تناقش فاطمة أمان، في مقابلة معها، مدى تأثير التطوّرات الراهنة في أفغانستان على إيران المجاورة.
فاطمة أمان باحثة بارزة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، تركّز أبحاثها على الشؤون الإيرانية والأفغانية وقضايا الشرق الأوسط الأوسع منذ أكثر من 20 عامًا. عملت أمان صحافية ومحللة، وكانت سابقًا باحثة أولى غير مقيمة في المجلس الأطلسي. وقدّمت المشورة للحكومة الأميركية وعددٍ من المنظمات غير الحكومية حول السياسات الإقليمية الإيرانية. تتحدّت أمان بطلاقة اللغتين الفارسية/الدرية والألمانية. أجرت “ديوان” مقابلة معها في شهر آب/أغسطس للتطرّق إلى موقف إيران حيال الأحداث الأخيرة في أفغانستان.
مايكل يونغ: يرى البعض أن إيران تعتبر انتصار طالبان في أفغانستان تهديدًا لها. هل هذا صحيح، وأي أشكال قد يتّخذ هذا التهديد؟
فاطمة أمان: كثيرةٌ هي الأمور التي نجهلها عن جيل طالبان الجديد الذي استولى على السلطة في أفغانستان مؤخرًا. صحيحٌ أن قيادة طالبان تضمّ شخصيات كانت جزءًا من حكومة طالبان في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها تضمّ أعدادًا أكبر من الوجوه الشابة. لكن الهيكل التنظيمي للمجموعة غير واضح المعالم ويكتنفه الغموض. وأعتقد أن هذا ما يشكّل مصدر قلق لجميع الأطراف، وليس لإيران فحسب.
تعتبر طهران أن أحد أسوأ السيناريوهات لطالما تمثّل في وقوع الحكم في يد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يُطلق على نفسه في أفغانستان اسم تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان. فذلك لن يشكّل تهديدًا للاستثمارات الإيرانية في أفغانستان وحسب، بل سيعرّض الحدود الشرقية لإيران إلى خطر شديد. وربما تكون الجمهورية الإسلامية قد خلُصت في العام 2015، مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، إلى أن الحكومة الأفغانية لم تملك القوة الكافية لدحر هذا التهديد، ما دفعها على الأرجح إلى توطيد علاقاتها مع طالبان، وبذل جهود حثيثة لجمع طالبان والحكومة الأفغانية معًا على طاولة مفاوضات السلام.
أضف إلى ذلك أن تشكيل حكومة تضمّ حصرًا أفرادًا من طالبان، في ظل غياب آلية لتقاسم السلطة، لا يمكن أن يتماشى أبدًا مع المصالح الوطنية الإيرانية. لذا، سعت إيران إلى زيادة نفوذها داخل الحركة، التي تتألف من فصائل كثيرة، من خلال التقرّب من فصائل معينة، لكن نظرتها إلي طالبان ككل لا تزال مشوبةً بالشك. واقع الحال أن تشكيل حكومة ائتلافية بمشاركة طالبان أمر إيجابي لإيران، لأن أي حكومة تقودها طالبان حصرًا تنطوي على الكثير من الجوانب المجهولة والغامضة، وقد تعزّز نفوذ خصوم إيران العرب في أفغانستان، وتوقد جذوة الحرب الأهلية في البلاد، وتؤدي إلى بروز ميليشيات أخرى.
وعلى الرغم من أن إيران والصين وروسيا حمّلت القوات الأميركية مسؤولية الصراع في أفغانستان، يبقى أنها استفادت من وجود الولايات المتحدة في البلاد ومن مواجهات الجيش الأميركي مع الجماعات المسلحة هناك. ونظرًا إلى أن الولايات المتحدة هي في صدد الانسحاب من أفغانستان، قد تلجأ الجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية الأجنبية إلى ملء الفراغ الأمني الحاصل. لكن المُلفت أن جميع هؤلاء الأفرقاء الإقليميين يصفون قرار الانسحاب الأميركي بأنه “خطوة غير مسؤولة”.
يونغ: قد ترغب بعض دول الخليج في استخدام أفغانستان للضغط على إيران، تمامًا كما استخدمت إيران الوضع في اليمن ضد دول الخليج. هل تعتقدين أن هذا السيناريو ممكن، وكيف ذلك؟
أمان: أرى أن أفغانستان يمكن أن تكون عقب أخيل إيران. فمن أبرز أولويات إيران أمن حدودها الشرقية، لذا نفذّت الكثير من مشاريع إعادة الإعمار في أفغانستان في الولايات المتاخمة لإيران وليس في المناطق التي تسكنها أغلبية شيعية.
لكي يصبح السيناريو الأفغاني شبيهًا بالسيناريو اليمني، لا بدّ من اندلاع حرب أهلية داخل أفغانستان. لكن حتى إن حصل ذلك، ثمة اختلافات بين البلدين تحول دون تشابههما بهذا الشكل. فالحكومة المركزية الأفغانية لم تكن يومًا لعبة في يد إيران أو مرتبطة بها. علاوةً على ذلك، إذا افترضنا اندلاع حرب أهلية أفغانية، لا يمكن لإيران أن تنخرط بشكل مباشر في الحرب أو أن تستخدم سلاحها الجوي، كما فعلت السعودية في اليمن. فعلى عكس السعودية التي تمكنت من تشكيل تحالف للقتال في اليمن، من المستحيل أن تتمكن إيران من بناء تحالف مماثل لخوض حرب أفغانية.
لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أن جغرافية كلٍّ من اليمن وأفغانستان مختلفة إلى حدّ كبير. فالأخيرة تقع على مقربة من أقوى دولتين في العالم عسكريًا، أي روسيا والصين، اللتين لا تريدان إطلاقًا حربًا أهلية بجاورهما.
في الوقت الراهن، تُعتبر المنطقة مشبَعة بالنزاعات، لذا لن تبقى أي حرب أهلية أفغانية محصورة ضمن حدود أفغانستان، بل ستشمل حتمًا باكستان وآسيا الوسطى إضافةً إلى إيران.
يونغ: هل تعتقدين أن مخاوف إيران الجديدة حيال حدودها الشرقية ستؤثر على سلوكها وسلوك حلفائها في العالم العربي؟
أمان: أقامت إيران قواعد عسكرية جديدة على طول حدودها الشرقية، وهي تراقب عن كثب الوضع في أفغانستان. يُضاف إلى ذلك أن مخاوف الجمهورية الإسلامية من حصول هجمات إرهابية داخل البلاد ازدادت إثر تفاقم حدّة التوترات في أفغانستان.
لطالما نظرت إيران إلى أقلياتها الدينية بعين الريبة وعاملتها في بعض الأحيان كأنها “طابور خامس”. وفي حال ارتفعت حدّة التوترات في أفغانستان وامتدّت الحرب الأهلية الأفغانية المحتملة إلى الداخل الإيراني، قد يزداد توجّس القادة الإيرانيين حيال تعاملهم مع الأقلية السنّية في البلاد. وغالب الظن أن أصدقاء إيران العرب لن يتمكنوا من مساعدتها في القضية الأفغانية.
يونغ: استخدمت إيران الميليشيات المتحالفة معها لتنفيذ أجندتها في دول مثل لبنان والعراق واليمن. وفيما يبدو أن طالبان تسيطر على الأراضي الأفغانية كافة، هل ستحاول إيران اللجوء إلى مثل هذا النهج هناك، ربما من خلال استخدام ميليشيا الهزارة “فاطميون” التي حشدتها للقتال في سورية؟
أمان: أولًا، لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار الهزارة في أفغانستان وكلاء لإيران. فهذه المجموعة العرقية، ولا سيما الشباب منها، لا تدعم مبدأ ولاية الفقيه، وهي الإيديولوجيا التي يرتكز عليها الحكم في إيران.
للأسف، أدّى إنشاء ميليشيا “فاطميون” إلى استفحال الانقسامات الدينية والإثنية في أفغانستان. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين جنّدتهم إيران في هذه الميليشيا لا يحاربون في سورية بالضرورة استنادًا إلى معتقداتهم الدينية، بل للحصول على مكاسب مالية. بعبارة أخرى، لا يبدي الكثير من هذه القوات حماسًا يُذكر للقتال نيابةً عن إيران.
وفي حال اندلاع حرب أهلية في أفغانستان، ستشارك فيها على الأرجح مجموعات متنوعة، وستعمل دول مختلفة على رعاية بعضها وتسليحه. في هذه الحالة، إذا اختارت ميليشيا “فاطميون” القتال داخل بلادها، فستفعل ذلك انطلاقًا من دوافعها الخاصة، من دون أن تُعتبر بالضرورة ذراعًا لإيران.
يونغ: هل يُرجّح أن تصبح أفغانستان نسخة إقليمية جديدة من سورية، حيث سيتعيّن على إيران مواجهة دول أخرى لديها مصالح في ما يحصل في البلاد؟ وإن كان الأمر كذلك، ما الاستراتيجية التي يمكن أن تعتمدها؟
أمان: تتمثّل أهمية أفغانستان بالنسبة إلى إيران في أمن الحدود، والمياه المشتركة عبر الحدود، وقضية الإتجار بالمخدرات، إذ إن إيران تُعدّ الطريق الرئيس لتهريب المخدرات من أفغانستان الى أوروبا. أضف إلى ذلك أن حماية الشيعة الأفغان لم تشكّل يومًا أولوية لإيران كما كان إنقاذ النظام السوري.
ثمة عبرة يمكن أن تستخلصها دول أخرى من تجربة أفغانستان، وهي أن أي حكومة يعتمد بقاؤها على وجود قوات أجنبية في البلاد، قد تنهار بسهولة بعد انسحاب هذه القوات. وهذا تحديدًا ما يجب أن يأخذه في الحسبان الروس المتواجدون في سورية والإيرانيون المتواجدون في العراق وسورية.