“نتفهم أسئلتك وقلقك”، بهذه العبارة خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس الصيني شي جينبينغ في قمة سمرقند يوم الخميس، وفي لقاء كان بالشكل والمضمون ملخصا لحجم التغيرات التي أتت بها حرب أوكرانيا على المشهد الجيوسياسي، وإسقاطها لروسيا من موقع اللاعبين الأكبر على الساحة الدولية.
بوتين كان يسترضي الزعيم الصيني، ويحاول طمأنته بأن مغامرة أوكرانيا التي خسرت فيها روسيا حتى الآن أكثر من سبعين ألف جندي وهدت اقتصادها وآلتها العسكرية، “تسير حسب الخطة”.
تناسى بوتين أن باقي العالم يقرأ الأخبار خارج شبكة “روسيا اليوم” ويدرك حجم المستنقع الذي تغرق فيه موسكو، وأنها خسرت ما يقارب 6000 كلم مربع في غضون أسبوعين وفي هجوم معاكس لأوكرانيا على إزيوم وخاركيف. باقي العالم يقرأ ويتابع بأن 65 شخصية من مجالس محلية في روسيا وقعت عريضة ضد الحرب وطالبت بوتين بالتنحي ويدرك بأن الآلة العسكرية الروسية تواجه أكبر خسارة منذ الحرب العالمية الثانية.
من بين هؤلاء الذين يدركون تراجع روسيا، الرئيس الصيني الذي اختار كلماته بدقة بالتأكيد لبوتين على العمل “لغرس الاستقرار في عالم تسوده الفوضى.” فالصين تدرك ورطة بوتين، وهي ليست مجبرة على إنقاذه بل تستفيد من أزمته اقتصاديا بشراء النفط والغاز بأسعار مخفضة وبدخول الاقتصاد الروسي لاستبدال القوى الغربية.
إنما الصين تحفظ خط الرجعة أيضا وهي لم تقبل ببيع بوتين أسلحة وعتادا عسكريا، ما اضطره للذهاب لإيران بحثا عن طائرات من دون طيار، وإلى كوريا الشمالية بحثا عن صواريخ.
هذا هو حجم بوتين اليوم، يسترضي إيران لشراء طائرات “شاهد” فيما قواته تهرول أمام قوة السلاح الغربي في يد أوكرانيا، وتترك وراءها الدبابات والقذائف والراجمات.
بوتين كان يجلس مقابل شي إنما في الحقيقة هما ليسا في مستويات متساوية على الإطلاق اليوم. الصين تستخدم بوتين وتستغل ضعف روسيا، وهي تدرك ماذا سيعنيه فوز أوكرانيا في حال تحقق لها في تايوان، إنما غير مستعدة لركوب حصان بوتين والمغامرة معه ضد الغرب.
ضعف بوتين اتضح أيضا في مواجهات أذربيجان وأرمينيا، وحيث اشتمت باكو ضعف روسيا التي تدعم ييرافان وقامت بهجوم عسكري أوقع أكثر من 100 قتيل في صفوف أرمينيا. أدركت أذربيجان بأن روسيا ليس بإمكانها الرد، ليس الآن على الأقل، وأن الاتحاد الأوروبي أسكته رفع باكو صادراتها للغاز بـ 30 في المئة.
على الأرض في أوكرانيا تعني خسارة روسيا لمدينتي إزيوم وخاركيف قطع طريق إمداداتها شرقا وسلبها بوابة إلى البحر الأسود. إنما الأهم من ذلك تعني زخما معنويا لأوكرانيا وفرصة لاستكمال المعركة شرقا وإمكانية مدها إلى جزيرة القرم.
يحدث ذلك في وقت بات زوار موسكو يقتصرون على حركة حماس والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي التقى بوتين للمرة الرابعة قبل أن يبتسم معه للشاشة من سمرقند.
منذ خمسة أشهر كان بوتين يتخيل نفسه راكبا على حصان وهو يدخل كييف منتصرا لـ”روسيا الأم”، أما اليوم فهو غير قادر على الإمساك بإقليم مجاور لروسيا يتحدث سكانه اللغة الروسية وميليشياته تابعة للكرملين.
الحرب طويلة والوقائع قد تتبدل إنما الانتصار ليس لجيش يهرول بعيدا عن ثكناته ويترك دباباته وعتاده إلى “العدو”.