لم يكن العنف الموجّه لوالدتها كافياً؛ فتحوّل الأب بكل جبروته نحو ابنته ضرباً وتعنيفاً، ثم طرداً من المنزل، لتسرح الفتاة في الشوارع، بحثاً عن مأوى يحميها، وعندما لم تجد اضطرت إلى النوم في حديقة عامة لمدة ثلاثة أيام، إلى أن جرى إنقاذها عن طريق متطوّعين..
هذه ليست قصة فيلم عربي، ولا جزءاً من مسلسل تركي؛ هذه قصة حقيقية، حصلت لمواطنة كويتية على أرض الكويت، والمصيبة أنها لم تتعدَّ سبعة عشر ربيعاً.
على الطرف الآخر، حدثت حادثتان في نفس اليوم، الأولى مسابقة ترفيهية في سوق المباركية، طُلب من خلالها من سيدات لفّ أنفسهن بسارٍ هندي ومحاولة تقليد رقصهم. والثانية شريط صوتي لامرأة كويتية تستنجد بصديقتها في حال خروجها من المستشفى بعد تعرّضها للضرب والتكسير من قبل أخيها. لكن، والحق يقال لم يسكت الشارع الكويتي، اعترض الشعب وهدد نواب مجلس الأمة وانتفض شيوخ الدين، ليس على مصير امرأة تتعرّض للتعذيب وتستنجد بالبشر، بل على امرأة هزّت كتفها في العلن.
كان صوت المرأة يحرق القلب، وهي تسأل: أين أذهب؟ لمن ألجأ؟ الطبيب نصحني بأخذ التقرير الطبي والذهاب إلى المخفر لتقديم شكوى ضد أخي، كيف أشتكي عليه وأعود إلى البيت؟ سيقتلني. يا ويل حالنا، ترعبنا امرأة تضحك ولا تهتز لنا شعرة أمام امرأة تولول وتستنجد. نفزع لهزة كتف، ولا نهتز لوجع امرأة لا تجد من ينقذها من براثن أب أو أخ أو زوج متوحش!
%53 من النساء في الكويت معنَّفات. هذه إحصاءات وليست كلاماً مرسلاً.
ربما تستغربون، وربما لا تصدّقون أن هناك آباء وإخوة يقومون بضرب بناتهم ضربا مبرحا يؤدي بهن الى غرفة الطوارئ، وعند سؤالهم يقولون ان الفتاة حاولت الانتحار ليتم زجها في مستشفى الطب النفسي والتخلّص منها. من يعيش منا في راحة وهناء لا يعرف أنه ربما في منزل في آخر الشارع هناك امرأة تقاسي الأمرّين على يد فرد من عائلتها، لكون الكثير من المعنَّفات يكتمن معاناتهن ولا يقدمن شكوى بها، إما خوفاً من عنف آخر وإما من الفضيحة وإما من غضب المجتمع.
تبشّرنا السلطات المعنية بقرب افتتاح مركز «إيواء» للمعنَّفات أسريا، لكن المركز لا يزال مجرد مبنى فارغ بلا موظفين، بينما في الأثناء تطوّع شباب وشابات كويتيون لمساعدة هؤلاء النساء وإيوائهن ومساعدتهن، مثل مجموعة «إيثار» التي تقف لمنع العنف ضد المرأة وتقديم كل المتطلبات القانونية والاجتماعية والاقتصادية لخدمة المرأة المعنَّفة. وحملة «منارة الكويت» التي تدعو الى حماية حقوق المرأة الكويتية من العنف بجميع أشكاله وتطالب بضرورة وجود مركز لإيواء المعنَّفات، ومجموعة «إلغاء المادة 153» التي تدعو إلى إلغاء قانون الشرف الذي يعطي للرجل حق قتل زوجته على «شبهات» مقابل عقوبة بسيطة، ما يخالف الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان.
العنف الأسري جريمة مسكوت عنها في المجتمعات الذكورية، بل وأحيانا مقبولة، لذلك لا بد من تفعيل قانون حماية الأسرة والاعتراف بأن العنف الأسري هو الأكثر شيوعا في المجتمع، وضحاياه عادة بلا صوت. ومع سكوت المجتمع المدني، تخاذل الكثير من أعضاء مجلس الأمة، وتكاسلت الحكومة.. لا بد أن نرفع أصواتنا لحماية بناتنا، فنحن نستحقّ الحماية.
dalaaalmoufti@
D.moufti@gmail.com