في حين أن الدروز قد اندمجوا بشكل كبير في قطاع الأمن الإسرائيلي، لم تجنِ مجتمعاتهم نفس الفوائد التي تحظى بها المدن اليهودية المجاورة
كان حوالي عشرات الآلاف من الدروز الإسرائيليين وأنصارهم قد ملأوا تقريبا أحد أكبر الأماكن العامة في المدينة، ميدان رابين، احتجاجا على موافقة الكنيست على قانون الدولة القومية شبه الدستوري.
حيث قال نمر، وهو جندي درزي متوسط العمر خدم في جيش الإسرائيلي قبل 26 عاما، في تلميح إلى القانون الجديد وهو يجلس على في مكان المتحدث ويمسك بعلم مجتمعه: “أشعر أن الحكومة قد تخلت عني”.
قانون الدولة القومية، الذي أقره الكنيست بتصويت 62-55 في 19 يوليو، يعرف إسرائيل بأنها “الوطن القومي للشعب اليهودي”، ويعترف بالأعياد وأيام الذكرى اليهودية، وأيضا يحدد اللغة العبرية كلغة وطنية للدولة ويتعهد بتشجيع الاستيطان اليهودي.
لم يتضمن التشريع أي إشارة إلى مساواة جميع المواطنين الإسرائيليين على غرار المساواة في إعلان الاستقلال الإسرائيلي – الذي تعهد بأن الدولة الوليدة “ستضمن المساواة الكاملة للحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس” – يالإضافة إلى أنه يمنح اللغة العربية مكانة خاصة أقل من اللغة العبرية.
وقال نمر إن القانون يدفع ابنه، الذي أكمل دراسته الثانوية مؤخرا، إلى التفكير مجددا في التجند إلى الجيش الإسرائيلي.
“إنه غير متأكد ما إذا كان لا يزال يريد الانضمام”، قال نمر. “إنه يتساءل عن سبب حماية الدولة التي تعتبره مواطنا من الدرجة الثانية”.
أما الدروز الإسرائيليون، الذين يتبعون فرعا من الإسلام الشيعي، فلا يمثلون سوى 1.61% من سكان إسرائيل البالغ عددهم 9 ملايين نسمة تقريبا، ويبلغ عددهم 143,146 نسمة تقريبا، ويعيشون في الغالب في قرى في شمال إسرائيل، لكنهم قدموا تاريخيا مساهمات كبيرة للخدمة العامة في البلاد، وخاصة في مجال الأمن.
متظاهرون دروز خلال مظاهرة ضد قانون الدولة اليهودية، في ساحة رابين في تل ابيب، 4 اغسطس 2018
سمير الأسعد، ضابط متقاعد يبلغ من العمر 51 عاما خدم في الجيش الإسرائيلي لمدة 22 عاما، قال إن القانون قد خذله.
“إسرائيل هي بلدي”، صرّح أسعد، أحد منظمي الاحتجاجات التي جرت في ليلة السبت، والتي جمعت ما لا يقل عن 50,000 إسرائيلي – درزي وغيرهم. “أنا فخور بأن أكون إسرائيليا، لكن هذا القانون جعلني أشعر بالإهانة”.
لم يكن الاحتجاج الذي جرى يوم السبت هو أول رد عام اتخذه الدروز الإسرائيليون منذ إقرار القانون. في وقت سابق من الأسبوع الماضي، أقام قادة المجتمع الدرزي خيمة احتجاج في ميدان رابين، وأعلن ضابطان درزيان من الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك نائب قائد وحدة قتالية، عبر موقع الفيسبوك أنهما كانا يعتزمان الاستقالة من الجيش احتجاجا.
وبينما اجتمع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع مجموعات من القادة الدروز الإسرائيليين لمناقشة مخاوفهم بشأن قانون الدولة القومية، استمر في الدفاع عن التشريع.
رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو (وسط الصورة) يلتقي بالشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، ووزير الاتصالات أيوب قرا (يسار الصورة) وزعماء دروز آخرين في مكتبه في القدس لمناقشة قانون ’الدولة القومية’ في 27 يوليو، 2018.
وفي اجتماع لمجلس الوزراء يوم الأحد، رفض نتنياهو انتقادات القانون، مجادلا بأن قوانين شبه دستورية أخرى تحمي حقوق كل فرد من الإسرائيليين. كما زعم أن القانون ضروري لضمان أن “إسرائيل لا تبقى ديمقراطية فقط، وإنما أيضا دولة قومية للشعب اليهودي، والشعب اليهودي وحده”.
لكن في محاولة واضحة لتهدئة المنتقدين الدروز، طرح مكتب رئيس الوزراء يوم الاثنين الماضي اقتراحا لوضع تشريعات منفصلة للترسيخ وضعية الدروز والشركس، وهي مجموعة أقلية أخرى تعمل بأعداد كبيرة في قطاع الأمن الإسرائيلي، وتوفير المزايا المالية لهم و للآخرين الذين يدافعون عن الدولة.
على الرغم من أن القادة في الطائفة الدرزية قد أبدوا بعض التعليقات الإيجابية حول مقترح رئيس الوزراء، إلا أنهم لم يستجبوا له رسميا.
وقال أكرم حسون، عضو البرلمان الدرزي من حزب (كولانو) في ائتلاف نتنياهو الذي صوت ضد تشريع الدولة القومية ووصفه بأنه “طعنة في الظهر”، أنه يعتقد أن هناك طريقتين محتملتين لمعالجة مخاوف المجتمع الدرزي.
عضو البرلمان الإسرائيلي عن حزب ’كولانو’ أكرم حسون خلال أدائه اليمين القانونية في الكنيست في القدس، 1 فبراير، 2016.
وقال حسون، وهو عمدة سابق في دالية الكرمل، أكبر قرية درزية في إسرائيل: “يمكن حل هذه المشكلة. إحدى الطرق هي إضافة إشارة إلى المساواة لجميع المواطنين الإسرائيليين في القانون الحالي، بما في ذلك حقهم في الاستقرار في أي مكان في إسرائيل وتعريف أنفسهم كجزء من الأمة الإسرائيلية. هناك طريقة أخرى تتمثل في تضمين هذه الإشارة إلى المساواة في قانون جديد”.
الروابط منذ عهد الإنتداب
تعود العلاقة بين الدروز واليهود إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948.
حيث أقام سكان بعض القرى الدرزية الذين كانوا يتصارعون مع جيرانهم المسلمين تحالفات مع اليهود في أيام الانتداب البريطاني في فلسطين، بحسب رامي زيدان، الأستاذ في جامعة كنساس والذي كتب على نطاق واسع عن تاريخ الدروز إسرائيل.
“كان كلا المجتمعين أقليات في ذلك الوقت”، قال زيدان. “وهكذا أقامت بعض القرى الدرزية تحالفات فردية مع المجتمعات اليهودية المحيطة بهم”.
في السنوات التي تلت تأسيس الدولة، أصبحت العلاقة أقرب. في عام 1956، تم تطبيق قانون التجنيد العسكري الإلزامي الإسرائيلي على الدروز، ما زاد من مشاركتهم بشكل كبير في الجيش.
ويقول زيدان إن قيادة الدروز آنذاك كانت مضطرة لقبول مبادرة الحكومة الإسرائيلية لتجنيدهم.
مضيفا: “لقد اتخذت الحكومة إجراءات مستمرة لإجبار القيادة الدرزية على إرسال أفرادها إلى الجيش. في الأساس، أوضحت الحكومة أن الطريق إلى دمج الطائفة الدرزية داخل إسرائيل سيأتي من خلال الخدمة العسكرية”.
غير أن بعض المؤرخين الآخرين يرون أن القيادة الدرزية هي التي اقتربت من الحكومة وطلبت منها أن تضم مجتمعها للخدمة العسكرية الإجبارية.
“لقد عرفت القيادة الدرزية أن الطريق الوحيد للتقدم الاقتصادي والتكامل كان من خلال الخدمة العسكرية”، قال غابي بن دور، الأستاذ بجامعة حيفا ومؤلف كتاب عن تاريخ الدروز في إسرائيل. “لذلك، طلبوا من الحكومة الإسرائيلية ألا تعفي مجتمعهم منها”.
على الرغم من اختلافهم حول التاريخ الدقيق للدروز في إسرائيل، يعتقد كل من زيدان وبن دور أن إسرائيل كانت ناجحة جدا في دمج الدروز في قطاعها الأمني.
يخدم الدروز في الوقت الحالي بمعدلات أعلى من اليهود في الجيش. وبحسب حسون، فإن ما معدله 84% من الدروز المؤهلين للجيش في السن ينضمون سنويارإلى الجيش، مقارنة بـ 72% بين اليهود. كما أنهم يشغلون العديد من المناصب الرفيعة في الجيش ويعملون في المناصب العليا في شرطة الحدود ودائرة السجون وغيرها من أجهزة الأمن التي تديرها الدولة. على سبيل المثال، اللواء كامل أبو ركن هو الرئيس الحالي لمكتب منسق الأنشطة الحكومية في المناطق الفلسطينية، وهو فرع وزارة الدفاع الذي ينسق مع الفلسطينيين وواحد من أهم الأدوار وأكثرها حساسية في كامل المؤسسة الأمنية.
ومع ذلك، في حين أن الدروز الإسرائيليين قد اندمجوا بشكل كبير في الأجهزة الأمنية، فإن مجتمعاتهم لم تجني نفس الفوائد مثل البلدات اليهودية المجاورة، حسب قول زيدان وبن دور.
الميزانيات المتعلقة بالرواتب والتعليم في البلديات الدرزية هي حاليا على قدم المساواة مع المجتمعات اليهودية، ولكن الميزانيات للبنية التحتية والتنمية على مدى عقود كانت ما بين 25-40% أقل من تلك اليهودية، وفقا لزيدان.
“عندما تمشي في قرية درزية، يكون من الواضح أن الدولة لم تستثمر نفس الاستثمارات في البنية التحتية في المدينة اليهودية المجاورة”، قال.
كما يعاني الدروز من نقص في الأراضي للبناء عليها، ولم تنشأ أية قرية درزية جديدة منذ تأسيس إسرائيل، رغم أن عدد سكانها قد تضاعف عشرة أضعاف، حسب قول بن دور.
وقال إن المتزوجون الجدد الدروز كثيرا ما يكافحون للعثور على أراض لبناء منزل في مجتمعاتهم.
من المقرر إنشاء أول مدينة درزية جديدة في تاريخ إسرائيل في الجليل الأسفل في السنوات القادمة. (لم يرد متحدث بإسم نتنياهو على طلب للتعليق على عدم المساواة في التمويل والجوانب الأخرى للعلاقة).
إن رد الفعل القوي من قبل العديد من الدروز الإسرائيليين على قانون الدولة القومية لا يعكس فقط إحباطهم من ذلك، حسب قول عضو الكنيست في حزب (كولانو) حسون، ولكن أيضا “بسنوات التمييز” التي عانت منها مجتمعاتهم.
“إن الدولة تعاملنا على قدم المساواة من حيث خدمتنا في الجيش، ولكنها تتعامل معنا كمواطنين من الدرجة الثانية عندما يتعلق الأمر بقضايا أخرى مثل الميزانيات والأراضي”، قال حسون. “ليس لدي أي شك في أن رد الفعل تجاه قانون الدولة القومية يتعلق أيضا بسنوات التمييز التي واجهناها”.