(الصورة: مصطفى كمال في ليبيا في 1908 أو 1909)
في عددها الصادر يوم 2 يناير الجاري، انتقدت صحيفة تاغس أنتسايغر قرار تركيا إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا ورأت أن هذا التحرك لا يرمي إلى تغيير موازين القوى في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا فقط، بل يعكس بالدرجة الأولى مطامع أنقرة في الوصول إلى آبار الغاز في المتوسط.
وقالت كريستيان شلوتسر، مراسلة الصحيفة التي تصدر بالألمانية في زيورخ، إنه “في وقت الثورات العربية كان الناس يتطلعون إلى مزيد من الديمقراطية وكان ينظر إلى تركيا باعتبارها نموذجًا يحتذى به بالنسبة للكثيرين: دولة لديها اقتصاد ناجح والسياسة في طريق الإصلاح وكان المشهد الثقافي في إسطنبول مثيرًا. بعد عقد من الزمان فقط تغير الوضع في تركيا، إذ تمر البلاد بأزمة اقتصادية وتتعرض للترويض سياسيًا والحياة الثقافية تصحّرت. فقط الحلم العثماني لم يتبخر، لكنه قد يصبح كابوسا. أردوغان يقول إن القوات التركية ستكتب الآن التاريخ في ليبيا، ويصف الليبيين بـ”الشعب الشقيق”. الجنود الأتراك منتشرون أيضاً على الأراضي السورية وفي شمال العراق. الأغلبية في البرلمان التركي وافقت حتى الآن على كل قرارات الحرب للرئيس التركي، حتى بدون تفويض من الأمم المتحدة أو بأمر من حلف الناتو. أردوغان واجه معارضي الحرب بالقول بأنهم نسوا التاريخ العثماني وتاريخ الجمهورية، فمؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك قاتل على الأراضي الليبية”.
وأردفت المراسلة “كان ذلك قبل أكثر من مائة عام، قبل إنشاء دولة تركيا الحديثة، في الحرب ضد إيطاليا، ولم ينته الأمر بنهاية سعيدة للإمبراطورية العثمانية. ففي عام 1912، اُضطر الأتراك إلى التنازل لإيطاليا عن طرابلس وبرقة، وهما من المحافظات التاريخية الثلاث في ليبيا وجزر الدوديكان. والجزر اليونانية، بما في ذلك رودس وكوس، والتي قال عنها أردوغان في نهاية عام 2016: “كانت هذه جزرنا، مساجدنا هناك”، حيث بدا الأمر كما لو أنه أراد إعادة صياغة معاهدة لوزان، التي وضعت فيها حدود تركيا واليونان في عام 1923.
بالنسبة لتركيا، فإن إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لا يتعلق فقط بحماية “الشعب الشقيق” والحكومة التي تهاجمها الحركة المتمردة بقيادة خليفة حفتر، بل لديها هدف أكبر. ذلك أن تركيا بلد متعطش للطاقة، وهي تعتمد بنسبة مائة في المائة تقريبًا على الواردات من النفط والغاز وتبحث عن مصادرها الخاصة، مهما كانت التكلفة. ومن أجل تحقيق ذلك، فإن تركيا مستعدة لخوض مغامرات عسكرية في ليبيا وسوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط ، حيث ترافق البحرية سفنها التي تقوم بالتنقيب عن الغاز قبالة جزيرة قبرص..
عندما تم اكتشاف الغاز الطبيعي قبل بضع سنوات فقط قبالة إسرائيل وقبرص ومصر، كان هناك أمل في تحقيق الرخاء للجميع ونوع من مكاسب السلام. كانت تركيا ستطرح نفسها كدولة عبور لأنانيب الغاز، لكن نزاع قبرص (القائم منذ عام 1974 بين الشطرين اليوناني والتركي) حال دون ذلك وهو ليس فقط خطأ أنقرة، كما أن خلاف تركيا مع إسرائيل أعاق فرص التعاون”.
يبقى أن الدرس المستفاد حسب المراسلة هو أنه “عندما يتم استبدال لغة الدبلوماسية بأدوات القوة العسكرية قد يدفع الجميع الثمن”.
فعلى إثر موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات إلى طرابلس، أعلنت حكومات اليونان وقبرص وإسرائيل عن عزمها بناء خط أنابيب باهظ التكلفة بطول 2000 كيلومتر يمتد من إسرائيل إلى اليونان وصولا إلى إيطاليا وهذه “مغامرة من الناحية التقنية والاقتصادية”، كما تقول الصحيفة.