تضم منطقة صيدا، في جنوب لبنان، ثلاثة مخيمات للاجئين الفلسطينيين. هذا، علاوةً على الاف من اللاجئين الذين يعيشون في مدينة “صيدا” نفسها، منهم من لجأ الى مدينة صيدا مباشرة، ومنهم من تركَ المخيمات واستقرّ في المدينة لأسباب اقتصادية، اجتماعية وأمنية.
والمخيمات الثلاثة هي: مخيم المية ومية، مخيم الطوارىء ومخيم عين الحلوة
مخيم المية ومية:
على تلة تبعد نحو 4 كلم الى الشرق من مدينة صيدا تأسَّسَ “مخيم المية ومية” عام 1954 على اطراف “قرية المية ومية” اللبنانية، وعلى ارض خاصة مستأجرة من اصحابها، لحساب الاونروا.
وهو يشرف على “مخيم عين الحلوة” وعلى مدينة صيدا. عدد سكانه حالياً لا يتجاوز 3 الاف شخص، كان معظمهم يعمل في قطاع البناء.
تعرَّضَ المخيم المذكور الى هجمات وتعديات خلال الاحتلال الاسرائيلي، وبسبب موقعه الاستراتيجي دُمِّرت أجزاء كبيرة منه خلال الحروب المتوالية، وخصوصا في تموز 1991 عند دخول الجيش اللبناني الى المنطقة واصطدامه بالفصائل الفلسطينية المسلحة آنذاك وادى ذلك الى خراب نحو 15 بالماية من المنازل بالإضافة إلى المدرسة واحد مراكز “الأونروا”.
لكن الفاجعة حصلت قبل سنوات قليلة عندما اندلعت معارك عسكرية بين قوات منظمة التحرير الفلسطينية و”تنظيم أنصار الله”، وهو تنظيم مُلتحق بحزب الله والنظام السوري انذاك.وقد سعى الى السيطرة على المخيم بعد ان أقدم على قتل عدد من الأهالي والمنضوين في فصائل فلسطينية اخرى اهمها حركة “فتح”. وخلال فترة سيطرته على مخيم المية ومية أقدم “تنظيم أنصار الله” على فرض سلسلة من الممنوعات السياسية والثقافية والاجتماعية واخذ سلسلة من القرارات الأمنية التي تتيح له الإمساك الكامل بالمخيم مستندا الى الدعم الكامل من حزب الله. لكن ذلك لم يستمر، اذ عادت قوى منظمة التحرير الفلسطينية الى السيطرة مجدداً على المخيم المذكور وابعدت عناصر أنصار الله عنه.
بعدها، لجأ قسم من عناصر “تنظيم أنصار الله” الى مخيم عين الحلوة. اما زعيم تنظيم أنصار الله “جمال سليمان” فقد أُخرج من المخيم عبر حزب الله الذي تولى ابعاده الى سورية، لكنه بعد سقوط النظام الاسدي العام الماضي، واقام شبه متخفياً في “مخيم الرشيدية” قرب صور،.وهذا لا يعني غياباً كاملاً لعناصر “أنصار الله” عن المخيم. فقد بقي له عدد من المناصرين الذين لا يقومون باي نشاط علني او بارز. وقد تولى زعامة أنصار الله بعد “سليمان”، المدعو “ماهر عويد“، الذي يُقال انه تنحى عن المسؤولية مؤخرا ليتولاها “ابراهيم ابو السمك” الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع حزب الله وأجهزة أمنية اخرى، ويقول احد المصادر انه زوَّدَ “بلال بدر” بالاسلحة اللازمة عند اشتباكه مع قوات الأمن الوطني في مخيم عين الحلوة عام 2023.
والان وبعد حرب غزة و”حرب الاسناد”في لبنان، شهد المخيم نشاطاً واسعاً من قبل حركة “حماس” من خلال التعبئة الايديولوجية والتدريبات والتنظيم، مقابل حالة من الاسترخاء وعدم المبالاة من قبل “حركة فتح”، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
مخيم الطوارىء
اما “مخيم الطوارىء” الذي يظن البعض انه جزء من “مخيم عين الحلوة” فالواقع أنه يقع على مسافة منه. وهو يقع في منطقة “تعمير عين الحلوة” وتفصله عن المخيم منطقة من “التعمير” يطلق عليها اسم “المجموعة الخامسة” و”بنايات رجال الأربعين”.
إنشئ مخيم الطوارىء عام 1956 بعد الزلزال الذي اصاب منطقة صيدا ويضم نحو 360 عائلة من اللاجئين القادمين من بلدات فلسطينية. ويُنظر اليه كـ”غيتو إسلامي متشدد” ويسيطر عليه بقايا “جند الشام” و:فتح الإسلام” و”عُصبة الأنصار”، ويلعب “هيثم الشعبي” دوراً اساسياً، الى جانب “بلال بدر” الذي عاد من سورية. واليوم، بعد الحرب الأخيرة، باتت حركة “حماس” ممسكة بالمخيم وتؤثر على اي قرار يتعلق به. كما امتدت هذه السيطرة الى “حي السكة” وهو حي مستحدث تعيش فيه عائلات فلسطينية وسورية واخرى تم تجنيسها عام 1994.
مخيم عين الحلوة
هو أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان ويضم حالياً نحو 60 الف شخص. وهذا يعادل 30 بالمئة من اللاجئين الفلسطينيين المتبقّين فعلياً في لبنان.
لعبت الحوادث الأمنية المتكررة داخل المخيم وفي محيطه خلال السنوات الماضية، وخصوصا بين “فتح” والمجموعات الاسلامية المتشددة المدعومة من حركة “حماس” وأطراف لبنانية اخرى دوراً في الاطاحة بوحدة المخيم وحوّلتهُ الى مجموعة مخيمات ترعى كل منها جهة واحدة او جهات عدة وتعتمد على البلدة الاصلية او عائلة ما.
قديماً، وحَّدت البندقية الفلسطينية، وخصوصاً خلال الحروب الاهلية في لبنان، القرارَ في المخيم وكانت السلطة الاساس تعود الى “الكفاح المسلح” بصفته الجهاز الذي يشرف على أمن المخيم والمقيمين فيه، في حين ان ادارة عمل المخيم كانت تحت اشراف “اللجنة الشعبية” المعينة من منظمة التحرير الفلسطينية، والى جانبها لجنة اخرى تتبع قوى التحالف التي توالي النظام السوري.
لكن اليوم، وخصوصاً منذ صيف ،2023 تحولت ادارة المخيم الى لجان أحياء وقواطع تسيطر قوى محددة على كل منها، حتى ان هذه اللجان تنسج علاقاتها مع خارج المخيم وفقا لما تراه من مصالح الحي وأهله.
ففي “حي حطين”، هناك سيطرة كاملة لتيارات اسلامية متنوعة. لكن ذلك لا يمنع وجود عائلات تنتمي لحركة “فتح” من دون السماح لها بأي تحرك.
اما اللجنة الشعبية في “حي اللوبية”، فهي تضم “فتح”، و”جماعة اللينو“ اي التيار الاصلاحي المرتبط بـ”محمد دحلان“، ونادرا ما تشهد توترات أمنية.
اما “حي عرب ابو شوشة” وعلى الرغم من وجود “جماعة اللينو” فيه، فان معظم المقيمين يدينون بالولاء لحركة “حماس” وقد ازدادوا التزاماً بها بعد الحرب الاخيرة.
وتلعب لجنة عمقة الشعبية دوراً اساسيا في مساعدة العائلات المتعففة فيها من خلال المساعدات الغذائية والصحية. واللجنة تضم خليطا سياسياً فلسطينياً
اما في حي الزيب فلا وجود لاي إطار يهتم باهله، بل يشهد نزاعا مستمرا بين ال خليفة وال قبلاوي فيما يتوزع اهله على مكونات سياسية مختلفة. ويذكر ان هذا الحي يشهد تاييدا لانصار الله بسبب القرابة العائلية للمسؤول جمال سليمان.
الوضع في “صفوريه” مختلف تماما: الى جانب “اللجنة الشعبية” هناك “مجلس شورى“. ويضم الاطاران وجهاء وكبار عائلات صفوريه بغض النظر عن الانتماء السياسي، ولكن يمكن القول ان هناك سيطرة مشتركة لـ”جماعة اللينو” و”حركة حماس” وخصوصا ان لها مكتبا اساسيا في الحي .
وفي “حي الطيري والرأس الاحمر“، وبعد إنهاء “ظاهرة بلال بدر الاسلامية المتشددة” (يعيش حاليا في مخيم الطوارىء)، أُنشئت “لجنة شعبية” تضم عددا من المستقلين الفاعلين.
وعلى الرغم ان “حي الصفصاف” هو معقل المجموعات الاسلامية المتشددة وعلى رأسها “عصبة الأنصار”، الا انه الان يشكل حيا مفتوحا في وجه الجميع.
وفي “حي طيطبة وعقبرة”، لجنتان كل منها تدين بالولاء الى جهة سياسية محددة وهي مناطق مفتوحة للجميع.
وينظر الى “حي البركسات” كمعقل لـ”حركة فتح”، وفيه لجنة شعبية معتمدة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، ويذكر ان “حي البركسات” هو خارج المساحة القانونية لمخيم عين الحلوة.
ان هذه الصورة العامة لمخيم عين الحلوة وخصوصاً في الفترة الاخيرة تؤشر الى النشاط المكثف الذي تقوم به حركة حماس من خلال تطويع الشباب وتعبئة فئات مختلفة مستفيدة من الأجواء بعد حرب غزة وما حصل فيها من مجازر.
ومن جهة اخرى فان الترتيبات التنظيمية الأخيرة التي شهدتها حركة فتح لم تؤد الى تغيير في ميزان القوى بين منظمة التحرير التي تمثل الشرعية الفلسطينية وبين حركة حماس الساعية للسيطرة على مخيم عين الحلوة والمخيمات الاخرى والمستندة الى الدعم المقدم اليها من طهران.



