لا يملك المطران عودة صاروخاً واحداً، وطائفته، الروم الأرثوذكس، ليسوا طائفة “ميليشياوية” تاريخياً! مع ذلك زلزلت ٣٢ كلمة (عدّا ونقداً) قالها في ذكرى استشهاد جبران تويني عروش قادة الميليشيا في.. “سراديبهم”!
قال أن “ما أخاف المسؤولين ولا يزال يخيفهم هو صوت الحق والحقيقة، صوت الشعب الجائع والمتألم، صوت كل محب للوطن”.
وشدد على أنه “مطلوب من الحكم والمعارضة التعالي فوق الـ”أنا” والأنانيات وسياسة الزواريب وتوحيد الموقف كي لا يصبح الجسم اللبناني تربة خصبة يستخدمها هذا أو ذاك”.
ثم، وهنا الـ٣٢ كلمة، أي بيت القصيد:
“اليوم هذا البلد يُحكم من شخص تعرفونه جميعاً ولا أحد يتفوّه بكلمة ويُحكم من جماعة تحتمي بالسلاح”. سائلًا: “أين الثقافة؟
وأضاف: أين العلم؟ أين المستوى اللبناني الّذي نفتخر به؟ شخص لا نعرف ماذا يَعرف، يتحكم بنا”.
تصويب مسار الثورة؟
“البلد يُحكم من شخص تعرفونه جميعاً ولا أحد يتفوّه بكلمة ويُحكم من جماعة تحتمي بالسلاح”!
هل أراد مطران الثورة، بهذه الكلمات الجارجة، أن يصوّب مسار الثورة التي ترفع شعار مكافحة الفساد والإصلاح، ثم تتجنّب تسمية “الشر الأكبر”، وهو مليشيا الإغتيالات الإيرانية المتحكمة بالدولة اللبتانية، ابتداءً من.. قصر بعبدا؟ أي، ما يسمّى “حزب الله”؟
هل ارتاح “الحزب” من بطريرك الموارنة مار نصرالله بطرس صفير (صاحب شعار “أين يقع قصر المهاجرين”؟) ليخلفه مطران بيروت لـ”الروم الأرثوذكس”؟
“الله روم” … يقولون!!
أول المحتجّين كان وزير الدفاع اللبناني، “القومي السوري”-العوني، الياس بو صعب، الذي “غرّد” على تويتر: “مؤسف ما سمعناه اليوم من كلام سياسي غير جامع وتخطّى المطالب الإجتماعية للمواطنين فزادت قناعتنا بأن لا خلاص للبنان إلا بدولة مدنية، فيكون هنالك فصل للدين عن الدولة”!
مسيو أبو صعب تذكّر “علمانية” المؤسّس أنطون سعادة، وتجاهل أنه لم يصل إلى وزارة الدفاع إلا برضى الملالي الإيرانيين!
كان المسيو بو صعب يفضّل ألا يتخطّى المطران عودة “المطالب الإجتماعية للمواطنين”! وألا يقول “كلاماً سياسياً غير جامع”! “خلونا بالعموميات” يا شباب!
هذا الكلام ليس بريئاً!
رئيس كتلة الحزب الإيراني في البرلماني محمد رعد ألقى “خطبة” متلعثمة لم نفهم أولها من آخرها سوى أنها تضمّنت الدرر التالية: “الصوت الذي يخرج ويقول هذا البلد يحكمه رجل واحد، وتحكمه جماعة واحدة تستقوي بسلاحها، بكل بساطة، لا نريد أن نفتح سجالا، هذا البلد أكبر وأهم من أن يُحكم من رجل واحد، مع تقديرنا واحترامنا واعتزازنا بهذا الرجل وعقله وحكمته ورشاده، لكن لأنه حكيم لا يسمح لنفسه بأن يحكم البلاد وفيها عقول أخرى وفيها مكونات أخرى، لكن هذا الكلام يصدر عمن يحاول أن يجهل الأسباب الحقيقية للأزمة، ومن يحاول أن يغطي ويبرر لمحاولة استهداف المقاومة في لبنان، وهذا الكلام ليس بريئا على الإطلاق“.
لماذا ليس بريئاً؟ الأرجح أن العقلية المخابراتية لحزب الإغتيالات “تلمّح” إلى زيارة قام بها وزير خارجية أميركا، برفقة السيدة زوجته “الأرثوذكسية” كما يقال، للمطران عودة!! “المؤامرة” انكشفت.
ماذا بين “عودة” و”صفير”؟
للذين يجتجّون على كلام المطران عودة، هذا التذكير بنعي متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده للبطريرك مار نصر الله بطرس صفير :
“برحيل المثلَّث الرحمة البطريرك نصرالله بطرس صفير، يفقد لبنان راعياً صالحاً وقائداً حكيماً وشخصيةً تاريخيةً تركت أثرها العميق في تاريخ لبنان المعاصر. كان لبنانياً صلباً في وطنيته، كبيراً في مواقفه، وحازماً في هدوئه. «طلعتُه مِثْــلُ لبنان، وهو مَهيبٌ كأرزِهِ» (نشيد الأنشاد 5: 15). لم يخف إلاَّ الله، وقد استلهمه في كلّ أقواله وأفعاله.
كان بطريركاً فريداً من نوعه. لم يكن يخصُّ الموارنة وحدهم، بل كان يخصُّ المسيحَ أولاً ثمَّ لبنان. تمسّك بمبادئه في أصعب الأوقات وأحلك الظروف. ودافع عن لبنان وحرّيته ووحدته واستقلاله رغم كل المخاطر، كأنّي به يصرخُ مع كاتب المزامير: «الربُّ معي فلا أخافُ ما يصنعُ بي الإنسان» (مزمور 105: 6).
البطريرك صفير قامةٌ وطنيَّةٌ في عصرٍ قلَّ فيه القادة الكبار. كان الصخرةَ الصلبةَ التي يلجأ إليها الجميع عند المحن. سيبقى ذكرُه خالداً في تاريخ لبنان وقلوب كل من عاصره وعرفه. لقد حمل لبنان في قلبه وعقله وضميره، ولعلَّه الآن يصلّي من أجله. رحمه الربُّ الإله وأسكنه بين الأبرار والقديسين وجعل ذكره مؤبداً. المسيح قام حقاً قام”.