حينما شهد العراق في عام ٢٠٠٦ مواجهات بين الجماعات المذهبية، وتعرض حَرَما الإمامين الشيعيين في مدينة “سامراء” لهجوم تخريبي، لم يكن الشيعة يملكون كتائب عسكرية، فواجهوا صعوبات للرد على الهجمات ضدهم. كان التنظيم الشيعي الوحيد المسلح آنذاك، هو “جيش المهدي” بزعامة مقتدى الصدر، فكان يدافع عن المصالح الشيعية في العراق.
لكن الشيعة كانوا على قناعة بأن “جيش المهدي” لا يمكن لوحده أن يدافع عن مصالحهم، بعد تفاقم الصراع وازدياد الهجمات مع السنة. فظهرت فكرة إنشاء تنظيمات شيعية مسلحة أخرى، بالتعاون مع إيران، لمواجهة التنظيمات السنية المسلحة كـ”تنظيم القاعدة” و”جيش الإسلام”، خاصة وأن التنظيمات السنية كانت تتهم الشيعة بتأييد “الإحتلال” الأمريكي للعراق.
وإيران، التي كانت تسعى لتقوية نفوذها في العراق، بدأت في دعم فكرة تشكيل تنظيمات شيعية مسلحة. وأول تنظيم مسلح تم تشكيله هو “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، وتنظيم “الجبناء” بزعامة أكرم الكعبي، ثم ظهرت على الساحة تنظيمات مسلحة أخرى. ورغم خوضها معارك مع التنظيمات السنية، إلا أن التنظيمات الشيعية كانت بحاجة إلى دعم شخصيات دينية شيعية معروفة.
في عام ٢٠٠٧ تهيأت الظروف لولادة “كتائب حزب الله العراق”، وتم تكليف جمال جعفر آل إبراهيم المعروف بأبي مهدي المهندس بتشكيلها. ويحمل المهندس ١٩ اسما حركيا، وله تاريخ طويل من العمل في تأسيس وتدريب الميليشيات الإيرانية المتطرفة، ما جعله يعمل مستشارا لقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وكانت واشنطن قد كشفت عن الأسماء الحركية ال١٩ للمهندس عندما أدرجته على لائحة العقوبات في عام ٢٠٠٩، ومن أبرزها جمال جعفر محمد علي وأبو مهدي البصري وجمال جعفر آل إبراهيم وجمال التميمي.
لعب المهندس دورا هاما في تنفيذ أجندة إيران في المنطقة وفي العراق، وبدأ العمل مع طهران منذ ٢٠٠٣، وقبل ذلك كان يعرف “كعنصر مفوض” من قبل إيران، بحسب تحليل نشره “معهد واشنطن” في ٢٠١٥.
كانت بداية تعاونه مع إيران عندما كان مع “حزب الدعوة” العراقي والذي تحالف مع “حزب الله” في تفجيرات استهدفت السفارات في الكويت عام ١٩٨٣ ومحاولة اغتيال أمير الكويت في ١٩٨٥.
تولى المهندس بعد ذلك قيادة “فيلق بدر” الذي يعد الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، حيث شارك في عمليات تخريب استهدفت النظام العراقي في حينها. وبعد الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، حصل المهندس على الجنسية الإيرانية وتسلم منصب مستشار سليماني.
سعى المهندس إلى تكرار تجربة حزب الله اللبناني في تشكيل كتائب حزب الله العراق، فتعاون مع قيادات عسكرية تابعة للحزب اللبناني وتابعة لقاسم سليماني لتدريب أفراد كتائبه في العراق. فأصبحت هذه الكتائب تحت إمرة سليماني والمهندس، وإدارتها المالية وشؤونها التسليحية والتدريبية خاضعة بالكامل للحرس الثوري الإيراني.
ساهمت هذه الكتائب منذ عام ٢٠١١ في الدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا، ودخلت في معارك مسلحة عديدة بالتعاون مع حزب الله اللبناني، وانيط لها مسؤولية حماية مطار دمشق.
بعد تأسيس الحشد الشعبي في العراق، لعبت كتائب المهندس دورا رئيسيا فيه. وأصبح ابو مهدي نائب رئيس الحشد. واشتهرت الكتائب بأنها التنظيم المسلح الأقوى في العراق. وكانت إيران تزودها بأكثر الأسلحة والصواريخ تطورا.
وبعد تطور الصراع بين الولايات المتحدة وإيران جراء انسحاب واشنطن من الاتفاقية النووية، واستهداف إسرائيل لبعض مخازن الأسلحة التابعة لكتائب المهندس في العراق، بدأت الكتائب باستهداف المصالح الأمريكية.
وإثر اندلاع الاحتجاجات في العراق في ٢٠١٩، تورط المهندس بإصدار أوامر لعناصر كتائبه بالاعتداء على المتظاهرين والتصدي لهم. ونشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قبل أسبوعين تقريرا يفيد بوجود قوات مسلحة “غير محددة” الهوية، يظهر تعاونا بينها وبين قوات الأمن المحلية والوطنية العراقية، تاركة خلفها الكثير من جرائم القتل الوحشية في بقعة الاعتصام الرئيسية في بغداد يوم السادس من ديسمبر.؛
وبحسب المراقبين، فإن تقديرات أعداد ضحايا الاحتجاجات في العراق تتراوح ما بين ٤٠٠ و٥٠٠ قتيل، بالإضافة إلى مئات الجرحى.
وكان لكتائب المهندس دور في مقتل متعاقد أمريكي وإصابة عدد من العسكريين الأمريكيين والعراقيين في هجوم صاروخي استهدف مدينة كركوك في شمال العراق قبل أقل من أسبوع، وأدى ذلك إلى قيام القوات الأمريكية باستهداف مواقع لكتائب حزب الله ما أدى ذلك إلى سقوط ٢٥ قتيلا من الكتائب.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت تجميد أصول كتائب حزب الله العراق والمهندس، لاعتبارهما يشكلان خطرا أمنيا في العراق. وأدرجت المهندس على قائمتها للإرهاب وفرضت عليه عقوبات مالية، وأعلنت تجميد أية أصول له.