الحقيقة الساطعة، أنّ ما يعانيه لبنان هو نتيجة هيمنة وتسلّط إيران عليه.
الدولة اللبنانية أصبحت مخطوفة ومرتهنة، ولم تعد هي صاحبة السلطة والنفوذ والقرار
الانتخابات النيابية ضرورية ولكنها لن تكون مناسبة فاصلة وفورية للتغيير.
أعاد الرئيس فؤاد السنيورة تصويب البوصلة الوطنية انتخابيا و.. سنّياً! وليس سرّاً أن هذا « التصويب » أثار استياء شديداً بين « المستقبليين »، أي في قيادات « تيار المستقبل »! مع أن الرجل الذي رفض انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولم يترشّح للإنتخابات النيابية السابقة، يظلّ منسجماً مع نفسه في موقفه السيادي اليوم!
السنيورة، في مؤتمر صحفي عقده اليوم في مكتبه في « شارع بلس » في العاصمة بيروت، حدد شروط المواجهة مع حزب الله ودعا الى المشاركة في الانتخابات اقتراعا وترشيحا، خلافا لقرار الرئيس سعد الحريري بتعليق العمل السياسي شخصيا ولتيار المستقبل.
السنيورة الذي ابدى احترامه وتقديره لقرار الحريري رفضَ ايضا اخلاء الساحة السياسية لحزب الله للعبث بالساحة السنية والاخلال بالتوازنات الوطنية التي مثّل تيار المستقبل الجسر الاساسي لها.
فانسحاب الحريري وتيار المستقبل من الساحة الانتخابية والسياسية سيفسح في المجال امام حزب الله بالافاده لملء هذا الفراغ في الدوائر المشتركة، بين السنة والشيعة، خصوصا ان الحزب اكثر تنظيما من اي مرشح طامح الى الحلول مكان نواب المستقبل المعلقين نشاطهم السياسي، وهذا ما عبّر السنيورة عن رفضه.
وكان الرئيس السنيورة قرّر ألا يترشح للدورة الانتخابية السابقة، وهو زاهد بالمناصب السياسية. ويُنقل عنه انه شغل جميع المناصب ولاكثر من مرة، نيابية كانت ام وزارية او حتى رئاسة الحكومة، وتاليا فإن أي منصب جدبد لن يصيف على مسيرته السياسية أي جديد.
ويعرف عن الرئيس السنيورة وفاءه المطلق للرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولنجله سعد من بعده، وعدم خروجه على رغبة سعد الحريري سابقا في اي موقف اتخذه، سواء كان السنيورة موافقا على هذا الموقف او معترضاً. باستثناء رفضه تأييد « صفقة » انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية التي شارك فيها سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط (مُرغَماً)!
وقد أفادت معلومات خاصة بـ« الشفاف » ان السنيورة تقدم صفوف السنّة لخوض حملة انتخابية في مواجهة حزب الله، وهو اعلن اليوم عن وقوفه « في اول الصف », ولكنه ينتظر استكمال شروط المواجهة، واول هذه الشروط ان تفتح المملكة العربية السعودية ابوابها له.
وتشير المعلومات الى ان السنيورة يترقب دعوة لزيارة العربية السعودية قد تأتي وقد لا تأتي!
وفي الحالتين سيبني على الشيء مقتضاه!
*
ماذا قال السنيورة في مؤتمره الصحفي أمس الأربعاء؟
قبل أن أبدأ حديثي، أودّ أو أقول إنني على مدى عدة أسابيع خلت، قمت بمروحة واسعة من الاتصالات والاجتماعات مع عدد وافر من أصحاب الرأي والمشورة ومن رؤساء وأعضاء المؤسسات الاجتماعية والخيرية الإسلامية في لبنان للاطلاع على آرائهم ووجهة نظرهم، وذلك في ضوء ما يستشفونه من تواصلهم مع من يلوذ بهم ومع قواعدهم حول ما يجري الآن على الصعيدين الوطني والإسلامي في لبنان، وهذا ما أسهم في تكوين وجهة نظري فيما سأحدثكم به.
• أنا أحترم إرادة دولة الرئيس سعد الحريري في تعليق مشاركته ومشاركة تيار المستقبل في العمل السياسي، وأنا لا أحّمله بأي شكل من الأشكال أي مسؤولية عما أبديته أو أبديه أو أعبّر عنه من مواقف وآراء، كما أنّ زميلَيّ الرئيس نجيب ميقاتي وتمام سلام هما على إطلاع على ما أوردته من أفكار في هذا النص. ولكن– في المحصلة– ما أدليت به اليوم هو يعبّر عن موقفي أنا. من جهة أخرى، فأنا والرئيسان نجيب ميقاتي وتمام سلام على تواصل وثيق ومستمر فيما سنتخذه من مواقف في الأسابيع والأشهر القادمة.
• أنا كنت ولاأزال أسير على النهج الوطني الذي اختطيناه– الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأنا– على مدى سنوات طويلة، والذي لايزال يعتمده الرئيس سعد الحريري، ويتمسّك به تيار الرئيس الشهيد، وهو تيار وطني لبنان واسع عابر للطوائف والمذاهب.
• أنا دعوت اللبنانيين والمسلمين إلى المشاركة في هذه الانتخابات، وطالبتهم بعدم المقاطعة أو الاستنكاف في مواجهة هذه الصدمات والتحديات الكبرى التي يتعرّض لها لبنان، وترشّحي هو موضوع دراسة جديّة.
أولاً: مع ذكرى مرور سبعة عشر عاماً على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، يجدر التوقف للنظر في ما آلت إليه أحوالنا الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية في لبنان، وما يشهده بلدنا من صدمات وانهيارات أصبحت تطيح بثقة اللبنانيين بدولتهم وبمسؤوليهم السياسيين، كما وأيضاً تطيح بثقة الأشقاء والأصدقاء بلبنان وبدولته.
ثانياً: ما من شكّ، أنّ هناك جملة من الأسباب والعوامل الداخلية، ومنها الوطني والسياسي والأمني والإداري والاقتصادي، وكذلك الحروب والاجتياحات، كما والتدخلات الإقليمية والدولية، التي تشابكت وتعقدت وتفاقمت ما بين بعضها بعضاً، وأسهمت مع الاستعصاء المزمن على الإصلاح في تكوُّن الواقع المشكو منه، وبالتالي في تعمُّقِ وانفجار هذه الاحتقانات وحدوث هذه الانهيارات، والتي أصبحت تطيح بميزات لبنان التفاضلية، وتتسبب بتردّي وانهيار مختلف قطاعاته ومؤسساته الاقتصادية والإنتاجية والنقدية والتعليمية والاستشفائية والخدماتية، وفي تهجير الكفاءات، كما وأصبحت تُطْبِقُ على وطننا وإنساننا.
هذه الأوضاع الخطيرة تستوجب صدقاً وصراحةً وشجاعةً وطنيةً وسياسيةً وادبيةً وأخلاقية، تمكننا من أن نحدد ما ينبغي علينا اتخاذه كلبنانيين مسؤولين ومواطنين من مواقف وقرارات للخروج من هذه المآزق التي أصبحنا في أتونها.
ثالثاً: إننا نواجه أزْمةً وطنيةً ولا نواجه أزْمةً طائفيةً أو مذهبية. وهي ليست أزْمةَ فريق أو أزْمةَ تيار أو أزْمةَ حزب. بل هي أزْمةٌ يتعرّض لها كل الوطن وجميع اللبنانيين، وفي مؤداها أن الدولة اللبنانية أصبحت مخطوفة ومرتهنة، ولم تعد هي صاحبة السلطة والنفوذ والقرار في لبنان، وأنّ هناك حاجة ماسة لأن يدرك ويتفاعل الجميع مع هذه الأزْمة، وبالتالي المبادرة إلى المشاركة في إيجاد الحلول لها، وذلك لاستعادة الدولة واستعادة سيادتها المفقودة.
رابعاً: هذه الأزْمة الوطنية عبرت عنها مرجعيات لبنانية وقوى إقليمية وقوى دولية في أكثر من مكان وأكثر من مناسبة.
أ– لقد كان في مقدم تلك المرجعيات اللبنانية التي عبّرت عن مدى تفشي وتعمُّقِ هذه الأزْمة، الرئيس سعد الحريري الذي أشار إلى النفوذ الإيراني في الكلمة التي علّق فيها عمله وعمل تياره السياسي، وذلك استناداً واستخلاصاً للدروس المستفادة من تجربته الوطنية والسياسية في قيادة تيار المستقبل وحركة 14 آذار، وفي رئاسة الحكومة وفي المجلس النيابي. ذلك بكونه اصطدم بهذا النفوذ الإيراني المتعاظم الذي أصبح يحول ويمنع استعادة الدولة اللبنانية لدورها ولسلطتها في لبنان. كما ويمنع إعادة بنائها على قواعد الحوكمة الصحيحة عبر أذرعه وأذرع حلفائه في الأحزاب الطائفية والمذهبية والميليشياوية. وأنّ هذه القوى بمجموعها لاتزال تعمل وتمعن جاهدةً في تخريب قواعد النظام الديمقراطي البرلماني، وفي مجافاتها وخرقها للدستور، وبكونها أصبحت تتحكّم بالدولة والنظام والدستور بقوة السلاح غير الشرعي.
للحقيقة، لقد بذل الرئيس سعد الحريري كل جهده. وهو لذلك لم يدَّخِر وسيلة، إذ حاول كل ما يمكن عمله من أجل تدوير الزوايا تجنباً للفتن الداخلية. إلاّ أنّ ذلك لم يشفع له إلى الحد الذي دفعه إلى أن يقرّر التوقف ويعلِّقَ مشاركته في الحياة السياسية في موقف أبلغ من الكلام، مقراً بأنّ هناك استحالة في استعادة الدولة لدورها وسلطتها، وفي إعادة بنائها طالما استمر هذا النفوذ الإيراني المتمثل بسلاح حزب الله قائماً، وذلك على أمل العودة ليشارك بالعمل الوطني والسياسي البناء على مسار استعادة الدولة اللبنانية لدورها ولسلطتها.
ب– المرجعية اللبنانية الثانية التي قرعت جرس الإنذار، والمتمثلة بغبطة البطريرك الماروني، عبرت عن عمق هذه الأزْمة الوطنية، وهو الذي قال مراراً بأن هناك حاجة لتحرير الدولة اللبنانية من وصاية السلاح، واستعادتها لدورها ولسلطتها على كامل أراضيها ومرافقها، وتحييدها عن الصراعات والمحاور الإقليمية والدولية مثلما جاء أيضاً في إعلان بعبدا. وكذلك التأكيد على تطبيق الدستور، واستكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، وتنفيذ قرارات الشرعيتين العربية والدولية.
ج– كذلك كان هناك موقفان لبنانيان آخران عبر رسالتين وقعهما رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات سابقون: الأولى، كانت رسالة تمّ توجيهها في العام 2017 لرئيس القمة العربية المنعقدة في الأردن برئاسة الملك عبد الله بن الحسين، وقّعها رؤساء جمهورية سابقون أمين الجميل وميشال سليمان، ورؤساء حكومة سابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام.
والثانية، تمّ توجيهها في نهاية العام 2021 للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والتي وقّعها أيضاً رؤساء جمهورية سابقون أمين الجميل وميشال سليمان، ورؤساء حكومة سابقون فؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام.
ولقد أكد أولئك الرؤساء في هاتين الرسالتين على ضرورة إخراج لبنان من مآزقه، واستعادة الدولة اللبنانية لسلطتها ودورها ولسيادتها، بما في ذلك تطبيق قرارات الشرعية الدولية كافة.
د– أما على مستوى دوائر القرار الإقليمية، فقد كان:
• البيان المشترك الذي صدر عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
• المبادرة العربية– الخليجية التي سلمها معالي وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح إلى المسؤولين اللبنانيين، والتي طالبت بتطبيق قرارات الشرعيتين العربية والدولية.
هـ– أما على الصعيد الدولي، فتمثّل ذلك بعدة قرارات دولية، ولاسيما القرارات 1559 و1680 و1701، والذي كان آخرها البيان الرئاسي الصادر بالإجماع عن أعضاء مجلس الأمن الدولي بتاريخ الرابع من شباط من العام 2022.
خامساً: جميع تلك المواقف الداخلية والقرارات العربية والدولية، هي في الحقيقة ليست إلاّ استجابةً لما تريده الأكثرية الكاثرة من اللبنانيين من أجل إخراج لبنان من أزْمته ومآزقه المتلاحقة. وهي لذلك تريد استعادة الدولة اللبنانية لسلطاتها الدستورية، وتريد عودة سلطة القانون والنظام. وتريد كذلك، الحفاظ والتشديد على حقوق لبنان في أرضه ومياهه وثرواته، واستمرار تصديه للعدوانية الإسرائيلية، كما تؤكد على رغبتها في ان يعود لبنان إلى الحضن العربي، وبما يسهم في نهوضه من كبوته، وبالتالي أن يعود لبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً بالتعاون والتآلف والمشاركة مع أشقائه العرب وأصدقائه في العالم. وهي ضدَّ توريط لبنان في ما لا يطيقه، أو يتحملّه، ومن ذلك عبر التهديد بالصواريخ الذكية والمسيّرات الحربية، وكذلك في تهريب المخدرات المدمّرة للشعوب العربية. ولنا في نموذج التدخل الإيراني في عدد من الدول العربية أنّ هذا التدخل وهذا النفوذ ليس لمصلحة شعوب المنطقة العربية ولا لمصلحة حسن الجوار بين الدول.
سادساً: من هنا يتبين حجم وعمق الأزْمة الوطنية التي أصبح يعاني ويتضور منها لبنان واللبنانيون والتي يمكن تلخيصها بهذه الحقيقة الأساسية.
إنّه لا يمكن إعادة بناء الدولة اللبنانية طالما استمر حزب الله يسيطر على هذه الدولة مستقوياً بسلاحه. إلاّ أنّه، ومن جانب آخر، لا يمكن إلغاء حزب الله من المعادلة الوطنية. وبعبارة أخرى، فإنّه لا دولة مع سلاح حزب الله، ولكن هناك إمكانية لدولة مع حزب الله من دون سلاح حزب الله الذي أصبح بالفعل موجهاً إلى صدور اللبنانيين وصدور الأشقاء العرب.
سابعاً: لذلك، وإذا بقي حزب الله بالحالة التي هو موجود فيها مسيطراً ومطبقاً على الدولة اللبنانية وعلى سيادتها وعلى سلطتها وهيبتها، فإنه لا إمكانية لاستعادة الدولة اللبنانية لقرارها الحر، ولا إمكانية لإعادة بنائها، وكذلك فإنّه لا إمكانية لأن يتمكّن لبنان من أن يقيم علاقات سوية وبنّاءة مع الدول الشقيقة والصديقة.
وهذا يعني ايضاً– وبكل وضوح وصراحة– ان الأزْمة المالية الاقتصادية والنقدية والمعيشية والقضائية والمصرفية والقطاعية التي يعاني ويتوجّع منها لبنان، هي في معظمها بِنْتُ الأزْمة الوطنية والسياسية التي تقض مضاجع اللبنانيين. أي بعبارة أخرى وشديدة الوضوح، أنّ كل السياسات والإجراءات والأدوات الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية الإصلاحية، التي يجب أن يعتمدها وينفذها لبنان للخروج من أزْماته الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية، وعلى ضرورتها وأهمية اتخاذها، وبالرغم من مصاعبها وأوجاعها، هي بالفعل أصبحت غير كافية لإخراج لبنان من أتون أزْماته الخطيرة، لكونها مندمجةً بالأوضاع الوطنية والسياسية المتدهورة. هذا مما يعني وجوب أن تترافق أيضاً مع تلك الإجراءات والأدوات، المعالجات والإجراءات الوطنية والسياسية الضرورية، لاستعادة الدولة اللبنانية لسلطتها الحصرية، من أجل أن تتمكّن الدولة من بسط نفوذها على كامل التراب اللبناني، وأن تتمكن عندها من اتخاذ قرارها الحر وتعود للبنان سلطة القانون والنظام بما يقدره على تنفيذ الإصلاحات ومحاربة الفساد والإفساد السياسي، وتحقيق العودة إلى الاستقرار والازدهار.
ثامناً: الحقيقة الساطعة، أنّ من جملة ما يعانيه لبنان هو نتيجة هيمنة وتسلّط إيران عليه، وهذا ما ترفضه الكثرة الكاثرة من اللبنانيين.
لهذا نقول: إنّ إخراج لبنان من هذه الأزْمة هو مسؤولية وطنية مشتركة، وليست من اختصاص فريق أو جماعة أو حزب أو طائفة دون غيرهم. وبالتالي، فإنّ النضال الوطني من أجل استعادة لبنان لسيادته واستقلاله وحرياته ضروري مهما طال السفر وطالت رحلة الأوجاع.
تاسعاً: هناك من يقول بأن الخروج من الأزْمة المستحكمة يمكن ان يكون من خلال الانتخابات النيابية القادمة. في الحقيقة، انّ الانتخابات النيابية لن تكون مناسبة فاصلة وفورية للتغيير، ولاسيما مع هذا القانون الأعرج الساري للانتخابات الذي جرى فرضه على اللبنانيين هرباً من مشكلة ليقع لبنان بنتيجة ذلك في مشكلة أدهى وأمر.
الانتخابات النيابية هي بالفعل محطة يجب عدم تفويتها لأنه لا يجوز أن يصار إلى إخلاء الساحة الوطنية والسياسية. وبالتالي، فإنّ النضال البرلماني يجب ان يستمر ضد هذا الارتهان للنفوذ الإيراني الذي أصبح يحجب ويحمي الفساد السياسي المستشري في الدولة. ولذا، يجب ان يستمر هذا النضال ضد الفساد والفساد السياسي في لبنان، وضد الاستمرار بالعبث بالدستور والتلاعب باستقلالية القضاء، وضد هذا الإيغال في هدر مقدّرات لبنان، والتفويت المستمر للفرص المتاحة له.
عاشراً: الاتجاه الوحيد الذي يمكن أن يُخْرِجَ لبنان من أزْمته، هو في متابعة النضال السياسي على جميع المستويات، والقاضي بالتوصل إلى توافقٍ متنامٍ بين جميع اللبنانيين، ولاسيما بدايةً بين الذين يؤمنون بسيادة لبنان، وبضرورة استعادته لقراره الحر.
ويكون ذلك بالبدء في تصويب بوصلة النضال الوطني، حتى لا تستمر حالة الضياع والاستعصاء على الإصلاح. ويكون ذلك أيضاً عبر العودة الواثقة إلى حلٍّ وطنيٍّ جامعٍ مع كل اللبنانيين، بما يعني أن يعود الجميع إلى لبنان بشروط لبنان. وشروط لبنان هي في الاحتكام للدستور ببنوده كافة، وفي احترام تنفيذ القوانين، وفي العمل على استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، واحترام تنفيذ قرارات الشرعيتين العربية والدولية، وفي الالتزام والتطبيق الفعلي لتصويب وحوكمة الممارسات في مؤسسات الدولة الدستورية، وأيضاً في إدارته الحكومية. كذلك في اعتماد الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية السليمة، وهي الوسائل الصحيحة والمؤهِلةِ بمجموعها لتحقيق النهوض المنشود بأشكاله كافة.
حادي عشر: في خضم هذه الأوضاع الخطيرة التي يمرّ بها وطننا لبنان، فإني أريد أن أتوجه الى جميع اللبنانيين طالباً ومحفزاً لهم أن لا ييأسوا، وأن لا يسمحوا بالقنوط والإحباط أن يتسلّل إلى نفوسهم. إذ ليس صحيحاً أنه لا يوجد حل لمشكلاتنا. الحل موجود لدينا، وهو بداية في أنفسنا وفي إيماننا ببقاء لبنان كصيغةٍ وكوطن من أجل أن يبقى لبنان. وهذا يقتضي منا أن نعود الى لبناننا أولاً.
وإلى الالتزام بمبدأ وفضيلة العيش المشترك.
وإلى الالتزام بالعقد الاجتماعي والسياسي الذي أُقِرَّ باتفاق الطائف، والذي هو في نهائية الكيان اللبناني، وفي عروبة لبنان هوية وانتماء، وان نعترف وندرك أنّنا إذا خرجنا عن هذا العقد الاجتماعي والسياسي، فمعناه أننا ندخل بأيدينا باتجاه المجهول، وهو الأمر الأخطر بكثير مما أصبح عليه حالنا اليوم.
ثاني عشر: كما أريد أن أتوجه الى جميع المسلمين، وتحديداً لأهل السنة والجماعة لأقول لهم إنّ الأزْمة ليست أزْمة السنّة، وليست أزْمة في السنّة، بل هي أزْمةٌ وطنية. وأنتم الذين صمدتم وناضلتم مع لبنانيين كثيرين في الدفاع عن لبنان وصيغته ودوره وسيادته واستقلاله وحرياته. وأنتم من صمدتم في وجه الاستهداف الذي يتقصد موقفكم واستقراركم وثوابتكم. فلقد ظللتم لبنانيين كباراً، وأحراراً كباراً، وعرباً كباراً، ومسلمين كباراً، وستظلون كذلك بإذن الله، في كنف المرجعية الروحية الإسلامية المتمثّلة بدار الفتوى وسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان.
ثالث عشر: أزْمتنا هي أزْمة وطنية شاملة والحل يكون بالجميع ومع الجميع، ولا يكون على حساب أي فريق من اللبنانيين، بل يجب ان يكون لمصلحتهم جميعاً. وهذا يعني أن يتشارك فيه كل من يؤمن باستقلال لبنان وسيادته وحرياته. وهو حلٌّ لا يكون إلاّ بالعودة إلى الاحتكام للثوابت الوطنية. وبالتالي أن لا يكون الحل بالعودة إلى معادلات ومقايضات على شاكلة ما يتراوح بين ضمان الأمن لإسرائيل مقابل ضمان النفوذ في العراق وسوريا ولبنان لإيران وأذرعها.
الحل في أن يستعيد لبنان توازنه الداخلي على أساس الالتزام الحقيقي باحترام الدستور وسلطة القانون، والاحترام الحقيقي للمواطن الإنسان في يومه وفي غده، وفي عيشه الكريم في دولة يحترمها وتحترمه. وكذلك أيضاً، أن يستعيد لبنان توازن سياسته الخارجية، وفي مقدمها ما يضمن حسن علاقاته الوثيقة مع الأشقاء، وكذلك الأصدقاء في العالم لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.
حلٌّ يدعو لقيام الدولة والمؤسسات، وبما يستعيد انتظام العملية السياسية الديمقراطية البرلمانية بشكلٍ صحيح. ومن ذلك، أن تجري الانتخابات النيابية والرئاسية في موعدها. إذ إنّ الدعوة لمقاطعة الانتخابات تنطوي على شبهة انّ لبنان فقد قواه الحيّة ورضخ للهيمنة. وهذا غير صحيح. فإرادة اللبنانيين لم تنكسر ولن تنكسر. ولذلك، فإنّ الاقتراع هو تعبير عن الاستنكار والرفض لممارسات الهيمنة والفساد والإفساد، وذلك ليصل صدى الاعتراض إلى كلّ اللبنانيين وإلى الأشقاء والأصدقاء حول العالم، وإلى جميع المنظمات الإقليمية والدولية.
رابع عشر: لهذا، فإني أعتقد جازماً أنّ هناك حاجة ماسة لأن يمد اللبنانيون أيديهم لبعضهم بعضاً بالتآزر والتعاون عبر تظهير الجوامع الوطنية الكثيرة القائمة بينهم حول القضايا الوطنية الأساسية، والحرص على عدم الانزلاق نحو ما يفرق، والتشديد على عدم الاستجابة لشهوة من هنا أو جموح من هناك. فتغليب المصالح المشتركة أولى من الالتفات إلى التناقضات الثانوية، ولاسيما لدى أولئك المؤمنين بقضية لبنان العربي الهوية والانتماء، وكذلك المؤمنين بضرورة استعادة لبنان لدولته المدنية والديمقراطية وكيانه الوطني وسيادته غير المنقوصة.
إنّ هذا يعني الالتزام الكامل بالقواعد والمبادئ التالية:
- الالتزام بتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني واستكمال تطبيقها، وبالدستور اللبناني بعيدا عن البدع والانتهاكات التي اصبحت تخرق هذا الدستور، وكذلك في التشديد على الممارسة الحكومية والبرلمانية التي يجب ان تكون مبنية على احترام كامل للنظام الديمقراطي البرلماني.
- ممارسة الدولة اللبنانية لقرارها الحر وسلطتها على كامل أراضيها، وهذا لا يستقيم إلا بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وقواها العسكرية والأمنية الشرعية.
- الإلتزام بأصول ممارسة النظام القائم على أساس مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها.
- احترام وتنفيذ قرارات الشرعيتين العربية والدولية، والتشديد على استقامة واستدامة علاقات لبنان الوثيقة مع اشقائه العرب واصدقائه في العالم بما يتلاءم مع مصلحته والمصالح الدائمة للبنانيين في لبنان وكذلك للبنانيين المقيمين والعاملين في دنيا الانتشار في العالم العربي والعالم أجمع.
- التطبيق العملي للمادة 95 من الدستور بكامل مندرجاتها، ومن ذلك الالتزام بقواعد الكفاءة والجدارة والاستحقاق، وكذلك في اجراء المساءلة والمحاسبة المؤسساتية على اساس الأداء لكل من يتولى مسؤولية عامة وبما يشمل تطبيق احكام مشروع القانون المحال إلى المجلس النيابي في أيار من العام 2006، والقاضي بإخضاع كل ما يتعلق بأعمال وإدارات الدولة اللبنانية ومؤسساتها وأجهزتها، وكلّ ما يتعلق بالأموال العامة للتدقيق المحاسبي المستقل، وعلى أساس المعايير الدولية للتدقيق، وذلك التزاماً بقواعد الحوكمة الصحيحة ولكشف الانحرافات والفساد والافساد بمختلف وجوهه، وبما يسمح بمكافأة الإنجاز والمنجزين ومعاقبة المقصرين والمهملين والفاسدين.
- استقلالية القضاء بما يعيد الاعتبار لدولة القانون والنظام ويؤكد محاربة الفساد والافساد، ويضع حداً نهائياً لهذه الفوضى القضائية غير المسبوقة.
- البدء بتطبيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية والادارية والسياسية ومن ضمن ذلك الجدية والسرعة في الحوار والتعاون بشفافية وجدِّية مع صندوق النقد الدولي، وكذلك مع المؤسسات العربية والدولية والمالية والتنموية والدول الشقيقة والصديقة، بما يسهم باستعادة النهوض والاستقرار للأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية.
في الختام، ما أودُّ قولَه هو بالإعلان عن أهمية خوض الانتخابات النيابية من قبل جميع اللبنانيين، وعلى وجه الخصوص المسلمين من أهل السنة والجماعة، المؤمنين بهذه المبادئ والقواعد، وبالتالي بعدم المقاطعة أو الاستنكاف، بل إلى المبادرة إلى المشاركة الفعّالة ترشيحاً واقتراعاً، وأن نتعاون سوية للحؤول دون إخلاء الساحة السياسية للطارئين والمغامرين، كي يبقى أولئك المؤمنون بلبنان ويستمروا على حقيقتهم بكونهم أهل اعتدال يجمعهم إيمانهم بدولتهم ووطنهم وبعيشهم المشترك.
إنّ الالتزام الكامل بهذه المبادئ والقواعد من قبل المرشحين للعمل النيابي، هو باعتقادي الذي يمنحهم فرص تلقي الدعم الكفيل بنيلهم التأييد الشعبي، إسلامياً ومسيحياً ووطنياً، وبما يعيد الأمل من جديد من أجل أن يعود لبنان بإرادتنا جميعاً إلى جميع بنيه سيداً حراً مستقلاً في إطار دولة ديمقراطية برلمانية ومدنية.
سيبقى لبنان.. وشكراً..
الأسئلة والاجوبة: المؤتمر
– ردا على سؤال عن امكانية ترشحه للانتخابات النيابية قال: موضوع الترشح للانتخابات هو موضع دراسة كاملة، وهذا الوضع الذي وصلنا اليه شديد الخطورة. هناك صدمات وتحديات كبيرة يتعرض لها لبنان. ولذلك ترشحي هو موضع دراسة، علما انه لازال يفصلنا عن موعد اقفال باب الترشح 3 اسابيع. ولذلك لا داعي للعجلة. فلننتظر بهدوء ونحن فعليا سائرون في هذا الاتجاه.
اضاف: كل ما يهمني هو ان تتضح الامور في اذهان جميع اللبنانيين، بشأن حقيقة وجوهر المشكلات والمخاطر التي يعاني منها لبنان، وبالتالي من اجل ان تتم عملية الانتخاب على اساس التميز بين من يريد ان يعمل من اجل استعادة سيادة الدولة اللبنانية الحرة والمستقلة، ولقرارها الحر، ولدورها ولسلطتها الواحدة والحصرية، وبين من يتخذون موقفا مغايرا لذلك.
وردا على سؤال حول ما اذا كان اعلانه اليوم جرى بالتنسيق مع الرئيس سعد الحريري والرئيسين ميقاتي وسلام، وعما اذا كان القرار اتخذ لخوض الانتخابات بلوائح موحدة، قال السنيورة: انا احترم قرار الرئيس الحريري بتعليق مشاركته وتياره في العمل السياسي، وانا لا احمله بأي شكل من الاشكال اي مسؤولية عما ابديته او ابديه او اعبر عنه من مواقف واراها. كما ان زميلي الرئيسين ميقاتي وسلام هما على اطلاع على ما اوردته من افكار في هذا النص. ولكن في المحصلة، ما ادليت به يعبر عن موقفي انا.
وتابع: من جهة ثانية، الاتصال بين وبين الرئيسين ميقاتي وسلام هو دائم ويومي وننسق سوية في ما سنتخذه من مواقف في الاسابيع والاشهر القادمة.
وعن رعايته لائحة موحدة قال: هذا موضوع يخضع لدراسة معمقة من قبلنا، وبالتالي سنتخذ القرار الذي نراه ملائما، وبالتالي يحقق النتيجة التي يجب ان تكون مبنية على ما يسمى تحديد ما هي قضية لبنان، وان يصار الى التحلق حول هذه القضية من اجل انجاحها.
وردا على سؤال عن رأيه في اداء رئيس الجمهورية وتياره السياسي، اعتبر السنيورة انه ليس في موقع للحديث عن رئيس الجمهورية الذي هو من يتخذ قراره.
وقال: نحن شهدنا هذا التخبط الذي تعاني منه البلاد نتيجة هذا التخريب الذي جرى للنظام البرلماني اللبناني، والتخريب جار ايضا على مبدأ فصل السلطات في لبنان، وهذا اوصلنا الى هنا.
وتابع: الحقيقة التي يجب ان يعرفها الجميع، ان لا خروج للبنان من هذه المآزق الا في العودة الى الالتزام بالمباديء الاساسية، وبالتالي ان كل الاجراءات الاقتصادية والمالية والنقدية والادارية التي من الضروري ان تتخذ، بالتشاور بيننا وبين صندوق الدولي، كلها ضرورية ولكنها لن تكون كافية على الاطلاق.
اضاف: يجب ان يكون هناك وضوح في اهمية عودة الدولة الى ان تتولى قرارها الحر وان يكون لها سلطتها، وهذا الامر يكون من خلال التعاون بين كل الناس الذين يؤمنون بهذا الامر في الانتخابات، بالتعاون مع جميع اللبنانيين للتوصل الى هذه النتيجة. يجب علينا ان نقر وان لا نكابر لان المكابرة هي التي اوصلتنا الى هنا خلال كل السنوات الماضية، من خلال الاستعصاء على الاصلاح وفي حرف انتباه اللبنانيين، وفي حرف توجهاتنا اكان ذلك في تخريب التوازنات الداخلية في لبنان، او في تخريب التوازنات الخارجية وعلاقاتنا مع اشقائنا ومع العالم. لم يعد هناك مجال للمكابرة، وكل تأخير يشكل مزيد من الخسارات التي تلحق باللبنانيين.
وحول ما اذا كانت هناك آليات تنفيذية على الارض وصولا الى الانتخابات، قال السنيورة: ما كل ما يعرف يقال. هناك عمل يتم وعندما ينضج نتحدث عنه. حتما
هناك تعاون واتصالات، وينبغي ان تتم. وعلينا ان نحدد القضية لنتمكن من تحديد الاولويات وبالتالي من هم الخصوم ومن هم الحلفاء.
ورد السنيورة على سؤال حول ما اذا كان سيتحالف مع القوات اللبنانية في الانتخابات فقال: اعتقد ان هناك حاجة الى رص الصفوف من قبل كل المؤمنين باستقلال لبنان وسيادته، وهذا ليس وقت الغرق في وحول الخلافات. هذا الوقت الذي يجب فيه ان تجتمع الكلمة في من يؤمنون بلبنان من اجل الدفاع عنه ومن اجل تحقيق صموده.
وعن امكانية ان يكون وريث الرئيس سعد الحريري سياسيا بعد تراجعه، أكد على ان لا احد، وبشكل مطلق، يرث الرئيس سعد الحريري، فالرئيس الحريري زعيم لبناني وهو ارتأى ان يعلق، وبالتالي عندما يتخذ قراره بالعودة الى لبنان فان مكانه ومكانته كبيرة واساسية وبالتالي يستطيع المشاركة في العمل السياسي. ليس هناك مطلقا اي عملية وراثة، فهو موجود، وبامكانه متى اراد العودة الى لبنان، ونحن سنكون الى جانبه.