عام 2001، عمل زلماي خليل زاده مع جمهورية إيران الإسلامية للحؤول دون تعيين ظاهر شاه، ملك أفغانستان الراحل، رئيساً للإدارة المؤقتة، الرجل الذي كان يمكن أن يكون رمزاً للوحدة والتضامن الوطني
يقول الرئيس الأميركي جو بايدن إنه سيحكم على “طالبان” بناء على أفعالها. دعوني أخبركم ما يعنيه في الواقع: نحن لا نهتم بما يجري في أفغانستان. الأمر الآن متروك لكم ولبلادكم.
يبذل بايدن كل ما في وسعه لانتقاد دونالد ترمب، مدعياً أنه لم يكن لديه خيار سوى تنفيذ اتفاقية الدوحة المبرمة بين “طالبان” والولايات المتحدة في ظل الإدارة السابقة. لكن هل أعلم بايدن الشعب الأميركي أن بعضاً من أخطر الإرهابيين في العالم، وهم أشخاص كان لهم دور في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) واحتُجِزوا في ما بعد في خليج غوانتانامو، هم الآن قادة لحركة “طالبان”؟ هل أوردت وسائل الإعلام الأميركية أن إرهابيين دوليين، هم على قوائم المطلوبين لدى الاستخبارات الأميركية، يؤمون الصلاة الآن في كابول؟ فالجمعة الماضي، أمّ صلاة الجماعة في كابول خليل حقاني. واستناداً إلى المعلومات التي نشرتها الحكومة الأميركية، عمل حقاني وكيلاً لتنظيم “القاعدة”، ولطالما كان على علم بالأنشطة الإرهابية للجماعة.
لم تُعلَن اتفاقية الدوحة المخزية وتفاصيلها (على رغم مزاعم بأن الحكومة الأفغانية تلقت نسخة منها). وينبغي مواصلة التشكيك في إجراءات الولايات المتحدة بالموافقة على عودة “طالبان” والانسحاب غير المسؤول والسريع للقوات. ونعرف جميعاً ما هي صلاحيات الرئيس الأميركي وكيف كان بإمكانه استخدام منصبه لتعطيل اتفاقية الدوحة أو على الأقل تعديلها أو تأخير تنفيذها لمساعدة الشعب الأفغاني. وكان بوسعه أن يعيد التفاوض على اتفاق مع “طالبان” (في الواقع مع باكستان وقطر). لكن بايدن قرر عدم استخدام صلاحياته.
ويقول بايدن إنه سيستند في حكمه إلى أفعال “طالبان”. وما لا يقوله هو حقيقة أن هذه المجموعة الشريرة لم تتغير إلا قليلاً جداً [بالكاد تغيرت]. ففي الأشهر القليلة الماضية، وردت آلاف التقارير عن أفعالها التي تنتهك الحقوق الفردية والاجتماعية. وستنتظر الجماعة شهراً آخر لمراقبة آخر قوات الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تغادر أفغانستان. ثم تواصل تنفيذ أحكام متطرفة من الشريعة قوامها الجلد والرجم والسجن والتعذيب.
لماذا وجب على الشعب الأفغاني، من دون استشارته أو مشاركته في أي انتخابات، أن يقبل قرار الولايات المتحدة بمنح كل السلطة إلى “طالبان”؟ ألا تتضمن اتفاقية الدوحة نفسها شرطاً لإقامة حكومة ائتلافية تليها انتخابات عامة؟
يعني فرار الرئيس السابق أشرف غني غير المتوقع من كابول وعدم توجيه أمر بالمقاومة إلى الجيش الوطني الأفغاني أن احتمال تشكيل حكومة انتقالية ضعيف جداً. ومن المرجح أن بعض المقربين من غني، وربما حتى كبار مستشاريه، كانت لهم علاقات خفية مع “طالبان”. لقد تواطأوا مع الحركة وساعدوا في صعودها إلى السلطة. وهم بدأوا مشروعهم عندما أسهموا [كانوا وراء] في التقاعد المبكر للقادة ذوي الخبرة والوطنيين في الجيش.
هذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة مطالبها على شعب أفغانستان. في جولتي الانتخابات التي تنافس فيها حامد كرزاي مع عبدالله عبدالله (الأول هو مرشح زلماي خليل زاده في الفترة الانتقالية)، فاز كرزاي في المرتين لكن فقط بتزوير الانتخابات. وطلبت الولايات المتحدة من الدكتور عبدالله أن يكف عن المطالبة بما هو حق له وإعطاء السلطة إلى كرزاي. هذا في حين كان الأميركيون يعرفون جيداً أنه كان الفائز الحقيقي في الانتخابات وحيل دون وصوله إلى السلطة.
ولم تكن عمليتا الانتخابات التاليتان أفضل حالاً. فقد فرض الأميركيون أشرف غني أيضاً على أفغانستان. وكان غني قد عاد للمرة الأولى إلى كابول، بعد سنوات من المنفى في الولايات المتحدة، ليشغل منصب وزير المالية في حكومة كرزاي. وكان كل من كرزاي وغني صديقين وحليفين للولايات المتحدة وكان هناك كثير من الثقة بينهما. ووجها دفة البلاد لمدة 20 سنة لكنهما لم يبقيا مواليين لقضية الولايات المتحدة. فكرزاي ما لبث أن عارض الولايات المتحدة وانتقدها وشهّر بها. ورفض أشرف غني قبول اتفاقية الدوحة وانتقد بجرأة الولايات المتحدة وخليل زاده، الممثل الخاص السابق للمصالحة الأفغانية لدى وزارة الخارجية الأميركية. ورفض غني خطة وردت من وزير الخارجية أنتوني بلينكن اقترح فيها تشكيل حكومة انتقالية.
من بين الرئيسين السابقين، لجأ كرزاي الآن إلى منزل منافسه السابق عبدالله؛ وبطبيعة الحال، فر غني من البلاد، ولم يُسمَح له بدخول الولايات المتحدة، ووجد مكاناً له في الإمارات العربية المتحدة.
يدفع شعب أفغانستان ثمن كراهية وخيبة رجل أصبح مواطناً أميركياً قبل سنوات لكنه، في روحه وقلبه، لا يزال يحلم بأن يصبح رئيساً لأفغانستان. ففي الفترة التي سبقت انتخابات عامي 2009 و2014، حاول خليل زاده الحصول على دعم من شيوخ أفغان ذوي نفوذ [نافذين] لتأييد ترشيحه للرئاسة لكنه لم يحصل على أي شيء [لكن مساعيه أخفقت].
وعام 2001، عمل خليل زاده مع جمهورية إيران الإسلامية لمنع تعيين ظاهر شاه، ملك أفغانستان الراحل، رئيساً للإدارة المؤقتة؛ الرجل الذي كان يمكن أن يكون رمزاً للوحدة والتضامن الوطني. وكان محمد رضا بهرامي، سفير إيران السابق في كابول، على علاقة وثيقة بالسفارة الأميركية وبخليل زاده وبالتحالف الشمالي أيضاً. وبالتعاون مع خليل زاده، تمكن هذان الطرفان من خداع ظاهر شاه.
كان النظام الإيراني قلقاً من أن الإطاحة بـ”طالبان” واستبدال نظام بقيادة ملك أفغانستان السابق بها سيؤثر في الشعب الإيراني. كذلك وجه خليل زاده رسائل كاذبة من الرئيس الأميركي إلى شيوخ المجتمع المحلي البشتوني وغيره من المجتمعات المحلية الأفغانية، ما أعطى الانطباع بأن الولايات المتحدة تعارض تولي ظاهر شاه السلطة (أكدت لي ذلك مصادر موثوقة بين القادة السابقين للتحالف الشمالي).
وساعدت هذه الخيانة الكبرى المصالح الأميركية والإيرانية على حد سواء، لكنها قُدِّمت على أنها أخبار جيدة للأفغان. وقال ظاهر شاه، في السنوات الأخيرة من حياته، لمقربين منه إنه حتى نهاية حياته لا يريد رؤية شخصين مرة أخرى: زلماي خليل زاده ومبعوث الأمم المتحدة إلى أفغانستان الأخضر الإبراهيمي. وقال الراحل ظاهر شاه، في حديث إلى مجموعة من الناس في دبي، إن هذين الاثنين (خليل زاده والإبراهيمي) ساعدا في تدمير أفغانستان.
وهكذا، وبتدخل الولايات المتحدة وإيران، ضاعت أفضل فرصة للتوصل إلى اتفاقية وإلى الوحدة الوطنية والتضامن في أفغانستان. ولم تفز الحكومة التي جاءت في وقت لاحق إلا بدعم أميركي وبانتخابات مزورة. ودمرت خيبة الأمل الوطنية والتنافس بين الفصائل السياسية الرامية إلى القضاء على بعضها بعضاً فرصة لبناء دولة فاعلة.
مع كل الألم والمعاناة اللذين مر بهما شعب أفغانستان وكل التردد في شأن حكومة مؤقتة، ستتأتى فرصة لترك هذه الفترة المظلمة والمريرة والمؤلمة خلفنا؛ ستكون للأفغان تجارب وتوقعات جديدة وهم يحاولون شق طريقهم وتحديد مصيرهم من جديد. لقد أظهرت الحكومات المطاح بها والغادرة والخانعة وجوهها الحقيقية؛ والأمة الأفغانية التي أعرفها، كما يتضح من الأدلة التاريخية، لن تقبل الإذلال والعبودية والعيش تحت نير الجماعات الرجعية. وسيعاود الأفغان مرة أخرى الإمساك بمقاليد مصيرهم.