يصعب اتهامي بالإعجاب بالإسلامويين أو أشباههم من أي دين توحيدي آخر. فأنا على النقيض من ذلك، حيث لم أُقصِّر يومًا بانتقادهم، أكان ذلك بالعبرية وبصورة لا تقلّ عن ذلك بالعربية.
افتتحتُ بهذه المقدّمة عقب الحرب التي شنها – بلا أى مبررات اجتماعية – أعضاءُ القائمة المشتركة ومناصروها على رئيس القائمة العربية الموحّدة، النائب منصور عباس من الحركة الإسلامية (يجدر الذكر هنا أننا من القرية نفسها، لكننا لم نلتقِ يومًا).
يصعب الطعن في الجزء الأول من هذه الجملة؛ لأنها حقيقة تاريخية. فقد وُلدت دولة إسرائيل جراء قرار التقسيم الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة. أما تحقُّق الجزء الثاني منها فيتعلق بالأغلبية الإثنيّة والدينية، فهي التي تحدّد بدورها طابع الدولة، أيًّا كانت تلك، لا قانونُ القوميّةٍ أو سواه. فإذا كانت الأغلبية في إسرائيل إسلامية، فلن تظل الدولة يهودية. بل ولن تستطيع أي محكمة تغيير ذلك الواقع، حتى لو كانت محكمة الابتزاز العليا.
تناولت تصريحات عباس علاقات العرب واليهود داخل دولة إسرائيل عند انتهاء النزاع وبقاء أقلية عربية في إسرائيل. أما وفيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، فيتبيّن من مراجعة أقوال أعضاء كنيست عرب سابقين أنّ تصريحات عباس تنسجم مع روح الأقوال التي تفوّهوا بها منذ أيّام الحزب الشيوعي الإسرائيلي السعيدة، منذ إنشاء دولة إسرائيل وحتى أيام الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التجمع الوطني الديمقراطي، وشركائهم في القائمة المشتركة – الذين لا ينفكّون اليوم عن السخرية من عباس ورفاقه.
وعليه، يجدر بنا تذكير من خانتهم الذاكرة ويحاولون الآن تضليل الرأيّ العام العربيّ بما نسوا. إليكم جزءًا من خطاب زعيم الحزب الشيوعي النائب توفيق طوبي في باريس خلال احتفالات الذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل: “باحتفالنا بإنشاء دولة إسرائيل، نحتفل بانتصار مبدأ حقّ تقرير المصير للشعب اليهودي على أرض إسرائيل” (“كول هعام”، 19 أيار 1949). وإن لم يكن هذا كافيا، فقد وعد النائب طوبي ومن على منصة الكنيست في تشرين الثاني عام 1949، سامعيه أنّ رفاقه مستعدّون لمحاربة جميع أعداء إسرائيل حيث صرح قائلا: “سنحارب من أجل استقلال دولة إسرائيل وسيادتها… لقد أثبتنا ذلك في الماضي وسنثبته مُجدَّدًا في المستقبل، سنحارب بما أوتينا من قوّة وإخلاص من أجل استقلال دولة إسرائيل، أمنها، وسيادتها” (“كول هعام”، 22 تشرين الثاني 1949).
من الجدير بالذكر أيضًا، أن ما ورد أعلاه كان موقف الشيوعيين حتى عشية حرب الأيام الستة، حيث صرحوا بما يلي: “لقد كُنّا وما زلنا ندعم حقّ شعب إسرائيل بالدفاع عن وطنه”. لم تصدُر هذه الكلمات عن سياسي أوروبي أو أمريكي، ولا عن مُناصر صهيوني ينتمي لدولة أجنبية أخرى. كما لم تصدُر عن مختار عربي تابع لـ”مباي” أو عن عضو في حركة “حيروت”. بل كانت كلمات القائد، الأديب العربي إميل حبيبي (“الاتحاد”، 21 كانون الثاني 1966).
يبدو أنّ الحرب التي شنّها جميع من ادعى انتماءه لليسار العربيّ على عباس، كان سببها احتلاله مكانهم. فقد صرّح زعيم التجمع الوطني الديمقراطي عزمي بشارة الذي كان حينها نائبًا في الكنيست: “ينبغي علينا الترويج لقضيتنا وللقضية الليبرالية – الديمقراطية، لا أن نتباكى”، وأضاف قائلا: “علينا ألا نبكي لأننا مُمزَّقون بين هويّاتنا أو لأننا مَنسيون، بل على العكس، علينا ألا نتنازل وألا نراوغ وأن نطالب بمساواة مدنية تامّة. وأن نكون، كعرب، جزءًا لا يتجزأ من الديمقراطية الإسرائيلية” (“هآرتس”، 25 تشرين الثاني 2002).
وعليه، فإذا كان الأمر كما جاء أعلاه، فيبدو أنّ عباس، الذي يحاول منتقدوه تشبيهه بالقزم، يقف على أكتاف “عمالقة” شقّوا له الطريق منذ قيام الدولة كي يصبح “جزءًا لا يتجزأ من الديمقراطية الإسرائيلية”. أليس كذلك؟
هآرتسFor Hebrew, press here