هل تعرفون قصة البيضة والدجاجة؟
وحاميها حراميها؟
هذه هي قصتنا مع الدعم في ظل هذا الحكم. منذ أن استلمت حكومة حسان دياب السلطة وأعلنت إفلاس لبنان، “لعجزها” عن دفع مستحقات اليوروبوند البالغة 1,2 مليار، ومسألة البطاقة التموينية للأسر المحتاجة مطروحة على بساط البحث كقميص عثمان. ففي ظل فقدان العملة لقيمتها والمبالغة بنهب اموال الناس بشتى الطرق؛ حطّ بنا الرحال في بئر أزمة تتفاقم باطراد منذ خضوع السياديين القدامى لابتزاز حزب الله والمجيء بالعهد الحالي الذي فتح علينا ابواب جهنم.
نتج عن هذا السيناريو، المفروض بقوة السلاح، الانتحار المفروض على لبنان.
منذ البداية ظلت المماحكات حول سؤال: هل نوقف الدعم أم لا؟ وكيف نوقفه قبل إقرار البطاقة التموينية؟ وكيف يمكن أن نطبقها دون تأمين التمويل؟ ومن أين؟
والدعم المزعوم كلف الخزينة 17 مليار دولار، دون أن تتوفر السلع المدعومة في السوق. فلم يستفد المواطن بقدر ما ذهبت أمواله لجيوب تجار السياسة والمحتكرين والموزعين. أما حصة الأسد فذهبت لإنقاذ اقتصاد نظام الأسد نفسه. فهو وسيلة إيران للهيمنة على البلدين.
هذا السيناريو الجهنمي حرم اللبناني من أمواله ومكّنهم من إفراغ الخزينة على عينك يا تاجر. فنقرأ في الصحف تحت عنوان “احتراق 225 مليون دولار”: أكد مصدر مالي، أن كلفة دعم المحروقات لشهر، بإمكانها تغطية كلفة البطاقة التمويلية، لا سيما وأن مبلغ ال 225 مليون دولار الذي أقرّه مصرف لبنان الأسبوع الماضي، قد احترق ولم يحلّ الأزمة بتاتاً، بل ذهب لجيوب المهرّبين”.
أفلسوا الدولة اللبنانية، لأنهم لم يجدوا 1,2 مليار لدفع فوائد اليوروبوند، لكنهم وجدوا 17 مليار دولار بددوها من أموال المودعين على دعم سلع مفقودة من السوق، وعلى رأسها النفط ومشتقاته والدواء والطحين … وسبق لسلامة أن أخبرنا أن وتيرة تهريب النفط الى سوريا منذ العام 2016 كانت بمعدل 4 مليار دولار سنوياً. ما يعني هدر 20 مليار دولار للنفط وحده على مدى 4 سنوات. ناهيك عن السلع الأخرى المدعومة بما فيها الدولار.
منذ البداية أبدى البنك الدولي استعداده للمساعدة شرط توفر الرقابة والشفافية كي يصل الدعم الى مستحقيه وليس الى جيوب المتنفذين وزبائنهم.
ولقد وافق البنك الدولي منذ مطلع العام الجاري، على مشروع جديد بقيمة 246 مليون دولار لدعم اللبنانيين. ولتقديم تحويلات نقدية وتيسير الحصول على الخدمات الاجتماعية لحوالي 786.000 لبناني. وسيتم تحويل المساعدات بواسطة بطاقة مسبقة الدفع تسمح بالحصول على المساعدات عبر ماكينات الصراف الآلي. كما ستُدفع الرسوم المدرسية بشكل مباشر إلى المدارس المعنية.
وسيستخدم المشروع آليات قياس مستوى الدخل الفعلي لتحديد الاسر المستفيدة بعد تقييم دقيق لكافة المستفيدين قبل إعلان أهليتهم للحصول على المساعدة. سيتم التعاقد مع برنامج الأغذية العالمي لتولي مهمة تنفيذ المساعدات النقدية.
ويرمي المشروع إلى إيقاف الزيادة في معدلات الفقر المدقع، والحفاظ على رأس المال البشري للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما الملتحقين بالمدارس الحكومية. كما يسعى إلى بناء منظومة وطنية مستدامة لشبكات الأمان الاجتماعي في لبنان.
حتى الآن لم تتم الموافقة على تطبيق هذا البرنامج، والأموال مجمدة والانهيار مستمر والأسر المتضررة والمحتاجة للمساعدة تزداد بإطراد. ارتفعت نسبة من يعانون من الفقر في آخر احصاءات للبنك الدولي الى 84%.
الملفت أن وسيلة النواب في التلاعب على الوقت لعدم إقرار البطاقة، تتخذ أشكال النقاش الدستوري والقانوني تحت قبة البرلمان. كي لا نظن ان حضرات النواب لا يألون جهداً لحل هذه المعضلة التي تحير العلماء. لكن بعض سيئي الظن يذهبون الى أن أسباب تأخير إقرار البطاقة، الرغبة المتجذرة في نفس يعقوب باللعب على سعر صرف الدولار لوضع اليد على الفرق بينهما، ولاستغلالها لرشوة الناخب اللبناني كعادتهم. فلقد بنوا زعامتهم على الزبائنية. و”الزعامة” هي للأفراد الذين في موقع سلطة ونفوذ ما يجعلهم قادرون على المساهمة في تقرير مصير الجماعة. آلية عمل هذه الزعامة تقوم على مبادلة الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والإدارية بالولاء السياسي والتبعية.
من هنا بازار البهلويانيات والمماحكات القانونية في مجلس النواب.
الملفت انهم في الوقت التي يعتدون فيه على الدستور والقوانين يومياً، نجدهم عند نقاش البطاقة التموينية يتحولون الى جهابذة في علم القانون ومراجع يتفوقون على رجال القانون المحترمين أمثال ادمون رباط وشبلي الملاط أو ادمون نعيم وحسن الرفاعي.
ان مراجعة بعض مداولاتهم في البرلمان، تجعلنا نصدق أن ما أعاقهم، ليس الكسل ولا التقصير ولا من أين نأتي بالأموال (وهي حكاية مضحكة أخرى)، لكن فقط دقتهم ونزاهتهم وحرصهم الشديدين على اتباع الدستور والقوانين بحرفيتها!!
سجّل النائب علي فياض في رفضه إقرار البطاقة:”… ملاحظة دستورية، اذ ان هناك مخالفة واضحة فهذا الاتفاق محال بموجب مرسوم عادي وقعه الرئيسان والوزراء المعنيون، في وقت ان المواد 53 و65 و18 من الدستور تنص على انها صلاحيات مجلس الوزراء. لذلك فان هناك مصادرة لصلاحية مجلس الوزراء. نحن ندرك تماما ان الظرف استثنائي وضروري ووو…، لكن هذا الامر يجب ان يتابع اخذا في الاعتبار سلامة التشريع!!”.
أيضاً النائب قاسم هاشم: “… هذا القرض متوافر لدينا للحصول على المبلغ الذي اصبح ضروريا في هذا الظرف. وعلى رغم كل الملاحظات التي سنعرضها لاحقا سيكون لنا بعض التحفظات عن بعض المواد التي تمكن معالجتها عبر ملحق… “..
واستفاض النائب امين شري، فعدا عن مطالبته باشراك عدة اطراف مثل الوزارة وبرنامج الغذاء الذي يطبع البطاقات ويوزعها ويختار السوبر ماركت والتعاونيات…. وأشار الى عدة مصادر للبيانات منها منصة وزارة الداخلية والبلديات. وسؤال كتلته “الوفاء للمقاومة” أي بيانات ستعتمد؟ .. مع العلم ان في الدولة مصادر عدة لتمويل العائلات الاكثر فقرا.. وهو عمل تستطيع وزارة الشؤون الاجتماعية ان تقوم به… مع العلم ان هناك بعض الملاحظات ووصاية دولية..” .. دون ان نعلم لماذا لا تقوم الوزارة بكل ذلك!!
أما النائب الان عون فيخاف على القدرة الشرائية ولا يقبل البطاقة دون ترشيد الدعم في نفس الوقت:” هذا القرض جزء من معالجة مالية واجتماعية …. ومن خطة متكاملة ويغطي الشق الاجتماعي لاننا ذاهبون الى ترشيد الدعم، مما يعني اننا سنفقد القدرة الشرائية… وأضاف: “هذا القرض جزء بينما نحن في حاجة الى خطة متكاملة، سؤالي للحكومة: اين اصبحت خطة ترشيد الدعم التي تبرر اعتماد هذا القرض؟”.
والنائب فضل الله، المتأبط لملفات الفساد ، قال: ” هناك محاولة لتمرير مشاريع بسرعة من دون تدقيق وتمحيص وتحسين الشروط لمصلحة المستفيدين بالدرجة الاولى…بين أيدينا مشروع في حاجة إلى نقاش جاد، لأن فيه ثغرات دستورية وقانونية وتعديا على الصلاحيات وهدرا كبيرا لأموال القرض تصل إلى اكثر من 10 ملايين دولار ووضع اليد على مؤسسات الدولة واستحداث توظيفات جديدة… في النص انه معاهدة دولية تعلو فوق الدستور والقوانين المحلية هناك خرق للدستور..”..
الآن أُتحفنا بولادة حكومة… لنر هل ستنهي مسلسل هذه النقاشات البناءة!! أم المزيد من الأمر نفسه؟
monafayad@hotmail.com