لكن هذه الفئة تشاركه استعباد الآخرين فيما هي نفسها مستعبدة منه. الفئة الاخرى التي تشاركه اضطهاد المواطنين هي “شيعة ايران” اللبنانيون. فهم أنفسهم مستغلين كغيرهم ويعانون الافقار الا انهم يستقوون على الباقين.
أيضا تسمية احتلال بمعناها التقليدي لا تنطبق تماماً على لبنان. فالمحتل عادة جيش أجنبي يمكنك أن تعيّنه بوضوح كعدو. لكن المحتل هنا مجازي، فهو أيضا مكوّن اساسي من مكونات النسيج الاجتماعي، لكن قراراته تمليها عليه دولة أجنبية مصالحها تتناقض تماما مع مصالح الدولة التي يحمل جنسيتها، وما كان ليخدمها بغير هذه الصفة. أيضاً تدعم الحزب فئات شعبية تخدمه لغير مصلحتها او مصلحة وطنها الفعلية.
تزداد صعوبة تعريف الوضع اللبناني مع الحزب، كونه يتسم بصفة أخرى، وهي أن قراراته تتخذ صفة القداسة، فهي “فتاوى” تستند إلى مرجع يعدونه ظل الله على الأرض.
إن اشتباك هذه المكونات جميعها، ينتج حالة سوسيو- بوليتيك مستجدة في العلوم السياسية والانسانية تحتاج الى فِرَق عمل بحثية متنوعة لدراستها كظاهرة جديدة.
لسان حال اللبناني، صاغته الصحافية فتاة عيد: “أمرار كتير بحس نحنا خلقنا بلبنان -حصرا- تا ننذل، ما في سبب تاني مبدئيا!”
ما يعيشه اللبناني استعباد من نوع جديد، فحتى الحيوانات وليس العبيد فقط، لها الحق بتأمين أساسيات بديهية: الأمن والغذاء والصحة. في حين عُرِّي اللبناني تماماً من أي حقوق مستوجبة لكائن حي.
مع ذلك يتشاطر علينا السيد. لكنه يخطئ اذ يعتبر انفجار المرفأ مسألة عابرة، أو “حادثة” كما يسميها، يمكن أن تمرّ. هو لا يزال في حالة إنكار لبديهية ان ما بعد 4 آب لن يكون كما قبله. ويخطئ إذ يعتبر أن بإمكانه الاكتفاء بالغطاء الذي شكله له حليفه العوني فلا يحتاج الى إجماع شعبي.
حتى هتلر نفسه يجد: أن القائد الذي يخسر الأرض ولا يخسر الشعب يستطيع أن ينهض وينتصر ، أما القائد الذي يكسب الأرض ويخسر الشعب ، فلا يمكن أن ينتصر أبداً.”
مؤخراً، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالردود العنيفة والموبِّخة لما سموه “عربدة جبران باسيل” بعد تصريحاته المستغربة التي “تُعرّف اللبنانيون من يعتّم عليهم”!! متهماً النواب!! الذين ارتكبوا خطيئة مصادقتهم المرة تلو الاخرى على السِلف المالية التي أخذها لوزارته واختفت في بالوعة الهدر.
وكان السيد باسيل، ذائع الصيت في أنحاء العالم والذي هوجم في كبريات محطات التلفزة كمتهم بالفساد، وضع نفسه تحت وصاية السيد نصرالله باسم الصداقة. والأخير لم يأل جهداً في الدفاع عنه وعن العهد الذي أوصلنا الى جهنم التي نعيشها.
وصحيح أن جهنم اللبنانية تفوق الخيال، لكننا نجد أن جميع البلدان التي “احتلتها” ايران بحسب تعابيرها، تعاني من الوضع نفسه.
مؤخراً وصف السيد مقتدى الصدر حال العراق بعد التحرير وفي ظل إيران وأزلامها كالتالي:
“بعد 18 سنة على التحرير، حصلنا علي برلمانات، نواب، وزراء والنتيجة: فقر وجوع وخوف ولا كهرباء ولا ماء ولا صحة، لكن صراعات. ولا حدود ولا سيادة ولا وطن، بل تبعية”.
يُنكر نصرالله ما يعترف به الصدر؛ بل وُيمعن، كما في خطابه الأخير، في تجاهل الانهيار ليظهر جبروته ويملي أوامره يمنة ويسرة، ويخوّن ويُرهب غالبية الشعب اللبناني. يستبق التحقيق فيهدد القاضي ويتهمه بالتسييس ويطالب بانهائه.
نجح حافظ الأسد في التحكم بسوريا لأكثر من 40 عاماً، ليس لأنه جعلها جهنماً؛ بل لأنه برع في استخدام سياسات واستراتيجيات وتكتيكات منوعة. وما أبقاه كل تلك الفترة حاكما مطلقاً على السوريين، تلخص بتأمين حاجاتهم الأساسية.
ينقل حنا بطاطو في كتابه عن فلاحي سوريا، ما قاله الأسد لسفير سوريا في الأمم المتحدة، “الناس لهم مطالب اقتصادية في الدرجة الأولى”، يتطلعون للحصول عليها: مثل قطعة أرض أو سيارة وما شابه، وهم مع من يستطيع تلبية هذه الحاجات بطريقة او باخرى”.
وصفه بطاطو، بأنه لا يتصرف باندفاع وهو صبور بعيد عن الأهواء ومرن وخبير بالمهارات التي تتطلب هدوءا ولعبا وراء الستار، وهو رابط الجأش في أوقات الازمات وبارع في إخفاء اهدافه الحقيقية، ولا يقرر إلا بعد فحص المسائل من كل زاوية ممكنة.
يفتقد السيد نصرالله مؤخراً لكثير من هذه الشروط والصفات التي سمحت للأسد باستغلال الشعب السوري لعدة عقود. صار كثير الظهور، لا يخفي غضبه ويتصرف كالحاكم المطلق، يناقض نفسه من خطاب الى آخر وأحياناً في نفس الخطاب. يتبجح بانه تابع ومتمول من إيران، ويرفض نعت الاخرين له بالإيراني.
الأهم انه لم يعد يستطيع التنصل مما وصلت اليه البلاد والعباد، بزعم التحرر من الاحتلال الذي كان سيحوّل اللبنانيين الى عبيد!!
لا ينتبه السيد نصرالله أن وضع اللبناني اسوأ من وضع العبد، وأنه نفسه يعامل اللبنانيين كالعبيد وبطريقة فجة. فكيف سيستقيم له الاستمرار في خططه في مثل هذه الشروط؟
فإذا كان على اللبناني أن يكون عبدا للإيراني بدلاً عن الإسرائيلي، فبئس الخيار.
برهنت ردود فعل الجمهور، من أحداث خلدة مع العشائر العربية، الى ردة فعل أهالي شويّا في هجومهم على رجاله مع راجمتهم، التي اختيرت مناسبة انفجار 4 آب موعداً لإطلاق صواريخها، وشعارات “إيران برا” التي تحملها جماهير ممن نزلوا ليقولوا ما قبل 4 آب لن يكون كما بعده. برهن كل ذلك ان الحزب بدأ يتعرّى من أوراق التوت، وأنه يفقد هيبته وأن قدرته على التخويف بدأت تتآكل. كيف سيخاف من فقد كل شيء ووُضع في زاوية العوز دون مقومات الحياة الأساسية؟
لآن لم يعد، أمام الحزب سوى اللجوء إلى سلاح التوتير وإفلات جيوشه الالكترونية لشحن الأجواء بواسطة التهديد والتحريض المذهبي، بما يستفز المسيحيين في حفلة شتائم غير مسبوقة للبطريرك الماروني، مرجع المسيحيين الديني، الذي كانت جريمته المطالبة بعدم تعريض لبنان لخطر حرب مع اسرائيل. داعياً الجيش الى منع اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان والتزام القرار 1701. مذكراً ان لبنان لم يوقع سلاماً مع اسرائيل، لكنه ملتزم رسمياً بهدنة 1949. إضافة الى المفاوضات المفتوحة مع اسرائيل لترسيم الحدود. هذه خيانة، بالمقابل يسمح نصرالله لنفسه بتجاهل الدولة ومعاهدتها، كي يفتح “قواعد اشتباك” على حسابه كما طالب العدو في خطابه الاخير ؟ ومع ذلك لا يعتبر نفسه محتلاً!!
ان حفلة التخوين البذيئة للبطريرك، تذكرنا بما كان يتعرّض له رفيق الحريري قبل اغتياله.
فإلى ماذا ستؤدي حملة الشيطنة الرعناء هذه؟ الى اغتيال جديد؟ او احتراب أهلي يسمح له بالاحتفاظ بسلاحه غير الشرعي الى الأبد؟
ينقل عن ماركس مقولة ان التاريخ يعيد نفسه مرتين، ولكن المرة الثانية تكون مهزلة.
monafayad@hotmail.com