لنقتفي الآثار السوداء:
تواريخ أساسية تلخّص عملية الاستيلاء والكرتلة:
وصلت القدرة التكريرية لمصفاة الزهراني إلى 17,500 برميل يوميًا قبل أن تُغلق عام 1989.
(وفقًا لموقع الحكومة: “الحرب اللبنانية وفشل تشغيل المصفاة أدّيا إلى تعليق عملها عام 1992“).
كانت تنتج الغاز السائل (LPG)، البنزين، الكيروسين، المازوت، والفيول.
مصفاة طرابلس أيضًا توقفت بين 1989 و1992.
بلغت قدرتها القصوى 34,500 برميل يوميًا من الخام، لكنها لم تتجاوز فعليًا 30,000 برميل يوميًا.
قبل تعطلها، كانت القدرة التكريرية تنتج 21,000 برميل يوميًا.
المنتجات الأساسية: فيول (50%)، مازوت (22%)، بنزين (21%).
اشارت الدراسات إلى أنه “من الناحية الاقتصادية، لا جدوى من تأهيل مصفاة طرابلس بقدرتها الحالية لأن حاجة السوق المحلي تجاوزت 140,000 برميل يوميًا.”
عام 1990، وخلال الأشهر الأخيرة من الحرب الاهلية، منح المجلس الأعلى للجمارك صفة رسمية للمرافئ النفطية الخاصة التي كانت قد انتشرت عشوائيًا على الساحل، ما أعطى شرعية رسمية للمستوردين الخاصين الذين كانوا يستخدمون هذه المرافئ (Picard 2000، ص. 303).
في شهر آب 1991: أصدر البرلمان اللبناني قانون العفو العام عن جميع الجرائم السياسية وجرائم أخرى ارتُكبت قبل 28 آذار 1991، ما أتاح فعليًا لزعماء الميليشيات أن يتولوا مناصب حكومية ويمارسوا أعمالهم الخاصة بغض النظر عن كيفية حصولهم على ممتلكاتهم ونفوذهم.
و تخلّت وزارة الصناعة والنفط (التي اندمجت لاحقًا ضمن وزارة الطاقة والمياه) عن واجباتها في تطبيق القوانين ولم تُبدِ أي نية لاستعادة سيطرة الدولة على قطاع النفط ولا لتفعيل الهيئة الخاصة المنصوص عليها قانونًا والتي بقيت على الورق فقط.
“وبعد عامين من الارتباك، بدأت الوزارة في آب/أغسطس 1994 بإصدار تراخيص مؤقتة لـ22 مستوردًا خاصًا، شريطة أن يثبتوا امتلاكهم منشآت وخبرة كافية” (النهار، 7 تموز 1994).
إن ربط تراخيص الاستيراد بامتلاك مرافق ساحلية قد أسّس فعليًا أرضية قانونية لكارتل من أصحاب هذه المنشآت، التي بُني معظمها بشكل غير قانوني خلال سيطرة الميليشيات في الحرب الأهلية، والتي بدأت باستيراد المنتجات النفطية بدعم من شركات تجارة دولية مثل BB Energy.
تسبّب كارتل المشتقات النفطية، بعد حصوله على تلك التغطية القانونية، بتفكيك احتكارٍ حكومي استراتيجي للمرفق.
وقد عرّض ذلك بلداً يعتمد على استيراد الطاقة لاستنزاف دائم لاحتياطاته من العملات الأجنبية، وذلك ما سمح به الربط المصطنع للّيرة اللبنانية. أما الهندسات المالية (مخططات “بونزي“) التي نُفِّذت منذ عام 2016 فكانت محاولة يائسة إضافية لاستقطاب العملات الأجنبية إلى القطاع المصرفي بهدف على إبقاء الاقتصاد على قيد الحياة بفضل دعمٍٍ مالي مصطنع. اما في الواقع، فقد أدّت تلك السياسة إلى “دَولَرة” القدرة الشرائية للمستهلكين، ما سمح بزيادة استهلاك البنزين خمسة أضعاف.
بدلًا من أن يعود ذلك بالفائدة على الدولة، فإن تفكيك المصفاتيْن وتعزيز نفوذ الكارتل أدّيا إلى وضع بات فيه الكارتل نفسه هو المستفيد من أعمال الاستيراد والتوزيع. وقد أدّت العلاقة التي يمكن أن نُطلِق عليها صفة “زِنى المحارِم” بين الكارتل (الذي تقوده، من الكواليس، شركة BB Energy) وشركات التوزيع المرتبطة بالفاعلين السياسيين (مثل شركة “كوجيكو“، والتي كانت شراكة بين آل جنبلاط و“البساتنة”، وقد تعزّزت بعد استحواذ BBE على أسهم السيد بهيج أبو حمزة في الشركة)، هذا إضافةً إلى السيطرة الحصرية على الخزانات النفطية وغاز الـ LPG (حيث يُدار موقع الزهراني المملوك للدولة من قبل أتباع أو مُعيّنين من قبل دولة الرئيس نبيه بري)، إلى منع أي منافسة فعلية في هذا القطاع، الذي اصبح يشكّل المصدر الأساسي لثراء النخبة السياسية المتسلطة بعد الطائف.

ذلك هو السياق العام الذي أوصل لبنان إلى ما يُسمّى “عقد سوناطراك” الذي وُقِّع أساساً في عام 2005:
وهو عبارة عن صفقة مقايضة بين كارتل نفطي فاسد وشركة BBE التي كانت تزوّده بالمشتقات. فقد نجحت شركة BB Energy (التي انضمّت إليها لاحقاً، بالتناوب، شركة ZR التابعة لتيدي و ريمون رحمة اللذين جنيا الأموال بالاحتيال على شركاء لهما في العراق ما ادى إلى الحجز على شركات ومقاضاة أدت إلى عقوبات في الولايات المتحدة) في الحصول على عقد لمدة 15 سنة لتزويد “مؤسسة كهرباء لبنان” بالمنتجات بهوامش ربح مرتفعة بشكل غير طبيعي (بينما كان البساتنة يقدّمون عروضاً للفيول في مالطا بهامش 4.5 دولار للطن المتري)، وذلك من خلال تموضعها كمقاولٍ فرعي لشركة Sonatrach Petroleum Corporation BVI.
وقد حقّق العقد لشركة “بي بي أنيرجي“، ولشركائها المخفيين، ربحاً تقديرياً يصل إلى حوالي 30 دولاراً للطن المتري من توريد “الفيول أويل” و“الغازويل” لمؤسسة كهرباء لبنان. وبعد ذلك، أصبح من المستحيل على السلطات المتقاعسة تحديد المنشأ الحقيقي للشحنات التي تم توريدها بموجب ذلك العقد، أو مراقبة الجودة على طول مسار التوريد (من الممكن ان وصلت هوامش الربح لهذه الممارسات الاحتيالية إلى أكثر من 50–100 دولار للطن المتري).
إن تمرير تلك العلاوات المرتفعة طوال 15 سنة متتالية، ما كان ذلك ليحدث لو لم يُستَفد أعضاء في الحكومة من إعادة توزيع جزء من الأرباح المحققة على شكل عمولات. ومن المعروف أنّ أربعة “عرّابين” رئيسيين في الكارتل التاريخي كانوا متورطين في ذلك (وهم مسؤولون شاركوا في أربع عمليات تجديد متتالية للعقد، وحالوا، من خلال العرقلة، دون إطلاق مناقصة جديدة).
لقد ولّد هذا العقد لشركة سوناطراك “رسوم مظلّة” قُدّرت بنحو 3.5 دولار أمريكي للطن المتري، ومن المرجح أن الإدارة السابقة لشركة Sonatrach Petroleum Corporation (والتي كان مديرها العام السابق، “السيد ولد قدور“ — الذي حُكم عليه وسُجن في الجزائر بتهم اختلاس بعد تسليمه من الإمارات) كانت هي الأخرى تستفيد من هذا الترتيب غير الطبيعي. وتشير الشائعات إلى أن 5 دولارات لكل طن متري كانت تُدفع لكل “عرّاب”. وكان من السهل إعادة توزيع مثل هذه الحصص من الأرباح على الأشخاص السياسيين ذوي النفوذ عبر تزويد الشركات التابعة لهم بكميات إضافية من البنزين أو الديزل بدلاً من الدفع النقدي، في ظل غياب أي رقابة جمركية.
“الأهم من ذلك هو أن الرقابة الحكومية المباشرة على جودة وكمية واردات النفط لم تُطبّق، سواء بسبب نقص الموظفين وضعف التمويل في مختبرات الوزارة في الزهراني، أو لأن الوكالة الخاصة التابعة لوزارة الصناعة والنفط، المخوّلة قانوناً بالإشراف على هذه المهام، لم يتم إنشاؤها. ولا مفر من افتراض أن الغاية من هذه الأرباح غير المشروعة كانت تمويل شبكة الفساد التي سمحت بتحقيقها.
ويبدو أنه وسط هذا الإهمال في ضبط جودة الوقود، فإن الضرر الذي لحق بمولّدات الديزل الجديدة على متن بواخر الطاقة هو الذي أدّى في النهاية إلى كشف عملية الاحتيال في جودة “الفيول أويل” (عمليات النقل من سفينة إلى سفينة بعد التحميل في مالطا، وخلط منتجات مطابقة للمواصفات مع منتجات شديدة التلوث والسميّة) كمصدر إضافي للأرباح، والذي قد يكون على مدى سنوات قد أضاف أرباح طائلة فوق العلاوات التعاقدية.
يُقدَّر أن مؤسسة كهرباء لبنان قد استوردت أكثر من 30 مليون طن من “الفيول أويل” و“الغازوال” من المالكين الفعليين لعقد سوناطراك (وهما شركتا BBE وZR)، وأن الكارتل جنى ما يتراوح بين 1 مليار إلى 5 مليارات دولار (اعتماداً على مدى ممارسات الغش في المنتجات) مع الدور الفعّال لكلّ من:
السيد وليد جنبلاط، السيد فؤاد السنيورة (رئيس الوزراء في 2005)، السيد نبيه بري (رئيس مجلس النواب)، السيد علي حسن خليل (وزير المالية) والسيد زياد الزين (المدير العام المساعد لمنشآت الزهراني). وكان من اللافت تعاون وزير الطاقة السابق السيد محمد فنيش (الذي سمح بالعقد الأولي) والسيد جبران باسيل (الذي كان على علم كامل ببنية التعاقد الفرعي عندما اعترف حتى بأنّه توسط بين BBE وZR لتقاسم الأدوار كمالكي العقد).
إقرأ أيضا:
State Capture in the prism of the Lebanese petroleum cartel




