كَلامًا مِنْ لَمَى أَلَمٍ يُسَلُّ – وَبَوْحًا مِنْ فُؤادِي أَسْتَهِلُّ
فَفِي الشَّامِ الّتِي نَكَأَتْ جِراحِي – شَبَابٌ فِي حِمَى الطُّغْيانِ حَلُّوا
— –
الأخبار الواردة من الشام
لا تبشّر بالخير. ماذا يمكن للمرء أن ينتظر من نظام قبليّ طائفي مُدمنٍ على القمع والكبت وفوق كلّ ذلك مولع على ما يبدو بسفك دماء شعبه؟ لقد أضحت هذه الجرائم سمة لهذا النّظام مثلما كانت دائمًا سمة لهذا البعث القبليّ الـ“عربي“ الفاشي منذ نشوئه في هذا المشرق. لقد صكّ هذا البعث شعار الـ“عروبة“ رافعًا ايّاها أكذوبة يخفي وراءها طبيعته القبليّة الطائفيّة. كذا كانت الحال في العراق زمن بعث ذلك السفّاح الّذي أفل وحزبه إلى غير رجعة. وكذا هي الحال، كانت في الماضي ولا تزال، بدءًا بالأسد الأب، ثمّ توريثًا لهذا القمع والفساد للأسد الابن، الذي سيأفل كسائر الآفلين عاجلاً أم آجلاً، فقد جلّ من لا يأفل. لكن، وعلى ما يبدو أيضًا فإنّ أفول هذا النّظام، كعادة هذا النّوع من الأنظمة، سيكون ملطّخًا بالدّماء، دماء السّوريّين، على اختلاف انتماءاتهم الطائفيّة.
إنّ الأنظمة القبليّة العربيّة، وبكلّ تنويعاتها المختلفة، هي في نهاية المطاف أنظمة استعماريّة لا تختلف بشيء عن الاستعمار الغريب سوى بكونها تتّسم بالعروبة الأكذوبة، حيث تقوم قبيلة معيّنة بفرض سلطتها على سائر مكوّنات الطّيف القبلي في هذه الدّول التي أنشأها ورسم حدودها الاستعمار الغربيّ أصلاً. إنّ أبرز مظهر لهذا الاستعمار القبليّ هو ما شهدته سورية من توريث للرئاسة مبتدعة بذلك ماركة عربيّة مسجّلة في سجّل العلوم السياسيّة. غير أنّنا لو قارنّا بين الاستعمار الغربيّ بين هذا الاستعمار العربيّ الدّاخليّ لرأينا بلا أدنى شكّ أنّ الاستعمار الغربيّ كان أكثر رحمة من استعمار ذوي القربى هؤلاء. وما دامت الحال على هذا المنوال فما الحاجة إلى كلّ هذا الاستقلال وإلى كلّ هذه الشّعارات الرنّانة التي لازمتها طوال عقود من الكذب والبهتان وفي جميع الأحوال.
طالما أشبعنا هذا البعث الفاشي بشعارات الأمّة الواحدة والرسالة الخالدة. فلم تكن أمّته واحدة في يوم من الأيّام، بل دائمًا كانت مشتّتة بائدة، ولا كانت رسالته خالدة، بل كانت ولا تزال مُفتّتة دائدة. فما الذي ينتظره المرء من نظام تشمل قوانينه، على سبيل المثال، بنودًا مثل ”إضعاف الشّعور القومي“ أو ”وهن نفسيّة الأمّة“، وما شابه ذلك من هذه السخافات التي يُحاكَم عليها المواطنون؟ وما الذي ينتظره المرء من نظام يقتاد إلى السجن مدوّنة شابّة، هي طلّ الملوحي، بتهمة التخابر مع دولة أجنبيّة؟ وما الذي ينتظره المرء من نظام طالما أشبعنا بشعارات المقاومة والصمود والتّصدّي والممانعة، وهو الذي لم يصمد ولم يتصدّ ولم يمانع ولم يطلق رصاصة واحدة لتحرير جولانه أو اسكندرونه منذ عقود وعقود طويلة؟
هذه هي حقيقة
وطبيعة هذا النّظام الذي يُقاوم ويُمانع ويصمد ويتصدّى خلف ظهور اللبنانيين والفلسطينيين، وخلف أيّ ظهر آخر. إنّه كان دومًا على استعداد أن يُمانع وأن يقاوم حتّى آخر لبناني وحتى آخر فلسطيني. هذا هو طبع هذا النظام، وهذه هي حقيقة هذا النّظام الذي سيبقى ممانعًا فقط بالشعارات بغية البقاء في سدّة حكمه وفساده وإرهابه. ومن أجل التغرير بعقول الأغبياء من مراهقي العروبة يرسل وكلاء مخابراته وعملاءه وسائر زبانيته للتنظير والتحليل في صحف وفضائيّات صحارى وجزائر العربان.
إنّ نظام البعث هذا، كسابقه الآفل في بلاد الرافدين، هو نظام استعماري طائفي وقبلي، وقد آن أوان اندثاره ورميه في مزبلة التاريخ. لقد آن الأوان أن يتحرّر العرب في هذه البقعة من الأرض من كلّ هذه الاستعمارات القبلية، الملكية والجمهورية الوراثية والسلطنات والإمارات الأمّارة بالسّوء، وكلّ تلك الأنظمة التي نخرت عظامهم فأحالتهم رميمًا على قارعة الشعوب.
ما من سبيل لبلوغ
هذه الغاية سوى سبيل المدنية الحديثة. إنّها مدنية دولة المواطنين الأحرار في بلادهم الماسكين بزمام أمورهم ومصائرهم. ما من سبيل سوى سبيل فصل الدين عن الدولة ووضع الدساتير العصرية التي تكفل للأفراد والجماعات الحقوق والحريات في كلّ مجالات الحياة، السياسية والثقافية والاجتماعية. وفوق كلّ ذلك، يجب أن يرفع الجميع في هذا المشرق العربيّ شعارات: لا توريث للسلطة بعد اليوم، لا اضطهاد للعباد بعد اليوم، لا كبت للحريات بعد اليوم، لا استعمار قبليًّا طائفيًّا بأيّ شكل من الأشكال بعد اليوم.
ولعلّ خير الختام هذا الكلام:
حلم الحرية
كَلامًا مِنْ لَمَى أَلَمٍ يُسَلُّ – وَبَوْحًا مِنْ فُؤادِي أَسْتَهِلُّ
فَفِي الشَّامِ الّتِي نَكَأَتْ جِراحِي – شَبَابٌ فِي حِمَى الطُّغْيانِ حَلُّوا
لَهُمْ أَمَلٌ وَلكِنْ كَيْفَ يُرْجَى – وَفَوْقَ الصَّدْرِ أَثْقَالٌ تُشِلُّ
شَبَابٌ مِنْ لَظَى النّيرانِ قَامُوا – وَقَالُوا اليَوْمَ للطّاغِينَ: حِلُّوا
عَنِ الأَرْضِ الّتِي شَبِعَتْ عَذَابًا – عَنِ الشَّعْبِ الَّذِي أَضْناهُ غُلُّ
أَلا يَا شَامُ، يَا حورانُ صَبْرًا – بُغَاةُ الأَرْضِ للأَحْرارِ نَعْلُ
إذَا نَادَى المُنادِي فِي شَآمٍ – وَأَسْرَجَ حُلْمَهُ فَالكُلُّ خَيْلُ
لَكُمْ حُلُمٌ وَبَعْضُ الحُلْمِ يَأْتِي – بِأَسْحارٍ لَهَا الدّمْعَاتُ طَلُّ
فَلا يُعْلَى عَلَيْهِ وَإنْ تَمَادَتْ – بُغَاةُ الأَرْضِ، إنَّ الحُلْمَ يَعْلُو
والعقل وليّ التوفيق!
***
نشر في: “إيلاف”،
ثورة الحريّة السوريّة ياحبذا يا سيدي لو أعدت النظر قليلاً في أفكارك. إن إستعمالك لإسم البعث في كل هذه الأوصاف القبيحة فيه ظلم وربما جهل أيضاً. إن هذا النظام المجرم العفن في سوريا الذي صممه أكبر مجرم عرفه التاريخ الحديث والقديم وهو والد هذا القزم الطويل القامة قد أقامه على أنقاض البعث وعلى الفساد والإجرام. لقد أبقى لافتات البعث وشعاراته بعد أن قضى على كل المخلصين من رجالاته عن عمد ليتستر وراءها وليقدم نفسه (الكلام عن الأب المجرم) قوميا وهو أكبر خائن وغد. هكذا كان الإتفاق بينه وبين إسرائيل التي فعل كل شيء لتسقط الجولان في يدها على أن يمثل… قراءة المزيد ..
ثورة الحريّة السوريّة
وكالعاده شماعة الإستعمار جاهزه حتى عند السيد مصالحه.. لم ”بفتح الميم” ينس أو يتناسى الجميع أن تركيبة شعوبنا العربيه بالأساس تركيبه قبليه والصراعات بينها قديمه قدم وجودها وأن ما يظهرها الآن ما هو إلا أن ظروف علاقتها ببعضها البعض اتخذ بعدا جديدا في ظل دول ذات حدود وحكم مركزي. لقد حان الوقت للنظر للغرب ونتعامل معه بواقعيه وموضوعيه دون نعته وتوصيفه من نعت خيالنا المليء بالتشوهات، تشوهات أصبحت أرثيه تلازمنا وتنغص علينا حياتنا.