ليس هناك من تغيير جذري مُنتظر في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة وإيران قد يُفضي إليه فوز الديموقراطيين بأغلبية مقاعد مجلس النواب في الانتخابات النصفية لأول مرّة منذ 8 سنوات، حتى أن الكلام عن احتمال الذهاب إلى إجراءات لعزل الرئيس، بما يؤدي إلى اهتزاز وضعيته وأدائه وسياسته، فيه الكثير من المبالغات، وفق متابعين في الحزب الجمهوري من المنظرين بقوة لدونالد ترامب.
في الواقع، لم تكن مفاجئة خسارة الجمهوريين لأحد مجلسي الكونغرس. بالنسبة إلى هؤلاء كانت توقعاتهم تُشير إلى احتمال خسارة ما بين 34 و40 مقعداً، نتيجة تقاعد عدد من النواب وحلول مرشحين بوجوه جديدة مكانهم. في قراءتهم أن خسارة 34 مقعداً تعتبر غير مدوّية في مجلس النواب، كما حصل في الانتخابات النصفية أيام ولاية باراك أوباما الأولى، حيث خسر حزبه يومها أربعة وستين مقعداً. و«اليوم الانتخابي» كان جيداً للجمهوريين بحفاظهم على مجلس الشيوخ وفوزهم بستة مقاعد إضافية لمرشحين جاهروا بتبني سياسة ترامب.
والأهم أن «الموجة الزرقاء» لم تجرف حكام الولايات، بل جاء تأثيرها باهتاً، وحافظ الجمهوريون على الولايات المهمة، لا بل فازوا في ولايات متأرجحة، ما يشكل قاعدة جيّدة للعمل في الانتخابات الرئاسية العام 2020.
حتى أن كثراً من منظري ترامب، على غرار مدير التحالف الأميركي – الشرق أوسطي طوم حرب، لا يجدون ضيراً في فوز الديموقراطيين في مجلس النواب، إذ أن ذلك يجعلهم في موقع المسؤولية والمساءلة في آن، كون المسؤولية سلاحاً ذا حدّين. فيوم كانوا «معارضة» في الكونغرس، رفعوا الصوت في إطار لعبة الاستهلاك الانتخابي والسياسي. أما اليوم، فعليهم أن يواجهوا الشعب بشأن تداعيات أي قرار يصوّتون عليه في المسائل التي أحدثت جدلاً داخلياً، بمعنى هل يمكن أن يصوّتوا ضد التوازن التجاري مع الصين وحقوق الملكية الفكرية؟ حتى أنه لا يمكنهم أن يكونوا مع الهجرة غير القانونية والحدود المفتوحة. سيكونون أكثر ليونة في بعض التفاصيل ولكن ليس في الجوهر. وستكون هناك فرصة جدّية اليوم في اتجاه حل مشكلة عشرة ملايين مهاجر موجودين في البلاد بصورة غير شرعية، لأن الجميع يُريد أن يحل هذه المعضلة، حتى أن القضايا الاقتصادية تهمّهم وسيكونون حذرين جداً، ولن يقفوا ضد توقيع معاهدة مع كوريا الشمالية بشأن نزع سلاحها النووي.
أما احتمالات سير الديموقراطيين في إجراءات العزل على خلفية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، فالأمر يتطلب موافقة الكونغرس بغرفتيه. فإذا مرّ في مجلس النواب حيث الأكثرية للديموقراطيين، فلن يمرّ في مجلس الشيوخ ذي الأكثرية الجمهورية. والتجربة السابقة التي خاضها الجمهوريون ضد الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون انعكست، في نهاية المطاف، سلباً عليهم، وزادت من الالتفاف حول كلينتون.
اللافت لدى الفريق المؤيد لترامب هو اعتبارهم أن الانتخابات وضعت الرجل في «حالة ربح على الجهتين»، فإذا اتسمت المرحلة المتبقية من ولايته بالمراوحة نتيجة عرقلة الديموقراطيين، فإنه سيوظف ذلك في انتخابات الولاية الثانية ضمن عملية التحشيد والتعبئة، وإنْ استمر في تحقيق ما يراه قسم كبير من مؤيده بالإنجازات وإيفائه بالوعود، فسيُراكم النجاحات لصالحه. وهو استطاع في غضون سنتين أن يفي بالقسم الأكبر من الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.
وإذا كان بعض الأطراف الإقليمية ترقب نتائج الانتخابات النصفية، فذلك لم يكن بهدف قراءة التداعيات على السياسة الخارجية كون هذه الانتخابات تتناول قضايا ومسائل ذات بعد سياسي داخلي، لكن من شأنها أن تشكل مقياساً لحجم المزاج الشعبي والبناء عليه للمستقبل، ولعله ليس مشجعاً كثيراً لمناهضي ترامب!
الأمر المؤكد هو أن لا تبديل في الاستراتيجية الأميركية حيال المنطقة، لا بل إن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من الدعم لإسرائيل، ولن يكون النواب اليهود الديمقراطيون مناكفين إنما سيمحضون ترامب تأييدهم.
ولن يأخذ الحزب الديموقراطي جانب النظام الإيراني ويدافع عن دور أذرعه العسكرية. فالجمهوريون والديموقراطيون يتوحّدون على الدوام في كل ما يتعلق بأمنهم القومي وبمسائل الإرهاب. ومسألة «حزب الله» في هذا الإطار ليست هامشية، فقانون تعزيز العقوبات على «حزب الله» الذي أقرّه الكونغرس الشهر الماضي جاء بتوافق بين الحزبين. وليس الديموقراطيون أقل تشدداً حيال طهران وبرنامجها النووي، فيوم كان أوباما يفاوض على الاتفاق النووي، لم يكن يحظى بدعم جارف للاتفاق من قبل الديموقراطيين.
لا أوهام، في هذا الإطار، بأن العقوبات الأميركية على إيران – التي من المتوقع أن تتصاعد وأن يتمّ تقليص استثناءات الدول من حظر استيراد النفط الإيراني الذي شملته الحزمة الثانية من العقوبات، بما يضاعف من أزمتها الداخلية وضائقتها الاقتصادية – ترمي في نهاية المطاف إلى ليّ ذراع طهران والإتيان بها إلى طاولة المفاوضات من أجل تسوية شاملة لا جزئية على الملفات بما يُعيد تقويم سلوكها، وإن ذهب بعض الصقور في الإدارة إلى المغالاة في الحديث عن رغبة في تغيير النظام.
على أن الموضوع الذي يمكن أن نشهد فيه نوعاً من التأني والحذر هو موضوع إدراج «جماعة الإخوان المسلمين» على قوائم الإرهاب، فهؤلاء يلقون تعاطفاً من الديموقراطيين، حيث تُعتبر مجموعات الضغط المؤيدة لهم في أميركا قوية جداً وناشطة. وقد سبق أن أثار هذا الموضوع جدلاً في الكونغرس في زمن أوباما، ولم تكن الحسابات مؤاتية ولا الأرضية ملائمة لتمرير ذلك في الكونغرس خلال السنتين الماضيتين من سيطرة الجمهوريين.
وبالرغم ممّا تُشكّله «جماعة الإخوان المسلمين» من قوّة استقطاب في المنطقة، فإن أي تراجع في الاندفاعة تجاهها لا يُتوقع أن يُحدث تعديلات كبرى في سياسات المواجهة على مستوى الصورة الكبرى، ذلك أن المفاوضات حول غزة الدائرة برعاية مصرية بين إسرائيل وحركة حماس، أحد أذرع الإخوان، والمدرجة على لوائح الإرهاب، تسير وفق رهانات إبعاد «حماس» عن الحضن الإيراني وفتح نافذة، ولو ضيقة، ربما تُسهم في إحداث كوّة في جدار العداء المستحكِم مع «الإخوان» في المنطقة، على قاعدة إعادة استيعاب هؤلاء!