(منظر لمدينة حيفا من المطعم المغربي في « جبل الكرمل »)
الشركة التي كنت أعمل بها أثناء مشروع غزة هي شركة متعددة الجنسيات ومقرها مدينة زيورخ في سويسرا.وأنا كنت أعمل بفرع الشركة في ولاية نيوجيرسي بأمريكا.
وكان لهذه الشركة فرع في مدينة حيفا شمال إسرائيل، وقام فرع الشركة هناك بدعوتي لزيارة الفرع. وبالفعل، توجهت بالسيارة من غزة إلى شمال إسرائيل حيث تقع مدينة حيفا. ويمكنك قطع المسافة من جنوب فلسطين في غزة إلى أقصى شمال إسرائيل في أقل من أربع ساعات. ووصلت حيفا بعد ست ساعات، وليس أربع ساعات، بسبب نقاط التفتيش الفظيعة المنتشرة على كافة الطرقات بين فلسطين وإسرائيل. وتوجهت لمكتب الشركة في مدينة حيفا وكان يقع في فيلا صغيرة. وبعد أن اجتمعنا في غرفة الإجتماعات إجتماعاً قصيرا شرحت لهم فيه مشروع الإسكان في غزة، وشرحوا هم لي عن أعمالهم في إسرائيل، قاموا بعد ذلك بدعوتي لتناول طعام الغذاء. وتوجهنا لمطعم يملكه يهودي مغربي ويقدم طعاما مغربيا ويقع في منطقة جبلية تطل على البحر المتوسط في منظر رائع. وعرفت بأن هذا المطعم يقع في « جبل الكرمل » المطل على مدينة حيفا.
وبمجرد جلوسنا إلى طاولة الطعام اشتكيت لهم من قسوة التفتيش عند نقاط العبور بين الضفة الغربية وإسرائيل وبين غزة وإسرائيل. وحكيت لهم عن الإهانات التي يتعرض لها الفلسطينيين بشكل يومي والتي رأيتها بنفسي. وقلت لهم: “أنا لو كنت شابا فلسطينيا وأتعرض لهذه الإهانات بشكل يومي من الجنود الأغراب الذين إحتلوا بلدي وأخذوا أرضي (كما تعلمت من أبي وأمي ومدرستي)، لربما قمت بلف حزام ناسف حولي ونسفت هذا المطعم بمن فيه لكي أتخلص من حياتي ومن أعدائي في نفس الوقت”!
طبعا أنا قلت هذا الكلام ووجدت حالة من الصدمة والصمت والوجوم من المهندسين الإسرائيليين الذين إستضافوني. وعندما وجدت أن ما ذكرته كان عنيفاً، رأيت أن أخفف حدة كلامي، وإعتذرت لهم قائلا: « إعذروني، لقد رأيت بعيني هذه المعاملة القاسية والتي لا يسلم منها طفل أو شيخ أو أمرأة عجوز، وأنا لا أحاول أن أعطي مبررا لمن يفجرون أنفسهم ولكني أريد أن أوضح لكم أن شدة القسوة والحبس والحصار قد تولد الإنفجار، وأن على السلطات الإسرائيلية تبني سياسات أكثر إنسانية في التعامل مع الفلسطينيين عند نقاط التفتيش. أنا أعرف أن هناك متطرفين وأرهابيين يريدون التسلل من نقاط التفتيش لارتكاب عمليات إرهابية داخل إسرائيل، ولكن لدى إسرائيل من التكنولوجيا الحديثة ما يسمح بالتفتيش بشكل إنساني وبدون إهانات”.
وكان إعتذاري هاما جدا لتخفيف حدة ما ذكرته في البداية وبعث روح اكثر تفاؤلاً. وجاء طعام الغذاء المغربي بالشوربة المغربية المشهورة (الحريرة) والكُسكُس بالخضار ولحم الضأن.
…
وأثناء وجودي معهم على « جبل الكرمل » دار بخلدي افتراض غريب: ماذا لو ان كل الفلسطينيين اعتنقوا الديانة اليهودية، وفي تلك الحال يمكن لهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية ويصبح من حقهم العيش في أي مكان من إسرائيل (فلسطين سابقا)! وبعد انتهاء طعام الغذاء، فاجأتهم بسؤالي: كيف يمكنني اعتناق الديانة اليهودية؟ في الإسلام يكفي ان تقول الشهادتين وتتوضأ وتصلّي ركعتين شكرًا. وفي المسيحية يمكن ان تذهب للكنيسة القريبة منك وتعلن انك أصبحت مسيحيا وربما يقومون بتعميدك ام لا وذلك حسب أي فرع من فروع الديانة المسيحية. فما هو الامر المتبع في الديانة اليهودية؟
فوجدت ان جميع الحضور استغرقوا في الضحك! فاستفسرت عن سبب ضحكهم، فقال كبيرهم سنا: من اجل ان تكون يهوديا يجب ان تكون أمك يهودية! فقلت لهم: “هذا مستحيل الان، فهل هناك وسيلة أخرى لكي اعتنق اليهودية؟” فرد قائلا: “الديانة اليهودية ليست ديانة تبشيرية، لان اليهود يعتقدون بأنهم “شعب الله المختار” ولذلك لا داعي لدخول شعب اخر في الديانة”! وشرح لي أن هناك ثلاث فئات من اليهود تؤمن بالإتي:
الأرثوذكسية: اليهودية ليست ديانة تبشيرية، واليهودي هو من ولد لامرأة يهودية فقط.
الإصلاحية: تخلت عن الفكرة القائلة بأن اليهود يُشكلون أمة منفصلة ويتبنّون النموذج المسيحي.
المحافظة: حلّ وسط ما بين الإصلاحيين والأرثوذكس، وترى أن الشريعة اليهودية تتغير من جيل إلى جيل.
ولذلك فانه من اجل اعتناق الديانة اليهودية يجب اتباع المذهب الإصلاحي المنفتح.
وحتى بموجب المذهب الإصلاحي لابد من المرور بمرحلة دراسة يهودية عميقة، ثم بعد ذلك يتم اختبار الشخص الذي يريد اعتناق اليهودية بواسطة حاخام للتأكد من درايته ماذا تعني الديانة اليهودية، ومعرفة قواعد العبادات والتقاليد اليهودية وتاريخ اليهود. وبعد نجاح الشخص في الاختبار يتم قبوله عضواً في الديانة اليهودية، وأحيانا يجب ان يتم ختان الذكر الذي يريد التحول لليهودية.
…
ومؤخراً، تسبّب قرار أصدرته محكمة العدل العليا الإسرائيلية (أعلى هيئة قضائية في البلاد)، بإنهاء احتكار اليهود المتشددين (الأرثوذكس) لعمليات التحوّل إلى الديانة اليهودية، عاصفة سياسية، حيث انقسمت ردود الأفعال ما بين مؤيد ومعارض.
وقضت المحكمة، بالاعتراف بالأشخاص الذين اعتنقوا اليهودية في إسرائيل من خلال الحركتين الإصلاحية والمحافظة، كيهود، وبالتالي يحق لهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
وينص قرار المحكمة العليا، على الاعتراف بالتهوّد الإصلاحي والمحافظ “لغرض قانون العودة”، أي من أجل الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
ويأتي القرار بعد مداولات قضائية استمرت لقرابة 15 عامًا في المحكمة العليا.
…
وبعد قراءة في الديانة اليهودية لاحظت التشابه بين الديانة اليهودية والإسلام. وطبعا لم ندرس أبدا أي شيء عن الديانة اليهودية، ولا عن تاريخ اليهود، سوى ما عرفناه من القصص القرآني.
واليهودية هي أول وأقدم الأديان التوحيدية الثلاث الكبرى، وهي ديانة وطريقة حياة الشعب اليهودي؛ وتستمد اليهودية شرائعها وعقائدها الأساسية من « التوراة »، وهي أول خمسة أسفار من الكتاب المقدس.
إن أهمّ تعاليم وعقيدة الديانة اليهودية هي الإيمان بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي يريد لجميع الشعوب أن تفعل ما هو عادل ورحيم. وقد خلق جميع الناس على صورة الله الذي يستحق المعاملة بكرامة واحترام.
إن أهم نصوص الديانة اليهودية هو « التوراة » ذاتها (ما يسميه بعض المسيحيين « العهد القديم »)، والتي تتألف من أسفار « التوراة » والأنبياء والكتب.
يتركز قدر كبير من المراعاة الدينية اليهودية داخل البيت. ويشمل هذا الصلوات اليومية التي تُتلى ثلاث مرات في اليوم – في الصباح وبعد الظهر وبعد غروب الشمس. أما صلوات الرعية فتقام في « الكنيس »، وهو دار العبادة والدراسة اليهودية، في أيام الاثنين والخميس والسبت.
وفي أيام الاحتفالات والأعياد اليهودية تشمل الصلاة في الكنيس وقراءات بالعبرية من « التوراة » وأسفار الأنبياء. الصلاة في الكنيس يمكن أن يؤمها أي فرد عليم من الرعية. وفي معظم الكنس يتولى هذه المهمة مرتل مفرد أو حاخام.
ختان الذكر:
يتم ختان المولود الذكر اليهودي في اليوم الثامن من ولادته، والختان سنّة شائعة منذ أيام إبراهيم، ويتبعها المسلمون أيضا.
طقوس البلوغ:
عندما تبلغ البنت اليهودية 12 عاما، ويبلغ الولد اليهودي 13 عاما فانهما يبلغان سن الرشد من حيث التكليف بالواجبات والمسؤوليات الدينية. وبهذه المناسبة يدعى ولد “البار متسفاه” لأول مرة ليتلو الجزء من التوراة وقراءة من أسفار الأنبياء. وفي تجمعات تشترك فيها المرأة في إقامة الصلاة، وبالنسبة للبنات تدعى مرحلة البلوغ “البات متسفاه”
قوانين التغذية:
يراعي اليهود المتدينون شرائع التغذية المستمدة من سفر اللاويين. وتشمل هذه الشرائع تحريم أكل اللحم ومنتجات الألبان في وجبة واحدة، كما تشمل طقوس ذبح الحيوانات بطريقة إنسانية بعد الصلاة اثناء الذبح بواسطة حاخام، وتحرم تحريما قطعيا أكل الدم، أو لحم الخنزير، أو السمك الصدّفي (مثل الجمبري والكابوريا)
انتظار المخلص:
جرت عادة الشعب اليهودي أن يعيش على توقع مجيء عصر المخلص الذي يسود فيه السلام العالمي على الأرض وفقا لرؤيا أنبياء اسرائيل.
…
ولاحظت ان الأقلية العربية في حيفا، حوالي ١٥ ٪ من السكان تتعايش بسهولة مع الأغلبية اليهودية. وحيفا هي ثالث اكبر مدينة في إسرائيل بعد تل ابيب والقدس، وكانت ذات أغلبية عربية قبل عام ١٩٤٨، وبعد هزيمة ١٩٤٨ كان هناك إصرار من جانب حكام إسرائيل وفي مقدمتهم دافيد بن جوريون على تطهيرها من العرب قدر الإمكان، سواء بالعصا ام بالجزرة، وذلك نظرا لأهميتها الاستراتيجية كأحد اهم المواني في فلسطين.
وحيفا بها اكبر مركز ديانة للبهائيين في العالم وهو المعروف بحدائق البهائيين.
“ذكرياتي في فلسطين وإسرائيل”: الحلقة الخامسة عشرة، “البهدلة” على معبر إيرز في غزة