من الأطلسي إلى الخليج، يبدو لبنان “فريدا” بتجربته “البلدية” التي تعود (في جبل لبنان) إلى “عهد المتصرفية” في.. القرن التاسع عشر! وفي حين بدأت السعودية، منذ عهد الملك عبدالله، خطواتها نحو التمثيل الشعبي على باستحداث انتخابات بلدية وبمشاركة المرأة فيها، فإن كثرة من السياسيين اللبنانيين “تتمنّى” أن تنتزع من “المواطن” حقّه في انتخاب مجلس بلدي يمثل “مصالحه”!
المطلوب من المواطن اللبناني (الذي نعرف من أرقام قرّاء “الشفاف” أن العرب يتابعون حياته السياسية و”المدنية” بشغف!) أن يعلن، بكل الطرق، رفضه القاطع لهذه “المصادرة” الجديدة لأحد حقوقه الأساسية، بعد مصادرة حقّه في انتخاب “مجلس نوّاب” (ليبقى نبيه برّي رئيساً للمجلس “مدى الحياة”.. على طريقة ماوتسي تونغ!)، وحقّه في رئيس للجمهورية، لأن “الفراغ الرئاسي” يناسب “جنود ولاية الفقيه” الذي يقودون شباب الشيعة إلى الموت في اليمن وسوريا والعراق!
الإنتخابات “البلدية” حقّ دستوري وليس “هبة” من السياسيين! دافعوا عنها!
*
ينشغل اللبنانيون هذه الايام بالانتخابات البلدية المزمع إجراؤها الشهر المقبل، وسط تأكيد وزارة الداخلية عزمها على إجرائها مهما كانت المعوقات. وهذا، في حين تمنّى أكثر من طرف سياسي إبعاد “هذه الكأس المُرَة” عنه، ولعل ابرزهم كان رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، الذي وصف الانتخابات البلدية بـ”المصيبة التي حلت علينا”!
معلومات أشارت الى ان حزب الله أبلغ الوزير نهاد المشنوق رفضه إجراء الانتخابات البلدية في هذا الظرف بالذات، حيث الحزب منخرط بقضّه وقضيضه بالحرب السورية. وهو يخشى تربُّص “حركة امل” برئاسة نبيه بري به! فتعمل “الحركة” على تعزيز حضورها البلدي على حساب الحزب في المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية! وهذا، خصوصاً أن بلدات كثيرة تعتبر أن “بلديات الحزب” كانت الأسوأ إداءً في تاريخ البلديات. ومع ذلك ترجح اوساط “الثنائي الشيعي أن هناك اتفاقا بين الطرفين على اقتسام البلديات والمخاتير بينهما في مناطف نفوذهما، في معزل عن التركيبات الاهلية، والتي في نهاية الامر تصب في مصلحة الثنائي. وقد سمح لهما تحالفهما، في السنوات الماضية، بتقاسم “مشاعات القرى”، وبتسجيلها بأسماء مسؤولين حزبيين أو بأسماء “متموّلين من خريجي إفريقيا”.
“المستقبل”: ليس مع وليس ضد!
على المستوى السُنّي، يبدي تيار المستقبل اهتماما عاديا بالانتخابات البلدية. فهو لا يمانع إجراء الانتخابات، ولا يتحمس لا لالغائها ولا لاجرائها!
وتشير المعلومات الى ان البلديات بالنسبة لتيار المستقبل، تتلخص بشقين:
الاول، القرى والبلدات حيث التواجد السنّي، وحيث الحضور الكثيف للتيار. وهنا تحرص قيادة التيار على ترك اللعبة العائلية، والتركيبات السكانية الاجتماعية، لتأخذ مداها من دون ان يتدخل التيار في دعم هذه اللائحة او تلك. ففي نهاية الامر، ايا تكن اللائحة الفائزة فهي تدين بالولاء لـ”تيار المستقبل”، فينأى “التيار” بنفسه عن الدخول في صراعات العائلات والاجباب والافخاذ!
الشق الثاني وهو المدن الرئيسية التي يشكل الحضور السني عاملا وازنا على المستوى الانتخابي، وهي بيروت وطرابلس وصيدا. ففي العاصمة يلجأ”التيار” على جري العادة الى تشكيل لائحة جامعة، تنطلق من تحالفات التيار السياسية، مع “القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب” على المستوى المسيحي، ومع الاطراف الاسلامية التي تتناغم مع مواقف التيار الازرق سياسيا، ومع العائلات، وسائر المكونات الاخرى التي كانت تشكل في ما سبق قوى 14 آذار، وكذلك الحزب التقدمي الاشتراكي. هذه المروحة الواسعة من التحالفات تقطع الطريق في العاصمة على اي إمكان لاحداث خرق في لائحة التيار الازرق والحلفاء.
طرابلس الكلّ ضد.. ميقاتي!
في طرابلس، سعى التيار الى تعزيز الحوار التوافقي بين مكوّنات المدينة. فاستقبل رئيسه في منزله، قادة المدينة، من الموالين للتيار والمعارضين لسياسته. والتقى الوزير محمد الصفدي، والوزير فيصل كرامي، وبقي الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي، الذي لن يستطيع منفردا مواجهة لائحة إئتلافية طرابلسية تضم كرامي والصفدي ونواب المدينة من تيار المستقبل، فتنحصر خياراته بين المواجهة الخاسرة سلفا، او الانضواء في اللائحة الائتلافية بشروط تيار المستقبل.
اما في مدينة صيدا، فالنائب بهية الحريري تعمل، ليل نهار، على تعزيز وتفعيل والحفاظ على شعبية التيار الازرق. ولم تستطع القوى السياسية المناهضة إحداث اي خرق في لوائح المستقبل سابقا، خصوصا ان رئيس البلدية الحالي المدعوم من تيار المستقبل محمد السعودي أعلن ترشحه لولاية ثانية لرئاسة البلدية، مدعوما من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري. وهو اثبت خلال ولايته الاولى حسن إدارة، وأنجز مشاريع بلدية عجزت الدولة اللبنانية عن القيام بما يشابهها، اهمها التخلص من جبل النفايات الذي غطى الواجهة البحرية للمدية، وتسبّب بتشويه سمعة لبنان اقليميا نتيجة التلوث الذي بلغ الشواطيء القبرصية.
عون وجعجع: أكثرية الـ86 بالمئة تتهاوى!
على الضفة المقابلة يبدو الجانب المسيحي الاكثر حماسا لاجراء الانتخابات البلدية، لاسباب عدة ابرزها، خوض اول تجربة مواجهة بين تحالف القوات والتيار العوني، من جهة وسائر القوى المسيحية من مستقلين وشخصيات سياسية ووجهاء مناطق من جهة ثانية.
التحالف بشّر المسيحيين عقب الاعلان عن الاتفاق على ورقة النوايات بـ”تسونامي” إنتخابي سيطيح بالجميع وان التحالف يمثل 86% من المسيحيين. ولكن، مع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت المدن الرئيسية تتهاوى، خارجة عن إطار التحالف، الذي بدأ “حملة استلحاق” بضم مناصريه الى اللوائح التي تشكلت في معزل عن إرادة القوات والتيار العوني على حد سواء.
ففي المتن لا يبدو التحالف مرتاحاً لمواجهة تضم الكتائب وسائر الشخصيات المحلية، خصوصا آل المر!
وفي كسروان، تخوض العائلات معاركها ضد “التحالف”، حيث استطاعت في قرى القضاء وبلداته. وتبقى المفاجأة في عاصمة القضاء مدينة جونيه حيث اخفقت محاولات التوافق على بلدية مدعومة من تحالف القوات وعون والعائلات وفعاليات المدينة. ويبدو الآن ان الاتجاه هو نحو معركة يتواجه فيها التحالف مع نعمة افرام وفريد الخازن وقد ينضم اليهما منصور البون، ما يصعّب التكهن بنتيجة الانتخابات.
في قضاء جبيل والمدينة اعلن النائب السابق فارس سعيد المعركة مع “التحالف” على رئاسة الاتحاد، المؤلف من 13 بلدية. وكان لافتا مؤخرا رفض رئيس بلدية جبيل زياد الحواط محاولات فرض وصاية التحالف على المجلس البلدي، خصوصا من قبل التيار العوني الذي طالب الحواط بثمانية اعضاء من التيار في المجلس المكون من 18 عضوا، على ان يكون نائب الرئيس عونيا، فرفض الحواط رفضا قاطعا وتمسك بتشكيلته البلدية، ووضع التحالف امام الامر الواقع. فقد انسحب من المعركة باكرا المنافس الرئيس للحواط، رئيس البلدية السابق جوزيف الشامي، واعلن عن تأييده للحواط، في حين انسحب ايضا الوزير السابق جان لوي قرداحي والسيد جوزف الخوري، فبقي الحواط ممسكا بزمام الامور واخفق التحالف القواتي العوني في فرض هيمنته على مجلس بلدية جبيل.
في “البترون” باسيل يطالب بتمثيل.. القوات!
في البترون لا يبدو ان الوضع اكثر تجاوبا مع إرادة التحالف، حيث برزت ممانعة في القرى والبلدات البترونية لمحاولة الاستكبار وفرض الهيمنة على المجالس البلدية. وفي عاصمة القضاء، يبدو ايضا ان محاولة التحالف فرض شروطه على رئيس البلدية الحالي مرسلينو الحرك، قد تصل الى حائط مسدود، ما يعني ان المدينة تتجه الى معركة انتخابية، بعد ان رفض “تيار المردة” ان تتمثل القوات اللبنانية في المجلس البلدي للمدينة! فانبرى الوزير جبران باسيل الى المطالبة بتمثيل “القوات”! وفي حال لم تنجح مساعي التوافق، فإن رئيس البلدية الحالي سيلجأ الى تشكيل لائحة يضمن معها فوزه في الانتخابات في معزل عن إرادة التحالف العوني القواتي.
في زغرتا عادت الامور الى سابق عهدها بين النائب سليمان فرنجيه ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوض. وتشير المعلومات الى ان الطرفين انجزا اتفاقهما البلدي والاختياري في مواجهة التحالف، ما يجعله غير قادر على اختراق هذا التحالف بسهولة كما كان يروج.
في مدينة بشري ايضا، يبدو ان القوات، التي هي صاحبة الحضور الابرز والاقوى، قررت التخلي عن رئيس البلدية الحالي انطوان الخوري طوق، واستبداله برئيس حزبي. وتعمل القوات على تشكيل لائحة فوقية، الامر الذي أثار حفيظة الاهالي والاجباب العائلية. وتشير المعلومات الى ان التفاف الاهالي في مواجهة القوات قد يستطيع خرق لائحة القوات.
ويبقى السؤال: هلى ستحدث الانتخابات البلدية بعد ان كشف جميع الفرقاء بين من يعتبرها “مصيبة” ومن يفضل عدم حصولها، ومن كشفت له قبل حصولها ان حسابات حقله لا تتطابق مع بيادر الناخبين؟