في 24 كانون الثاني/ يناير 2020، تولى مقتدى الصدر زمام السياسة العراقية.
وبتوليه مسؤولية مسيرات الجمعة، ألقى بظلاله على الميليشيات المدعومة من إيران وأظهر افتقارها النسبي للأعداد. وقد وجّه الاحتجاجات بعيدًا عن السفارة الأمريكية وأعلن في ما بعد أنه يجب حماية السفارات وأنه يجب أن تتوقف على الفور جميع هجمات المقاومة ضد القوات الأجنبية. كما دعا إلى وضع جدول زمني لمغادرة القوات الأجنبية كافة وأشار إلى أن مثل هذا الانسحاب قد ” يُعدَّل” وفقًا للظروف. وفي الأيام المقبلة، من المرجح أن يسمح دعم مقتدى الصدر بترشيح رئيس وزراء عراقي جديد ليحل محل رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بحلول يوم الخميس المقبل كانون الثانى ؟يناير 2020، وهو ما يؤكد القوة التى يتمتبع بها الصدر كصانع قادة فى العراق.
وعلى الرغم من عدم سيطرة الصدر على جميع التطورات – كما يتضح من الهجوم الصاروخي الذي وقع يوم 26كانون الثانى/ يناير على السفارة الأمريكية في بغداد واستئناف الاحتجاجات الشعبية دون توجيه منه، إلا أن الصدر يمثل الشخصية الاكثر تأثيرا في السياسة الشيعية ، حيث انه يهدف إلى إثبات أنه لا غنى عنه اما المتابعين في إيران والغرب ودول الخليج.
سيرحّب البعض بهذه التطورات بقدر من الارتياح، فهو ينظر إلى مقتدى الصدر باعتباره الخيار الأقل سوءًا بين زعماء الميليشيات في العراق، والحصن المحتمل ضد مخططات الحرس الثوري في ما يتصل بسيادة العراق. وسيرى آخرون المشاكل في الأفق على الفور، فهم ينظرون إلى مقتدى الصدر باعتباره تهديدًا محتملاً لجميع الزعماء المنتخبين في المستقبل، وللمحتمع المدني فى العراق، وعلى مقربة من ميليشيات إيران. وقد يكون كلاهما على حق.
وحتى يتسنى لنا فهم القوة التى يتمتع بها الصدر، فمن المهم بمكان ان نفهم كيف تطور دوره على راس التيار الصدرى على مر السنين. كان الصدريون، وقت غزو العراق في عام 2003، من أتباع محمد صادق الصدر، والد مقتدى، ورجل دين شعبوي اغتيل (مع أخوي مقتدى الأكبر سنًا) على يد نظام صدّام في عام 1999. واليوم وبعد مرور عقدين من الزمن، يمكن القول إن الصدريين الذين ما زالوا مع مقتدى هم أتباع مقتدى بقدر ما هم أتباع أبيه. أما أولئك الذين كانوا يريدون الانفصال عن مقتدى فقد فعلوا ذلك وانضموا إلى الجماعات المنشقة المدعومة من إيران، وأبرزها جماعة “عصائب أهل الحق”.
وفي حين كان مقتدى في الثلاثين من عمره عام 2003، يبلغ الآن 46 عامًا، وعلى الرغم من أنه لا يزال غير حازم بسيطرته على حركته، فهو سياسي محنّك ويتمتع بقدرة جيدة على قراءة الشباب والشارع العراقي. وبالرغم من أنه لا يزال عازفًا عن لقاء المسؤولين الأمريكيّين، فقد سافر إلى كل من إيران والمملكة العربية السعودية وإلى دول سنية أخرى، مؤكدًا استعداده لاعتلاء المسرح الدولي.
تجدر الإشارة إلى أنّ مستشاري مقتدى قد أصبحوا أكثر تمرسًا أيضًا، فاتّضح ذلك مؤخرًا مع بروز شخصية وليد الكريماوي، الذي يعمل كمستشار سياسي وانتخابي رئيسي لمقتدى.
أجندة الصدريون: بكلماتهم الخاصة
في عام 2018، بدأتُ سلسلة من المقابلات مع الصدريين أثناء زيارتي للعراق وفي أماكن أخرى. وكنت أعتزم التعرف على أهدافهم بشكل أفضل، والاستشعار بموقفهم المستقبلي تجاه كل من الولايات المتحدة وإيران. في هذا الصدد، يجمع هذا المقال مواد المقابلة في معالجة موجزة لأهداف التيار الصدري، ويُسلّط الضوء على المجالات التي يوجد فيها تنافر متوقع مع التحالف الدولي المؤلف من 81 عضوًا والموجود في العراق، ولكنه يسلط الضوء أيضًا على القضايا التي قد يكون التآزر بشأنها مفاجئًا، بما في ذلك على نحو غير بديهي، في ما يتصل بقضية الوجود العسكري الأجنبي في العراق. ومع ذلك ، تحتوي هذه المقابلات أيضًا على تحذير قوي من أن مقتدى لا يعتبر بأي حال من الأحوال شخصية موثوقً بها.
وفي محادثات مع واحد من كبار الصدريين، برز عدد من المواضيع التي تمثّل أهدافًا مزعومة للتيار في المشهد السياسي العراقي اليوم، وهي منقولة على النحو الوارد في الاقتباسات التالية:
1. “إلغاء نظام المحاصصة”، الذي تفرض فيه الأحزاب السياسية المعيّنين السياسيين أو الوزراء “الخاصين” وغيرهم من كبار المسؤولين بناءً على حصتهم البرلمانية.
2. “وضع الأسلحة تحت سيطرة الدولة”، في إشارة إلى دمج قوات الحشد الشعبى أو تطبيعها كقوة أمنية أكثر طاعة وتنظيمًا.
3. “إنشاء توازن مع الدول المجاورة”.
4. “محاربة الفساد، ومحاسبة الجميع، بما في ذلك مسؤولون سابقون”.
5. “إزالة أي قوات أجنبية في العراق، مع مراعاة حقوق الحكومة والبرلمان”.
وبالنسبة للتحالف الدولي المؤلف من 81 عضوًا، فإن هذه الأهداف المزعومة تتوافق جميعها مع الهدف العام المتمثل في ضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم “الدولة الإسلامية” من خلال إعادة بناء عراق يتمتع بالسيادة والاستقرار والديمقراطية. ولكن ما مدى واقعية التزام الصدريين بهذه الأهداف الإسمية، وما مدى حقيقة الصورة التي يعطيها كبار القادة أو عدم ترابط تطلعاتهم؟
لقد اتضح من الأشهر الخمسة عشر الأولى من الحكومة الحالية أنّ التيار الصدري لا يمارس ما يعظ به في ما يخص مسألة المحاصصة السياسية (للتعيينات الوزارية وتعيينات كبار المسؤولين على أساس الحصة البرلمانية للفصائل) أو مكافحة الفساد. وهذا لا يشير بالضرورة إلى ازدواجية من جانب مقتدى، بل يؤكد على التحدي الذي قد يواجهه لتغيير ثقافة شبكات المحسوبية داخل حركته، لو حاول ذلك بجدية.
أما في ما يتعلق بـ”الحشد الشعبي”، ومسألة الأسلحة والدولة، فإن الصدريين كانوا على الصعيدين الداخلي والخارجي متّسقين إلى حد كبير. في هذا الصدد، قال أحد كبار الصدريين: “نحن نرفض تمامًا السلاح الذي يكون خارج سيطرة الدولة”، وأضاف أن على العراق “اعتقال أي شخص يسعى إلى فرض سلطته في الشوارع، أو يقاتل الحكومة. فنحن نريد أن يسلّم المقاتلون أسلحتهم إلى الحكومة، وأن يعودوا إلى ديارهم، وأن يدخلوا إلى المؤسسة العسكرية إذا اقتضت الضرورة لذلك، أو أن يحظوا بالأولوية من حيث فرص العمل الأخرى”.
في الواقع، تردد هذه التصريحات صدى آخر بيان صادر عن مقتدى الصدر في 24 كانون الثاني/يناير، الذي يتوخى فيه حل “قوات الحشد الشعبي” ودمجها مع وزارة الدفاع، أو وضع لوائح أكثر صرامة، مع تخصيص “عقوبة قاسية” تُنزل على أولئك الذين يعملون خارج إطار سيطرة رئيس الوزراء.
وفي ظل رئيس وزراء جديد يدعمه كل من الصدريين والسيستاني ــ ومع إزاحة المفسدين المحتملين مثل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس من المشهد – فإن الصدريين قد يكونوا بمثابة محرك قوي لإخضاع بنية “قوات الحشد الشعبي” إلى ضوابط حقيقية. وما يتبقى الآن هو أن نرى ما إذا كانت ميليشيا “سرايا السلام” التابعة لمقتدى الصدر ستضع نفسها تحت الضوابط ذاتها، أم أنها ستعمل تحت تسلسل قيادي منفصل.
نظرة التيار الصدري إلى الوجود العسكري الأجنبي
كانت بعض المحادثات الأكثر تشويقًا التي أجريتها حول مقتدى اليوم وحركته تدور حول قضية القوات العسكرية الأجنبية في العراق. وكان العامل المدهش هو انخفاض مستوى الانفعال في الخطاب الصدري حول القوات الأمريكية منذ أن عادت الولايات المتحدة إلى العراق عام 2014 كشريك مدعو وليس كغازٍ. وفي إحدى المقابلات، أفاد أحد الصدريين بأنه: “لا عداء تجاه القوات الأمريكية، فإن معظم العراقيين يقدرون مساعدتها تقديرًا شديدًا”.
ومع ذلك، تظهر قناعة راسخة على كامل نطاق التيار الصدري، بدءًا من المتحدثين ذات النزعة الغربية الشديدة وصولاً إلى مقتدى بحد ذاته وإلى الكوادر العسكرية، بأنه لا ينبغي أن يتحول وجود القوات العسكرية الأجنبية – سواء أكانت أمريكية أو أي قوات أخرى – إلى حقيقة مفترَضة للحياة العراقية.
ومن بين العوامل المثيرة للاهتمام أن الصدريين يميلون إلى استخدام مصطلح “القوات الأجنبية” لوصف التحالف، ما لم يُسألوا صراحة عن القوات الأمريكية، الأمر الذي يؤكد على أوجه الاختلاف بين الوجود الأمريكي الحالي والوجود الذي قادته الولايات المتحدة قبل عام 2011.
وعندما سُئِلوا عن الأمريكيين على وجه التحديد، كانت إحدى وجهات النظر المثيرة للاهتمام أن الوجود العسكري الأمريكي يقوّض قدرة العراق على كبح الوجود الإيراني شبه العسكري في العراق. وقد ذكر أحد الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلة: “إنّ شعورنا هو أن وجود القوات الأمريكية يتسبب في الكثير من المشاكل في العراق. فإنّ إيران تشعر بالتهديد وتقدم الدعم لجماعاتها لمقاومة المحتل، والأشخاص المتدينون يعارضون وجودها، والشباب في حالة اضطراب. فنحن نريد أن نزيل هذه الذريعة.”
وفي تلك المحادثات سألتُ المنتمين إلى التيار الصدري عمّا يعنونه بالضبط بكلمة “الاحتلال” أو “المحتلين”، وهي العبارات الأكثر شيوعًا لوصف أي قوات أجنبية في العراق. وبشكل خاص، سألت (وبكل صراحة) عمّا إذا كانوا ينظرون حقًا إلى المدربين الكنديين، على سبيل المثال، باعتبارهم “قوات محتلّة”. فعندما طُلِب التعمّق في المسألة، أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا، هذا وكان بالإمكان لمس سهولة إمكانية التوصل إلى حلول توفيقية بشأن التعاون الدولي مع العراق.
أولاً، إذا ما ذهبنا إلى ما هو أبعد من اللغة الخطابية العامة، فإن التيار الصدري يريد أن يُخضع أي وجود أجنبي لضوابط تنظيمية شديدة، وأن يتم دعوة هذه القوات صراحة إلى الاضطلاع بمهمة محددة ذات معايير محددة. ولقد قيل لي: “لن يُسمح بأي قوات، أو أي جنود على الأرض، ما لم تطلب الحكومة العراقية أو البرلمان العراقي ذلك”. وفي هذا السياق، يعتقد أحد زعماء التيار الصدري أنه “من الضروري أن ينظّم القانون” وجود القوات الأجنبية إلاّ أنّ هذا الأمر قد يتم عبر طرائق عدة. “يجب أن تحال قضايا الحرب والسلام البالغة الحساسية إلى البرلمان للمراجعة الدورية، وأقلّه إلى لجنة الأمن التابعة للبرلمان، حتى ولو أخذ رئيس الوزراء قرارات بشأنها.” فذلك يشير إلى درجة عالية من المرونة، الى جانب وجود مستوى منخفض من المعرفة حيث أن قوات التحالف منظمة بالفعل بدرجة عالية.
وثانيًا، لم يكن المدربون والمستشارون (إذا ما قورنوا بالقوات القتالية) خارج المعادلة. في هذا الإطار، “قد لا تبرز أي حساسية تجاه المدربين، على الرغم من وجود بعض الحساسية تجاه المدربين الأميركيين… فالشعب العراقي يرحب ترحيبًا كبيرًا بالمدربين الكنديين والأستراليين والأوروبيين. إنهم أصدقاؤنا، ويدربون قواتنا … فكل ذلك يتوقف على أعدادهم وموقعهم ومهامهم، ولا بدّ من توضيح هذه الأمور كلها.” ومجددًا، يفتح ذلك مجالًا كبيرًا للمناقشة، خاصة وأن التحالف سيسعد بالتحول إلى دور غير قتالي ، تدريب فقط.
تداخل مع خطط التحالف لتكييف مهمّته
ما لا يقدّره معظم العراقيين، هو أن المساهمين العسكريين في التحالف المؤلف من 81 عضوًا يريدون أيضًا تنظيم كل من العمليات ووضع القوة لـ”قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” وترشيدها بشكل أفضل). ولا يوجد شريك في التحالف – بما في ذلك الحكومة الأمريكية – يريد إلزام قواته القتالية بحضور مكلف ومحفوف بالمخاطر ومفتوح في العراق.
لقد امتعضت الولايات المتحدة والتحالف الأوسع من الجهود المفاجئة لطرد جميع القوات الأجنبية بواسطة جلسة برلمانية لم يكتمل نصابها والتهديدات بممارسة العنف ضدّ أعضاء البرلمان. وقد أشارت الولايات المتحدة إلى أن الوقف الكامل للتعاون الأمني العراقي-الأمريكي بجميع صوره سيتسبب في تخفيض أوسع في المساهمات الأمريكية غير العسكرية التي تساهم في الرفاه الاقتصادي للعراق.
بيد أنه في سياق مناقشةٍ بناءة بين الشركاء الأمنيين، فإن آفاق ترشيد بعثة “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب”، وبعثة التدريب التابعة لحلف “الناتو”، وبعثة التعاون الأمني التابعة للاتحاد الأوروبي وتنظيمها هي آفاق رحبة. ومن ثم ، فان وصف عملية إعادة هيكلة المهمة العسكرية الأجنبية كفوز لمقتدى سيكون بمثابة خطوة ذكية.
ومن بين الأسباب التي جعلت الصدريين يشترطون سرًّا ضرورة الحصول على الموافقة البرلمانية الكاملة على البعثة الدولية هو أنه من المنطقي أن تقوم لجنة الدفاع والأمن، بالشراكة مع الجنرالات العراقيين، بتقييم الدعم العسكري الذي لا يزال مطلوبًا. وإذا ما توصلت هذه اللجنة إلى هذا الاستنتاج، فمن المرجح جدًا أن نستنتج أنه لا يزال يلزم القيام بمزيد من أعمال بناء القدرات المؤسسية والتدريب لتحقيق تحسينات مستدامة في قوات الأمن.
وسيتعين على التحالف توضيح بعض النقاط في أي حوار. أولاً، يتعين على العراق أن يلتزم على نحو نشط بحماية القوات الأجنبية. وفي الواقع، تشكّل تصريحات مقتدى الصدر في 24 كانون الثاني/يناير ضدّ الهجمات التي تستهدف القوات الأجنبية بداية مطمئنة لمثل هذا الحوار.
وثانيًا، قد يفاجِئ التحالف العراق بالإعراب عن استعداده لتسليم عمليات قتالية عدة إلى العراق. على سبيل المثال، لا تزال القوات العسكرية العراقية تعتمد على الغارات الجوية والضربات المدفعية لقوات التحالف من أجل تدمير مخابئ الأسلحة السرية التابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” بأمان أو من أجل توفير دعم طارئ للقوات العراقية المعرّضة للخطر. فبالنسبة إلى شركاء التحالف، يبدو أنّ العراق لا يبذل الكثير من الجهد لتحسين قدراته في مجال مكافحة التمرد لأنه يعرف أن بإمكانه الاعتماد على قوة نيران “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” المفتوحة. وكما أخبرني أحد المسؤولين الأمريكيين: “لن نجزّ عشبهم، لن نقتل السُـنّة من أجلهم إلى الأبد”.
بالتالي، يرجّح وجود اهتمام كبير من جانب التحالف لكي إمّا يلتزم العراق بإجراء تحسين حقيقي في قدراته العسكرية أو يتوقف عن إهدار وقتنا ومواردنا. كما يجب أن تتضمن خطة تدريب التحالف الجديدة التزام العراق بتولي جميع المهام القتالية خلال فترة زمنية محددة ، وبالتأكيد ليس أكثر من عام أو ثمانية عشر شهراً.وحاليا، لا يشكل تنظيم “الدولة الإسلامية” تهديدًا كبيرًا بما يكفي لإبقاء قوات التحالف في العراق إلى ما لا نهاية،وذلك اذا لم تفعل العراق المزيد لمساعدة نفسها.
مقتدى والحكومة الأمريكية
وبينما ينتقل مقتدى الصدر إلى مركز الصدارة – كصانع قادة وأقوى زعيم للميليشيات في العراق – فمن الجدير بنا أن نتساءل كيف ينبغي للولايات المتحدة أن تنظر إلى هذا الرجل. والجواب هو أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر إلى مقتدى بالحذر والفتور نفسهما اللذين يبديهما لنا، لأنه ليس صديقًا لأمريكا، ومن المحتمل ألا يكون أبدًا، وقد يكون له بسهولة تأثير بالغ الخطورة على مستقبل العراق.
في محادثة مع أحد كبار الصدريين، سألتُ عمّا سيتطلب الأمر، افتراضيًا، لكي يقابل مقتدى مسؤولين أمريكيين بشكل علني أو لكي يفوض نوابه للقيام بذلك. وقد تجلى من الوهلة الأولى أن المشاعر السلبية تجاه الولايات المتحدة عميقة للغاية وكانت الإجابة أن الولايات المتحدة ستحتاج أولاً إلى الاعتذار علانية لمساندة صدام في الحرب العراقية الإيرانية، ولفشلها في مساعدة العراقيين أثناء الانتفاضة القمعية الدموية في عام 1991، ولدعم الولايات المتحدة للحكومات غير الديمقراطية التي يُنظر إليها على أنها تقمع الشيعة (أي المملكة العربية السعودية والبحرين)، وبشكل عام للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة لا سيّما في ما يتعلق بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية. وهي فكرة مُجهَضة من البداية، غير أنّ التيار الصدري قد يكون أكثر مرونة ممّا يبدو عليه في البداية، كما هو الحال مع القضايا الأخرى.
وفى ما يتعلق بالسياسة الداخلية، يجب على الولايات المتحدة أيضًا أن تراقب مقتدى عن كثب وألا تنساق وتقلل من الخطر الذي قد يشكله على الديمقراطية في العراق. ويمثل تخلى مقتدى الصدر عن حماية المتظاهرين ،وفتح الباب أمام الهجمات القاتلة ضدهم وإحراق معسكراتهم ، تذكيراً بأنه لا توجد تحالفات دائمة في السياسة العراقية. فبعد أشهر من التعايش المضطرب، انتقد بعض قادة الاحتجاج مقتدى، وكان رده هو معاقبتهم دون تردد أو رحمة.
من المهم أيضًا توضيح ما تنطوي عليه رؤية مقتدى لموضوع القيادة. إذ يؤكد مسؤولون تابعون لمقتدى الصدر رغبته في بناء “دولة مدنية”. وفي السياق نفسه، قال لي أحد المسؤولين في الحركة الصدرية إنه “لا يعتزم إقامة دولة دينية. إذ يمكن تحقيق الأهداف الدينية من خلال الدولة المدنية. وهو في وئام مع السيستاني”. قد يكون ذلك صحيحًا، ولكن مقتدى يعتقد أيضًا أنه يلعب دورًا مهمًا باعتباره “مرشدًا” يركز على “العدالة الاجتماعية” (على حد تعبير أحد المستشارين الصدريين)، حيث أنه “يريد أن يحدد المبادئ وأن يكون مشرفًا”، من دون أن يحكم بشكل مباشر. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون مقتدى حاكمًا على غرار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، إلا أنه من غير المرجح أيضًا أن يكون رجل دين “هادئًا” على غرار السيستاني.
فالأمر الأكثر احتمالاً هو أن يكون حلاً وسطًا أي موازيًا للسيد حسن نصر الله زعيم “حزب الله”، وهذه ليست مقارنة مطمئنة.
مايكل نايتس هو زميل في برنامج الزمالة “ليفر” في معهد واشنطن ومقره في بوسطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج.