(الرئيس نيكسون والملك فيصل بن عبد العزيز في يونيو 1974، في الرياض)
*
ترجمة “الشفاف”
تسببت الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر 1973 في أزمة كبيرة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ما اضطر الأميركيين إلى رعاية مفاوضات السلام.
بدأ الهجوم المنسق الذي شنه الرئيسان أنور السادات وحافظ الأسد في 6 أكتوبر 1973، بعبور قناة السويس بواسطة 100 ألف جندي مصري، تدعمهم ألف مركبة مدرعة.
وفي الوقت نفسه، تمكن 35 ألف جندي سوري، تدعمهم ثمانمائة دبابة، من اختراق الخطوط الإسرائيلية في هضبة الجولان، بعد قتال عنيف.
وتمكنت قوات كوماندوس سورية محمولة بطائرة هليكوبتر من الاستيلاء على “محطة جبل الشيخ”، أعلى نقطة في المنطقة.
قبل 3 ساعات من بدء الهجوم المصري ـ السوري، أبلغت رئيسة حكومة إسرائيل، غولدا مائير، الأميركيين أن نشوب الحرب كان وشيكاً، حيث أن الإستخبارات الإسرائيلية، التي كان لديها مخبرون في قمة السلطة المصرية، لم يعد لديها أدنى شك في ذلك.
.لكن وزير الدفاع، موشيه دايان، كان مقتنعا أن قواته الجوية قادرة على احتواء الهجوم العربي، وفضل عدم تعبئة الاحتياطيات على الفور
الانتقام من حرب “الأيام الستة”
وكانت سلطة ديان فوق الجدل لأنه كان القائد “المنتصر” في حرب يونيو 1967، الرجل الذي استولى، في ستة أيام فقط، على القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، فضلا عن شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السوري. لكن دايان، الذي كان لا يزال ثملاً بذلك النصر الخاطف، لم يأخذ على محمل الجد جهود إعادة التسلح الصبورة التي قادتها القاهرة ودمشق.
وفوق كل شيء، فهو لم يفهم أن خليفة الرئيسين اللذين هزما في عام 1967، السادات (الذي خلف عبد الناصر بعد وفاته في سبتمبر 1970) والأسد (الذي أطاح بـ”صلاح جديد” بعد شهرين) كان عليهما، ولو لتعزيز سلطتهما، أن يمحوا مهانة حرب “الأيام الستة”. وبناءً عليه، يُعزى البطء النسبي في رد الفعل الإسرائيلي إلى عطلة “يوم الغفران”، وهو تاريخ بدء الأعمال العدائية. ومن هنا جاءت تسمية “حرب الغفران” (“حرب كيبور”) التي تطلق على تلك الحرب في كثير من الأحيان. ويفضل الجانب العربي أن يطلق عليها اسم “حرب رمضان” لأنها وقعت في شهر صيام المسلمين. أما المؤرخون فيفضلون تسمية «حرب أكتوبر».
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، رد ميشيل جوبير، وزير الخارجية الفرنسي، عندما سُئل عن موقف بلاده بسؤال آخر: “هل تشكل محاولة العودة إلى بلادك عدواناً غير متوقع بالضرورة؟ » وأثار رد الفعل ذلك جدلا حادا، حيث وصفه فرانسوا ميتران بـأنه “مخادع وأناني”».
لكن الأسد وحده كان يأمل في استعادة الجولان بالقوة، في حين لجأ السادات إلى السلاح فقط لكسر الجمود الدبلوماسي وتحقيق وساطة من قبل الولايات المتحدة. إلا أن هنري كيسنجر، الذي تم تعيينه للتو في وزارة الخارجية، أقنع ريتشارد نيكسون بإطلاق جسر جوي للمساعدة العسكرية لإسرائيل. فبعد أشهر قليلة من اتفاقيات السلام بشأن فيتنام، لم يكن بوسع واشنطن أن تسمح لحلفاء الاتحاد السوفييتي بفرض شروط التفاوض على ساحة المعركة. وتصاعدت عمليات تسليم الأسلحة لإسرائيل من الولايات المتحدة، حتى مع إعادة سقوط مرتفعات الجولان مجدداً تحت الإحتلال الإسرائيلي، ومع تعرض الجيش المصري الثالث للتطويق في سيناء.
الصدمة النفطية
وفي 12 تشرين الأول/أكتوبر، حث العاهل السعودي، الملك فيصل، الولايات المتحدة على وقف دعمها للهجوم الإسرائيلي المضاد. لكن الرئيس نيكسون كان مقتنعاً كلام الملك فيصل مجرد كلمات فارغة من حليف يعتمد بشكل كبير على واشنطن من أجل أمنه.
في 17 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن وزراء النفط العرب خفض الإنتاج بنسبة 5 بالمائة شهرياً “حتى تحرير الأراضي المحتلة عام 1967”. وفي 18، رفع فيصل هذا التخفيض إلى 10%. وفي يوم 19، أرسل نيكسون إلى الكونجرس طلب ميزانية بمبلغ 2.2 مليار دولار لتغطية المساعدات لإسرائيل. وفي يوم 20 أكتوبر، أعلنت المملكة العربية السعودية فرض حظر شامل على الولايات المتحدة. وكانت تلك “الصدمة النفطية” التي تسببت بارتفاع حاد في أسعار المواد النفط ومشتقاته. وفي 21، ذهب كيسنجر على وجه السرعة إلى موسكو، وفي 22، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وجددت دعوته دون جدوى في اليوم التالي.
كانت غولدا مائير وموشيه دايان مصممين على استكمال انتصارهما بتطويق الجيش المصري الثالث. حتى أن نيكسون رفع حالة التأهب النووي لثني الاتحاد السوفييتي عن التدخل.
تم تعليق الأعمال العدائية أخيرًا في 24 أكتوبر 1973، وُقدر عدد القتلى بحوالي 2500 إسرائيلي و7700 مصري و3500 سوري. ويات ملحّاً أن تستأنف الولايات المتحدة المبادرة الدبلوماسية في الشرق الأوسط من أجل استعادة الثقة بين واشنطن والرياض.
“دبلوماسية الخطوات الصغيرة” الشهيرة
كانت بداية الرحلات المكوكية بين إسرائيل ومصر من جهة، وبين إسرائيل وسوريا من جهة أخرى، هي التي جعلت كيسنجر و”دبلوماسيته ذات الخطوات الصغيرة” مشهورة. ومع ذلك، لم يتم التوقيع على اتفاقية فض الاشتباك الإسرائيلية في سيناء، التي كسرت تطويق الجيش المصري الثالث، إلا في يناير 1974.
وبعد أربعة أشهر، تم التوصل إلى اتفاق مماثل بشأن الجولان، مع نشر قوة تابعة للأمم المتحدة بين الإسرائيليين والسوريين. مدينة القنيطرة السورية دُمِّرت من قبل الإسرائيليين قبل انسحابهم. وأبقاها نظام الأسد في حالة خراب لأغراض دعائية.
على أية حال، اعتبر الملك فيصل ما حصل مُرضياً بما يكفي لعدم مطالبة الولايات المتحدة بالإنسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل قبل سبع سنوات. أما كيسنجر، فقد عرض “خطواته الصغيرة” بطرق مختلفة جدًا اعتمادًا على من يتحدث إليه. وبالنسبة للإسرائيليين، وصفها بأنها ضمانة لوقف دائم لإطلاق النار. وبالنسبة للعرب، فقد جعلها بداية لعملية سلام حقيقية. وقد استمر ذلك الغموض في ما يسمى “السلام الأميركي في الشرق الأوسط” طيلة نصف القرن الماضي.
Le cinquantenaire de la guerre du Kippour
قوات جزائرية ومغربية شاركت قوات المظليين السورية بالاستيلاء على محطة جبل الشيخ.