلة، لم تكن نظرات الناس وديّة. فقد زرت طهران مرات عديدة مرتديا لباس رجال الدين، ورغم أن البعض وقتها كانيطلق عليّ بعض الكلمات المهينة، لكن كان من بين الناس من بدا لطيفا معي وكريما تجاهي بسبب لباسي الديني. لكن في هذه المرة اختلف الوضع تماما.
فلباسي لم يحقق لي أي احترام. أتذكّر إني رأيت في إحدى المرات نساء محترمات لم تكن الرداءات التي تغطي شعورهن شرعية، وبمجرد أن رأوني سعين لتعديل الرداءات. لكن في هذه المرة، استطيع القول بأن الناس كانوا يتعمدون توجيه رسالة واضحة لي، مفادها أنهم يرفضون أن يُقْدِموا على أي تغيير في سلوكهم أو في مظهرهم بسبب وجودي بينهم.
تذكرت حينها لقائي مع القناة التلفزيونية الرابعة الليلة الماضية، حيث دار حوار معي حول جدوى الفقه العلماني.
ومع المشاهد التي حدثت لي في المترو، ترسخ في ذهني أن الحديث عن الفقه العلماني في صورته الجوهرية والفلسفية، إلى أي حد يمكن أن يكون من دون معنى.
ليتنا نستطيع أن نطرح هذا التساؤل: في نظر هؤلاء الناس، ما هو الفقه والحوزة ورجال الدين؟ هل يعتقد الناس بأن الفقه والحوزة ورجال الدين، شأن ديني أم شأن علماني؟ من يعتقد بأن الإجابة على هذين السؤالين غير مهمة، يكفيه أن يتجول بين الناس في شوارع المدينة.
*يمكن قراءة النص الإيراني هنا: https://news.gooya.com/2018/09/post-18428.php