إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
وَسطَ الانهيار المُستمرّ للبنان، الذي دخل الآن عامَهُ السادس، يدور نقاشٌ في أوساطَ سياسية دولية ومحلية حول قُدرة البلد ـ بل ورَغبته ـ في تنفيذ إصلاحات إقتصادية تتمتع بالمصداقية. ويحتل وزير المالية المُعيّن حديثاً في حكومة نواف سلام، السيّد ياسين جابر، موقعاً مركزياً في ذلك النقاش. فقد استدعى تعيينُه تدقيقاً وتساؤلات نظراً لارتباطه السياسي، منذ أمد طويل، برئيس مجلس النوّاب السيد نبيه برّي، الذي مارسَت « حركة آمل » التي يَرأسنا نفوذا بالغاً في مؤسسات الدولة اللبنانية طوال عقود.
وفي حين يسعى البعض لتقديم « جابر » كـ« تقنوقراطي مستقل »، فإن مسؤولين سابقين وجِهاتٍ متعددة تحدّثنا معها في سياق إعداد التقرير الحالي تعتقد أن دورَه ضمن الحكومة الجديدة يرمي إلى مدِّ نفوذ شبكات الزبائنية إلى صُلب الجهود الراهنة لإعادة هيكلة النظام المالي اللبناني.
البنك المركزي اللبناني وملف نوّاب الحاكم
كان بين أول الإجراءات التي قام بها وزير المال اقتراح أسماء مرشحين لمنصب نُوّاب حاكم مصرف لبنان. وتشير مذكرات حكومية داخلية اطلعنا عليها أن المرشّح الأول لإعادة التعيين هو السيد وسيم منصوري، الذي شغلَ منصب الحاكم بالوكالة حتى تعيين الحاكم الجديد. ويُستفادَ من المعلومات المتداولة، ومن تحقيقات صحفية أن « منصوري » يقيمُ علاقاتٍ وثيقة مع مجموعة صغيرة من المسؤولين ـ تشمل « سليم خليل » و « محمد حمدون » و « محمد بعلبكي » ـ تولّت إدارة عمليات النقد الأجنبي، بمبالغ طائلة، في ذُروة مجهودات تثبتت سعر الليرة اللبنانية بالنسبة للدولار.
وتفيد مصادر مختلفة أن تلك العمليات، التي كانت ترمي إلى إبطاء تدهور سعر الليرة اللبنانية، كانت تَفتقد إلى الشفافية، بل وكانت تُدار من خارج هيكلية البنك المركزي. ولذلك السبب، يثيرُ اقتراح إعادة تعيين « منصوري » وفريقِه مخاوفَ بين مراقبين دوليين من ترسيخ نفوذٍ سياسي معيّن في إدارة العملة الوطنية.
مأزق قانون إعادة هيكلة المصارف
ويشكل القانون المُقترح لإعادة هيكلة المصارف العاجزة عن الدفع نقطة نزاعٍ ثانية. فقد سعى البنك المركزي، بقيادة الحاكم « كريم أنطون سعيد »، لمجموعة من التعديلات التي ترمي إلى ضمان استقلال البنك المركزي، وتطبيق المعايير البنكية الدولية، وإلى حماية صِغار المودعين. ولكن التعديلات التي اقترحها البنك المركزي لم تحظَ بعد بموافقة وزير المالية.
ويَزعم مُطّلعون على المداولات الداخلية أن موقف « جابر » يرتبط بمفاوضات أوسع نطاقاً. وتقول مصادر ديبلوماسية أن وزير المال ربطَ موافقته على قانون التعديلات بالحصول على تنازلات في تعيينات ليس لها صلة بالقانون وتحديداً: اختيار « المُدّعي العام المالي » الجديد، ورئاسة « شركة إنترا للإستثمارات »، وهي شركة تابعة للبنك المركزي تمتلك أصولاً عامة كبيرة جداً. ويقول نُقّاد أن هذا الربط بين الملفّات يُنذِر بتأسيس ما ينبغي أن يكون إصلاحاً تنظيمياً بحتاً، ويُهدّد استقلالية المؤسسات المالية الحكومية.
المرافق العامة والجغرافيا الإقتصادية
علاوة على ما سبق، تلكّأت وزارة المال في اتخاذ موقفٍ من إعادة فتح « مطار رينه معوّض » في شمال لبنان. ومع أن وزارة الأشغال العامة اعتبرت إعادةَ تشغيل المطار بمثابة أولوية لتنمية منطقة شمال لبنان، فإن وثائق رسمية تظهرُ تأخيرات متعمدة في الموافقة على الميزانية المقترحة وفي تأمين التنسيق بين سلطات الجمارك التابعة لوزارة المال وسلطات النقل المدني.
ويعتقد مسؤولون سابقون في إدارة النقل المدني ورجال أعمال كِبار أن التأخيرات مُتَعمَّدة لأسباب سياسية. ويقول هؤلاء أن تشغيلَ مطارٍ دولي في شمال لبنان يمكن أن يُقَلِص مداخيلَ التجارة والسياحة التي يحققها « مطار رفيق الحريري الدولي » الذي يُعتَبَر مصدرَ مداخيل كبيرة جداً لأحزاب وجماعة سياسية راسخة النفوذ. ويشير هؤلاء إلى أن تلكُّؤَ وزارة المالية يعكسَ ديناميات أوسع نطاقاً تنظر إلى إدارة المرافق العامة ليس كموضوع تنمية وطنية فحسب، بل كأداة للسيطرة المالية والسياسية.
التدقيق الدولي والمرحلة المقبلة
يحمل السيد « ياسين جابر »، وهو عضو سابق في مجلس النواب ووزير سابق، شهادة إدارة أعمال من « جامعة بيروت الأميركية »، وسبق له الإشراف على عدد من حقائب الإستثمارات خلال ثلاثة عقود. ومع أنه لا يحمل شهادة جامعية في القانون وليس خبيراً مالياً محترفاً، فهو يحظى بنفوذٍ كبير في كُتلة « حركة أمل »، ويملك اتصالات رفيعة المستوى في عدد من عواصم المنطقة.
ويخضع دوره حالياً لمراقبة وثيقة من جانب المانحين الدوليين، بما فيهم « صندوق النقد الدولي »، و« البنك الدولي »، وأعضاء « الخُماسية » (الولايات المتحدة، وفرنسا، والسعودية، ومصر، وقطر). وقد أكّدَ لنا ديبلوماسيون من إثنين من هذه الدول المعنية أن مواقف « جابر » الراهنة حول « قانون إعادة هيكلة المصارف » وحول تعيينات « نُوّاب الحاكم » قد أثيرت في قنوات ديبلوماسية لم تَصِل إلى وسائل الإعلام وأنها يمكن أن تؤثِّر في الجداول الزمنية للدعم المالي للبنان بل وفي شروط الدعم في المستقبل.
إن التفاوض جارٍ حالياً للتوصل إلى اتفاقية مع « صندوق النقد الدولي »، ولكن التقدّم يتوقف على قدرة لبنان على اعتماد منحى متماسك وغير مُسَيّس لإعادة هيكلة نظامه المالي. وما يخشاه المانحون الدوليون هو أن تخضعَ الإصلاحات المؤسَّسية لنفسِ الديناميات الإقتصادية ّـ السياسية التي لعبت دوراً أساسياً في الإنهيار الذي يعيشه لبنان.
وقد شدّد حاكم البنك المركزي، في اجتماعات خاصة مع ممثلي « صندوق النقد الدولي »، على ضرورة إقامة فاصِل مُحكم بين الفاعلين السياسيين والهيئات المالية الناظمة. وليس واضحاً بعد ما إذا كانت الحكومة ـ ووزارة المال بصورة خاصة ـ سوف تعتمد هذا النموذج أو أنها ستعودُ إلى التفاوض والتسويات بين السياسيين حول التعيينات الحكومية.
الخُلاصة
في حين يقترب لبنان من نقطة تحوُّل في علاقته مع المجتمع المالي الدولي، فإن سلوك وقرارات كبار المسؤولين، بما فيهم وزير المالية ياسين جابر، سوف تُحَدّد مدى مصداقية مزاعم الإصلاح للحكومة الحالية. ولا يتوقف البقاء الإقتصادي للبلاد على المخططات التقنية وحدها بل وعلى الإستعداد السياسي لعَزلِ الحَوكمة المالية عن المصالح الحِزبية.
اكتَفَت الدولُ والمؤسساتُ المانحة بالمراقبة حتى الآن. إن هندسة الإصلاح باتت معروفة، ولكن نجاحها يمكن أن يتوقف على ما إذا كان مسؤولون مثل ياسر جابر سوف يتصرّفون كقادة لمرحلة إنتقالية أم كمدافعين عن أمر ٍواقع لا يرغبون في تغييره.
/هل يفعلها كريم سعيد؟/ الفرصة الوحيدة والأخيرة لإنصاف المودعين هي أن يكون الحاكم كريم سعيد إلى جانبهم وأن تكون مشاريع وخطط إعادة الودائع المتداولة نقلاََ عنه صحيحة… أثبتت الأحداث و الوقائع ان السلطة السياسية بكل مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية على مدى السنوات السابقة كما في العهد الحالي هي ضد المودعين ومع خطط شطب الودائع عبر تذويبها. كيف لرؤساء حكومات ومجلس نواب ووزراء ونواب وقضاة ورؤساء أحزاب استفادوا بملايين الدولارات من الهندسات المالية و الدعم المزيف و إيفاء القروض المليونية بأقل من 8 %من قيمتها الفعلية، كيف لكل هؤلاء الذين أخرجوا ملياراتهم المسروقة إلى المصارف الأوروبية تهريباََ وتبييضاََ دون أية محاسبة… قراءة المزيد ..