في خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله بمناسبة الذكرى الأربعين لمقتل قاسم سليماني، رمى اللوم “على بعض اللبنانيين المصرّين، يقولوا ويكتبوا ويحرّضوا في الخارج بتسمية هذه الحكومة بحكومة حزب الله. هذا يؤذي علاقات لبنان العربية والدولية، عمول (اعمل) معروف انت ما تقوم بعملية تحريض كاذبة تسيء لعلاقات لبنان العربية والدولية عندما تصف هذه الحكومة بأنها حكومة حزب الله”.
أولا: مدهش هذا الحرص المستجد وغير المعهود على مصالح الدولة اللبنانية وعلاقاتها مع الخارج!
ثانيا: أيعتبر أن هذا الخارج لا سفارات لديه ولا إعلاميين ولا منظمات ولا أجهزة للمراقبة ولا لقاءات مع المسؤولين ولا أعين ترى أو آذان تسمع كيف أن الحكومات لا تتألف ولا تتصرف بالمآلات المصيرية إلا بضوء أخضر من المرشد الغاضب نفسه! فينتظر آراء بعض “الكتبة والقوالين” ليكوّن رأيه ويبني سياساته عليها!
أما فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول العربية فمن المستغرب أن نصرالله صار فجأة من الحريصين عليها بعد أن كان يكيل لها الشتائم والاتهامات والتخوين في وقت لم يمر عليه زمن طويل. ومتناسيا أن هناك دعاوى رفعت بحق خلايا إرهابية تابعة له في بعض هذه الدول نفسها؛ ناهيك عن أرشيف التسجيلات الصوتية والمصورة للتحريض والتدخلات والتدريبات على الأسلحة وسائر الأعمال التي يدخلها الغرب والعرب في باب الإرهاب الواسع.
لكن “الصدفة” أرادت كشفت عكس ما قاله نصرالله. لم يكد ينهي خطابه حتى فاجأنا السيد علي لاريجاني (رئيس مجلس النواب الإيراني) بزيارة، وهي للمناسبة أول زيارة لمسؤول “أجنبي” بعد نيل حكومة حسان دياب الثقة. زيارة أربكت الجمهورية، ذلك أن الإعلان عنها أتى من السفارة الإيرانية في لبنان، ولم نعرف بدعوة ممن إلى أن تبرع رئيس مجلس النواب نبيه بري وتبنى الدعوة!
هل ما زالت ذاكرتنا تحتفظ بماذا حصل في آخر زيارة للاريجاني إلى رئيس الحكومة سعد الحريري في العام 2017؟ حيث استدعي حينها الحريري إلى الرياض وقدم استقالته الشهيرة منها!
فلماذا الافتراض الآن أنها زيارة ستنزل بردا وسلاما على قلوب السعودية والخليجيين؟
لقد وضعت الزيارة الحكومة والجمهورية، رسميا، في خانة “محور المقاومة” الذي ينطلق شعاعه من طهران مرورا بالمثلث الذهبي لجمهورية الملالي: بغداد ودمشق ليحط رحاله في بيروت على قدمي المتوسط ومياهه المتلألئة، تأكيدا للمقولة الشهيرة: …نسيطر على أربع عواصم عربية”. زيارة كأنها تطبق المثل اللبناني القائل: “المي (المياه) تكذب الغطّاس”.
ففي الوقت الذي يجهد نصرالله لينفي نفوذ حزبه في الحكومة، ربما لشعوره باستحالة الحصول على أي دعم خارجي طالما كان الوضع كذلك، بدت إيران غير معنية بمصلحة لبنان ولا بإرادة نصرالله في لملمة الوضع. فكأن لاريجاني، الذي أعلن عند وصوله “أنه يريد لبنان بلدا حرا سيدا مستقلا”! وبما أن الكلمات في زمن التوريات تقول عكس ما تضمر، فلربما عنى بذلك أن لبنان الذي يزوره مستقل عن شعبه!
يعرف جيدا، هو ونصرالله، أن مصلحة لبنان ليست هي التي أوجبت هذه الزيارة المحرجة، إنما هي رسالة استقواء على الداخل الإيراني من جهة، لدعم حظوظه الانتخابية بعد تغييب سليماني. كما أنها رد على العقوبات الأميركية وللضغط لدعم المفاوضات السرية بين طهران وواشنطن ثانيا؛ وكأنه يقول للأميركيين: لا يهم من هو موجود في بيروت وماذا يقول، نحن أصحاب النفوذ هنا وإذا أردتم الحوار فعليكم المرور بنا. وكل هذا تحت شعاره البراق الذي لا يحتاج لجهودي لتكذيبه: “بلادي لا تسعى إلى ترسيخ نفوذها في أي دولة”.
إنها زيارة تعبر عن مأزق دولتين عاجزتين ومفلستين تتخبطان في فشلهما وتتواجهان مع شعبيهما الثائرين دون أي أفق لحل ما. وكأنه يقول: إن مقتل سليماني لم يؤثر علينا أو يضعفنا.
وهل نريد دليلا على ذلك أكثر من إقامة تمثال لسليماني في قرية مارون الراس بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي رافعا إصبعه في وجه إسرائيل! وكأنه يقول صحيح أنني لم أستطع مواجهتكم في الجولان ولا في أي مكان آخر، لكني مع ذلك ما زلت أحرس، أنا وآلاف الصواريخ المطمورة، الحدود معكم.
أليس هذا ما يستنتج من تصريح القائد العام لقوات حرس الثورة الإيرانية الجنرال حسين سلامي في مقابلة مع قناة “الميادين”، نشرتها على موقعها الإلكتروني منذ أيام حيث قال إن “هناك إمكانات كبيرة للقضاء على إسرائيل، لكن الظروف حتى الآن ليست مواتية لحدوث هذا الأمر”.
لبنان ليس سوى منصة تهديد بالنسبة لسلامي: “الإسرائيليون أصغر وأعجز بكثير من الأميركيين، وكل نقاطهم التي يحتلّونها (الأميركيون) في مرمى نيراننا”. وأضاف: “يجب ألا يعتمد الإسرائيليون على الأميركيين، فالآخرون فعلوا ذلك ولم يحققوا أي نتيجة”، وأعلن: “بنينا قدراتنا على مستوى عالمي، ولكي نصل إلى مستوى القوة العسكرية الأكبر في العالم!”.
لكن الجانب المضحك المبكي في زيارة لاريجاني، التي اقتصرت على يوم واحد، بعد أن أعلن أنها ليومين، فيتعلق بالمساعدات الاقتصادية.
سبق لمسؤول إيراني أن دعا إلى المقاومة الاقتصادية بواسطة الصيام عن الطعام. أما نصرالله فلقد دعانا إلى الصيام عن البضائع الأميركية (التي على الأرجح تحيط به من كل حدب وصوب) كي نوجعها. فنّد نديم قطيش، باختصار، “الوجع” الذي ستعانيه أميركا من المقاطعة: حجم التجارة بين الدول العربية والإسلامية مع أميركا 225 مليار دولار. سوق الهمبرغر وحدها في أميركا 130 مليار دولار في المطاعم فقط. يعني أكثر من نصف الميزان التجاري مع العالمين العربي والإسلامي، و3 مرات ونص حجم الموازنة الإيرانية. فأي وجع هذا سيتسبب به لبنان في مقاطعته للبضائع الأميركية؟
مقابل ذلك اقترح علينا لاريجاني المساعدات والبضائع الإيرانية!
الجميع يعلم مدى معاناة الاقتصاد الإيراني من العقوبات الأميركية على طهران، التي تسعى جاهدة لرفعها كي تتمكن تحديدا من استيراد البضائع الأميركية. فكيف يمكن لبلد عملته تنهار (الدولار الواحد 141 ألف ريال، أي 14 ألف تومان) ويعاني التضخم وتقلص الاقتصاد وميزانيته 134 مليار دولار أن يساعد لبنان في أزمته؟ أليس من الأجدى أن يطعم ملايين الفقراء في بلاده الذين هم تحت خط الفقر؟
فموازنة لبنان، لا تزال، بالنسبة لعدد سكانه وحصة اللبناني من هذه الموازنة أكبر من موازنة إيران وحصة المواطن الإيراني منها.
لبنان لا يحتاج سوى أن تحل عنه إيران وزبائنها وسيكون بألف خير.
monafayad@hotmail.com
الحرّة