منذ انهيار ما يسمى “دولة الخلافة الإسلامية” في العراق وسوريا تواجه أقطارُ عدة في الشرق والغرب مشكلة مصير مواطنيها الذين التحقوا بتنظيم داعش الإرهابي بقيادة المقبور أبو بكر البغدادي، وعما اذا كان من الحكمة والواجب استعادتهم من عدمه.
من هذه الدول إندونيسيا التي يدور فيها اليوم جدل قانوني ودستوري واسع ما بين جماعات معارضة لعودتهم واحتضانهم من جديد، على خلفية احتمال تهديدهم للأمن القومي ونشرهم لأجنداتهم وأفكارهم الإرهابية والتخريبية في أوساط الشعب المسالم والمجتمع الوسطي، وبين قوى مضادة ترى أن استيعابهم أمر تفرضه مبادئء حقوق الإنسان “من تلك التي لا يعترف هؤلاء بها أصلا ولم يحترموها يوما من الأيام“.
ومع أن الأغلبية الساحقة من الاندونيسيين تؤيد بقوة موقف الفريق الأول، إلا أن حكومة الرئيس الإندونيسي “جوكو ويدودو” تعيش معضلة حقيقية، بل إنها منقسمة على نفسها فيما يتعلق بالموضوع وتحاول إيجاد مخرج قانوني يدعم موقفها العلني الرافض لعودة بقايا الدواعش الاندونيسيين من الذين تقطعهم بهم السبل بعد انهيار أحلامهم وأوهامهم الطوباوية. علما بأن أعدادهم حسب آخر إحصائيات الصليب الأحمر الدولي وسفارات جاكرتا في دمشق وبغداد وأنقرة لا تزيد عن 700 عنصر، ثمانون في المائة منهم من النساء والأطفال ممن يتواجدون إما في سجون الأكراد بشمال سوريا أو في مخيمات بائسة في تركيا أو معتقلين في سجون دول شرق أوسطية (ذكرت المصادر الأندونيسية سابقا أن عدد المواطنين الذين غادروا للالتحاق بتنظيم داعش هو 1320).
وربما بسبب أن غالبية الدواعش الاندونيسيين هم من النساء والأطفال، الذين تركهم معيلوهم وراءهم بعد موتهم في جبهات القتال، فإن هناك أصواتا إرتفعت في جاكرتا تدعو إلى عدم أخذ هؤلاء بجريرة ما فعله الأزواج أو الآباء في مقابل أصوات رسمية تقول بعدم مسؤولية الدولة الأندونيسية عن إستيعابهم أو حتى عن مجرد نقلهم من أماكن تواجدهم كونهم ذهبوا إلى القتال في الخارج بملء إرادتهم ولم تدفعهم البلاد إلى ذلك دفعا. بمعنى أن عليهم تحمل تبعات ووزر ما اقترفوه بحق أنفسهم ووطنهم وبالتالي يستحقون وضعية مواطنين بلا هوية، أو مواطنين سابقين، خصوصا وأن الكثيرين منهم ظهروا في وسائل الإعلام وهم يحرقون جوازات سفرهم مما يعني تخليهم طواعية عن جنسيتهم.
الغريب في الأمر أن جمعية “نهضة العلماء” وهو أكبر تنظيم إسلامي في اندونيسيا لجهة الاتباع والنفوذ السياسي عبر جزر الأرخبيل الإندونيسي تدعم توجهات الدولة في ما خص هؤلاء الدواعش. ولكن الأكثر غرابة من ذلك هو أن تنظيم 212 الإسلاموي المتشدد، الذي كان وراء إسقاط حاكم جاكرتا المسيحي السابق “باسوكوكي بورناما” عبر حملة تعبوية منظمة لصالح حاكم العاصمة الحالي “أنس باسويدان” يقف صامتا يراقب التطورات دون أن يقحم نفسه في الجدل الدائر لأسباب خفية.
وعوداً على بدء، فإن جاكرتا تواجه مشكلة غير مسبوقة، وتحاول إيجاد مخرج قبل أن تصل القضية إلى المحاكم ويستغلها نجوم حقوق الإنسان ممن قد يسندون مرافعاتهم بأسانيد مثل أن الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر لا يمكن سلخ الجنسية الأندونيسية عنهم واعتبارهم بلا هوية قانونية محددة حتى إذا ما طبق ذلك على آبائهم وامهاتهم.
أما الحكومة فقد تلجأ حينذاك إلى إشهار العقبات القانونية أمام استرداد مواطنيها الدواعش ومنها دستور عام 1945 وقانون المواطنة الجديد الذي تم إقراره في عام 2006.
صحيح أن دستور 1945 يقول إن الدولة ملزمة بحماية كل مواطنيها أينما كانوا وبمنح هويتها لأي اندونيسي. لكن الصحيح أيضا أن هناك مادة في الدستور تنص صراحة على أن كل مواطن عليه واجب الالتزام بالقيود التي يفرضها القانون لجهة الاعتراف بحقوق الآخرين واحترامها. علاوة على ذلك هناك المادة 23 التي أضيفت بموجب تعديلات دستورية سنة 2006 وفيها ذكر لتسعة أسباب تجعل المواطن يخسر جنسيته. وهذه المادة هي محور الجدل اليوم لأنها تنطبق على حالة الدواعش الاندونيسيين. ذلك أن من بين الأسباب التسعة انضمام المواطن طواعية إلى جيش دولة أجنبية مقاتلة وخدمة أهدافها دون الحصول على موافقة السلطات الرسمية المعنية.
وبطبيعة الحال، يحاجج دعاة حقوق الإنسان ومحامو الدواعش هنا بأن الإندونيسي يجب ألا يخسر جنسيته أتوماتيكيا بسبب انضمامه إلى جيش الخلافة الإسلامية لأن “داعش” بموجب القانون الدولى ليس دولة أجنبية وإنما تنظيم إجرامي إرهابي. وبالتالي فمن التحق بخدمته يجب إستعادته أولا ثم النظر في أمره أمام المحاكم المختصة التي ستحدد نوع الجريمه وتقرر شكل العقوبة ثانيا.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين