يبدو لي أنك متشائم بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ومن عواقب هذا الانسحاب؟
محمد عبد المطلب الهوني: كلا، أنا لم أتشاءم! كما لم أكن متفائلاً من غزوة اميركا لأفغانستان! لماذا؟ ومن الدولة التي أعلنت عن نفسها أنها « الديمقراطية »، بل أنها أعظم وأكبر وأقوى إمبراطورية في العصر الحديث! قالوا لنا أنهم يتبعون في سلوكهم، من خلال مؤسساتهم، « أخلاق المسؤولية » وليس « أخلاق القناعة »، حسب تعبير ماكس ويبر. أي بمعنى أن أخلاق المسؤولية في هذه الدول الديمقراطية تخضع للعقلانية. الحقيقة أنه عندما هوجمت اميركا بتلك الغزوة الإرهابية، من بن لادن وجماعته، تصرفت اميركا بقيادة بوش من خلال العقل الغريزي الانفعالي وهو الانتقام! ولم تكن تصرفاتهم وسلوكهم عقلانياً. أي بمعنى، هاجمني أحد فلا بد أن أرد على هذه الهجمة. فماذا حدث؟ ذهبوا إلى أفغانستان وأسقطوا نظاما همجياً، نظاماً ينتمي إلى العصر الوسيط، وتحالف معهم كثير من سكان هذا البلد اعتقاداً منه أنهم صادقين في مبادئهم المعلنة وهي حقوق الآنسان والديمقراطية!
ولكن..؟
محمد عبد المطلب الهوني: بعد عقدين من هذا التاريخ، ماذا حدث؟ ما حدث هو أنه تبيّن لنا الآن أن هؤلاء الأميركيين تعاملوا مع فاسدين أفغان، ودفعوا تريليونات الدولارات، من أجل ماذا؟ أخذوا زعماء قبائل وعصابات وكل شخص يأتي بكشف ويقول « عندي عشرة آلاف جندي »، وفي الواقع ليس عنده اكثر من ألف! أي أن كل الأمن الأفغاني كان أمناً على الورق! تأخذ هذه العصابات المرتبات وعندما أتت ساعة الحقيقة تبيّن أن ٣٥٠ ألف عسكري لم يكن منهم إلا أقل من ٤٥ ألف عسكري. بمعنى أن هذا الجيش الأفغاني الفاسد كان جيش مرتبات على الورق وليس في الواقع. هذا الجيش لو كان حقيقيا لكان دافع على الأقل لشهر أو شهرين أو سنة!
من ناحية أخرى، أن الأميركيين لو أنفقوا نصف أو ربع ما أنفقوه على الفساد لبناء بنية تحتية في أفغانستان لكان المجتمع الأفغاني تطوّر وأصبحت هنالك طبقة وسطى تدافع عن مكتسبات النساء والأطفال وعن الحريات البسيطة. ولكن الواقع أن الأميركيين ذهبوا إلى هناك بعقلية ثأرية! فهم يريدون أن يدمروا ذلك النظام الذي تحالف مع « القاعدة »، ثم قتلوا بن لادن! كذلك، فهم ذهبوا وأسقطوا نظام صدام حسين، وحلّوا كل مؤسسات الدولة وسلّموا العراق إلى إيران. في أفغانستان، بعد ٢٠ سنة، سلموا البلد إلى طالبان.
ماذا يعني هذا؟
محمد عبد المطلب الهوني: هذا يعني أن هذه الإمبراطورية لا يمكن أن يُوثق بها، سواءً في الشرق الأوسط، سواءً في الشرق الأقصى! هؤلاء الأميركان مثلما تركوا العراق وأفغانستان يمكن أن يتركوا العرب الذين تحالفوا معهم! وممكن أن يتركوا أوكرانيا، وممكن أن يتركوا تايوان! هؤلاء لا ثقة بهم!
ما هو الدرس المستفاد من هذا كله؟
محمد عبد المطلب الهوني: الدرس المستفاد أن الدول التي تحالفت مع أميركا يجب أن تعيد النظر وأن ترتب أمورها على أساس أن لا حليف لها. حتى أوروبا! ميركل، ماكرون وكل زعماء أوروبا خرجوا عرايا أمام العالم، خجلانين من أنفسهم لأنهم تحالفوا مع اميركا التي لا صديق لها. إن لم يأخذوا كدرس مستفاد أن يكون هنالك أتحاد حقيقي أوروبي له جيش واحد ووزير خارجية واحد ووزير دفاع واحد ومخابرات واحدة، بحيث يشكلوا قوة حقيقية، فهؤلاء مصيرهم للتشتت. أوروبا الآن يتيمة لا آب لها.
ولذلك، اليوم هنالك أزمة. أنا أعتقد أن الأزمة الأخلاقية للديمقراطية الغربية لم تصل هذا المستوى من الإنحطاط إلا إذا قارناه بالمد الإستعماري الأوروبي. الآن، هذه الديمقراطيات منحطة أخلاقياُ.
كيف؟
محمد عبد المطلب الهوني: ماذا فعل الأميركان منذ ضربة ١١ سبتمبر الإرهابية؟ ذهبوا إلى العراق، وأسقطوا نظام الحكم ثم سلموا العراق لإيران! ذهبوا إلى أفغانستان، ثم سلموها بعد عقدين من الزمن إلى « طالبان ». ذهبوا إلى ليبيا، ثم جعلوها وطناً بدون دولة. في سوريا، النظام لم يسقط لأن الروس تدخّلوا. الآن للأسف لا يوجد حليف إلا الروس او الصين. أميركا ليست لها أخلاق. أوروبا ذيل لاميركا, هذه مأساة كبرى أخلاقية قبل أن تكون سياسية.
هل يعني ذلك نهاية الإمبراطورية الأميركية؟ أم تفكك تحالفاتها؟
محمد عبد المطلب الهوني: تفكك التحالفات هذا شيء واقع. أما الإمبراطورية الأميركية فسوف تستمر لفترة زمنية ما، ولكن ليست طويلة جداً. أعطيك مثلاً. الصين سوف تأخذ مكان اميركا في أفغانستان. لأن الصين لا تأتي بدعايات، ولكنها تأتي بدون شعارات، تعمل اقتصاد. خلال عقد واحد ستجد أن الصين استولت على أفغانستان. كما فعلوا في إفريقيا. هذا ما يجعل الصين الدولة الإمبراطورية المقبلة.
حسناً، ما قدرة العراق وليبيا وافغانستان على بناء دولة بقواها الذاتية؟
محمد عبد المطلب الهوني: عندما سلمت امريكا العراق للعصابات الإيرانية، استغلت إيران ذلك للسيطرة على سوريا ولبنان واليمن. يعني اميركا، بسبب جهل المؤسسات الأمريكية وليس بسبب « مؤامرة » مزعومة، ساعدت الإيرانيين حينما فكّكت الدولة العراقية. لو كان غزو العراق لإسقاط الديكتاتور الفاسد صدام حسين، فأنا معه. ولكن اكتشفنا بعد ذلك أن الغزو كان من أجل الثأر! لذلك، تحدثت انا في البداية عما يقوله ماكس فيبر عن أخلاق المسؤولية وأخلاق القناعة. اميركا اتخذت أخلاق القناعة، أي الثأر، أي الرجوع إلى القرارات الثأرية التي تنبع من العقل الانفعالي والغريزي وليس من العقلانية.
مأساتنا معهم في ليبيا كذلك أنهم أسقطوا الدولة، ورحلوا بعد أن قُتل القذافي وتركوا ليبيا في حرب مستمرة.
بالنسبة للعرب، ما هو الدرس؟
العرب يجب أن يتخذوا من ذلك كله درساً: وتايوان كذلك. وكوريا الجنوبية، وأوكرانيا. والدول العربية التي ما زالت نظمها مستقرة. أن اميركا ليست الحليف الموثوق. هؤلاء يتصرفون بعقلية كاوبوي، وليست لهم رؤيا للعالم. لو كان صدام حسين يملك القوة التي تملكها إيران الآن، لما كانت اميركا حاربته بل لكانت جلست معه.
والخلاصة؟
بعد مقتل ١٠٠ ألف أفغاني و٢٠٠٠ جندي أميركي، لو كان بن لادن حياً اليوم لكان سيقول، هو وليس بايدن، « أنهيت المهمة !
لقد انتصر بن لادن! بن لادن كان يعلم انه لا يستطيع أن يقيم دولة. لكنه « لخبط العالم ». الدول العربية الآن، من اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا، ماذا حدث؟ الراديكالية الاثنية والراديكالية الطائفية باتت تصطدم ببعضها، وهذا ما كان يريده بن لادن، وهي تصنع هذه الفوضى. أهداف بن لادن، مع « الثورة الخلاقة » الأميركية، تضافرت لتنتج هذا العالم البائس الذي نحن فيه اليوم، في بلاد العرب على الأقل. لذلك يمكن اليوم أن يقول بن لادن،بحق، « المهمة انتهت »!
مقابلة، محمد عبد المطّلب الهوني: ماذا يحدث في تونس؟
صباحكم ورد… المقابلة مع د. الهوني عن أفغانستان إضافة متميزة؛ بعد انتهائي منهاخلصت إلى :أفغانستان هي المستقبل الذي ينتظر اليمن، كل الأفكار والوقائع التي استعرضها الهوني تدل علينا وتشير الينا… لشفاف ود. الهوني كل المحبة والامتنان