الحسين هو إما وجهة نظر ثورية، أو صوفية، أو خرافية، أو اجتماعية تاريخية.. لا يمكن للحسين أن يكون كل ذلك التنوع.. وأن تختار حسينك لا يعني أن تقدس اختيارك وتفسيرك وتفرضه على الآخرين باسم الحق المطلق..
مسألة كربلاء هي تجربة الحسين البشرية في رفض الرضوخ لمطلب حكم يزيد بالمبايعة.. وأي سعي لتحويل بشريّتها إلى دين وتقديس وخرافة وثورة سماوية، إنما هو توظيف من أجل الهيمنة المقدسة..
هل يمكن أن يكون الحسين مخطئا في كربلاء؟ هل يمكن أن يكون معاندا للنصائح التي وجهت له؟ هل يمكن أن تكون لديه نواقص في تفكيره الاستراتيجي وفي تكتيكاته السياسية وفي مواجهاته الحربية؟
إذا اعتبرت الحسين مقدسا فلا يمكن أن يكون مخطئا بتاتا، ولا يمكن لتفسيرك الديني، الخرافي، الثوري، عن كربلائه إلا أن يكون تفسيرا لا يأتيه الباطل! وهذه التجربة المقدسة لن تكون بشرية ولن تنفع البشر في شيء، لأن سلوك الحسين سيكون سلوكا موجها ومسددا ومبرمجا وقادما من جهة مجهولة لا دخل للبشر فيها..
أما اذا اعتبرت الحسين إنسانا وبشرا، واعتبرت كربلاء تاريخا من الصراع بين البشر حول قضايا بشرية طبيعية، نعم قد يكون مخطئا، وقد لا يكون، وستستفيد البشرية من تجربته..
الواقع الديني الشيعي ينظر إلى الحسين على أنه مقدس، لذلك لم يستفد الشيعة منه حتى اليوم. هو في نظرهم ليس بشرا عاديا، وحركته في كربلاء لم تكن حركة بشرية طبيعية. كيف لمن أراد السلام في مقابل من أراد الحرب، أن يتحول إلى ثائر ديني ورافع لسيف الحق المطلق ومحب للدم الطاهر وداعٍ للقيام الديني على الأنظمة لكي تتسيد الشريعة؟ كيف لمن انغلقت سبل النجاة أمامه، أن يصبح أيقونة للخرافة والعمل الخارق؟ كيف لمن انشغل بالصراع السياسي- الاجتماعي، أن يتحول جهده البشري الطبيعي إلى روحي معنوي باطني؟
إذا كان هناك سعي لمعرفة الحسين، فيجب أن يظل في إطاره الطبيعي البشري، لا في إطاره الديني الضيق، خاصة وأن كثيرين يرفعون شعار أن “الحسين للجميع”، للمتدين والملحد والسني والشيعي والمسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي ووو.. ! فكيف يمكن ان يكون للجميع وهو لا ينتمي للجميع وليس من الجميع؟
وأخيرا:
يقول “تُعلمني عاشوراء كيف أكون إنسانا حقا”.. المثير أن الإنسانية تعني التجرد من التمييز، بينما يهيمن على سلوك غالبية من مرددي العبارة تمييزٌ ديني وطائفي واضح..!