في الوقت الذي ركزت فيه العديد من وسائل الإعلام الضوء على الصراع الدائر بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في السودان، لفتت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ في عددها الصادر يوم 10 يونيو الجاري إلى الرجل الثاني في هرم السلطة في الخرطوم ومساعيه الحثيثة لسرقة الثورة والتودد من المحتجين، بهدف الانقضاض عليهم أو انتهاج سياسة الجزرة والعصا.
مراسل الصحيفة، فابيان أوريش، قال إن محمد حمدان حميدتي معروف بأنه رجل بلا ضمير ولا هوادة ولعب دوراً جوهرياً في نزاع دارفور وكان الذراع اليمني للرئيس المخلوع عمر البشير. لكنه لم يتوان في شهر أبريل الماضي عن إسقاط قائده البشير ويُريد الآن السير على خطاه، مما يهدد بجر البلاد إلى عهد آخر من الإرهاب.
أوريش لفت إلى تصريحات حميدتي في نهاية أبريل الماضي، حيث قال صبرنا محدود، وقد كان، حيث سقط حتى الأسبوع الماضي أكثر من 100 قتيل في صفوف المتظاهرين، جراء لعملية الإخلاء الدموية (للمعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش) التي قامت بها قوات الدعم السريع سيئة السمعة.
بعض المراقبين يرون في زعيم ميليشيا الجنجاويد، البالغ من العمر 44 عامًا، الرجل القوي الجديد في السودان. أما بالنسبة لأولئك الذين يأملون في حصول تحول ديموقراطي، فهناك مخاوف من استيلاء حميدتي على السلطة، والسير على خطى الديكتاتور عمر البشير.
الصحيفة التي تصدر بالألمانية في زيورخ أشارت إلى قصة صعود حميدتي إلى هرم السلطة، عندما اندلعت الحرب في عام 2003 في دارفور، حيث انضم حميدتي، الذي فر مع عائلته العربية من تشاد إلى السودان عندما كان طفلاً إلى الجنجاويد، وهي ميليشيا مؤلفة من مقاتلين مدعومين من حكومة الخرطوم لمحاربة المتمردين. هذه الميليشيا لم تميّز بين المسلحين والمدنيين. وسرعان ما عُرف عنها شن هجمات دموية على القرى وارتكاب انتهاكات جسيمة.
حميدتي يصفه المراقبون بالذكي والطموح للغاية على الرغم من تعليمه البسيط وهو انتهازي مهوُوس بالسلطة، لذا لم يكن من المفارقة، أن يتخلى عن البشير، عندما شعر بأن رياح التغيير تهب وأنها ستقتلع معها رؤوس النظام. بعد ذلك بفترة وجيزة، أعرب حميدتي، الذي عرفه الكثير من السودانيين فقط كقائد حرب، عن تعاطفه مع المتظاهرين وتأييده لإجراء الانتخابات وبناء نظام ديمقراطي. لكن رهان حميدتي قد يكون خاسراً، فوصوله إلى النخبة السياسية في السودان غير مؤكد، إذ يظل الرجل كقائد للميليشيات “كيانًا غريبا لا يمكن التنبؤ بخطواته بالنسبة للنخبة السياسية” في الخرطوم.
في المقابل، يملك حميدتي العديد من المقومات التي يمكن أن تسمح له بالاستيلاء على السلطة. فالآلاف من مقاتلي قوات الدعم السريع موالون له، ولديه نفوذ عسكري وصلاته بالخارج جيدة، ولا سيما بالرياض، حيث أرسل العديد من مقاتلي قوات الدعم السريع إلى اليمن لدعم السعودية. وأخيراً وليس آخراً، تفيد مصادر بأنه جمع موارد مالية كبيرة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك من خلال السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
قبل سنوات، كتب أليكس دي، الخبير البريطاني في علم الأعراق والمطلع على الشؤون الإفريقية أن السياسة السودانية هي عبارة عن “صفقة مجموعة رجال يمتلكون المال والسلاح”. وإذا لم تغيّر الثورات الشعبية هذه المعادلة على الأرض، فإن فرص نجاح حميدتي “لا تبدو سيئة”.
سويس أنفو