دأبت السلطات الإيرانية على اتهام قوى خارجية بأنها وراء جميع الاحتجاجات الداخلية التي حدثت لها، بدءا من احتجاجات الطلبة عام ١٩٩٩، ومرورا باحتجاجات عامي ٢٠٠٩ (الحركة الخضراء) و٢٠١٧، ووصولا إلى احتجاجات الأسبوع الماضي.
وقال نائب قائد الحرس الثوري الأدميرال علي فدوي أنه في حوزة إيران “أدلة تظهر تدخل السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا في إثارة الشغب والإضطرابات الأخيرة في البلاد، بناءً على المواقع الجغرافية للمحرّضين ضد النظام من شبكات التواصل الاجتماعي”. فيما قال قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي إن “جميع القوى العالمية حتى لو اتّحدت لن تكون قادرة على زعزعة صرح الثورة الإسلامية الراسخ قيد أنملة”.
لذا السؤال هو: لماذا تتهم طهران القوى الخارجية، ولا تشير إلى الأسباب الداخلية وراء الاحتجاجات؟
وفيما قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن سبب الاحتجاجات الرئيسي في إيران هو سوء إدارة النظام وليس العقوبات المفروضة من قبل بلاده، أكد مراقبون أن مجمل الاحتجاجات التي حدثت في إيران يمكن تصنيفها إلى صنفين أساسيين: اضطرابات سياسية، واضطرابات اقتصادية. وأنه يمكن تحديد أبرز سمات الاضطرابات السياسية في غلبة عناصر الطبقة المتوسطة عليها، وتركّزها في العاصمة طهران وبعض المدن الكبرى، وتمحورها حول مطالب إصلاحية وليست راديكالية، وأخيراً وجود قيادة محددة لها.
أما الاضطرابات الاقتصادية (والتي تنتمي إليها احتجاجات الأسبوع الماضي) فهي، حسب المراقبين، غالبا ما تكون مدفوعة بعوامل احتقان طبقي، وتغلب عليها الطبقات الفقيرة، وتنتشر في مختلف المدن والأقاليم، ويكون حضورها محدودا في العاصمة والمدن الكبرى، وتغلب عليها النزعة الثورية والراديكالية، وأخيراً، فإنّها عادة ما تفتقر لقيادة واضحة، وتندرج في إطار ما يسمى “الاحتجاجات العمياء” أو “المظاهرات دون رأس”، على حسب وصف المحلل محمد الزغول.
ويرجع الزغول أغلب أسباب الاحتجاجات الاقتصادية في إيران إلى عاملَين: الضغوط الاقتصادية الخارجية الناتجة عن سياسات النظام، وتبنّي الحكومات الإيرانية سياسات نيو-ليبرالية في مجال الاقتصاد الكلي التي تشمل “الخصخصة الاقتصادية والصحية”، و”خفض الإنفاق العام”، و”رفع الدعم عن البضائع الأساسية”، و”رفع الضرائب”، و”التقشف”. وأظهرت الاحتجاجات الأخيرة، حسب الزغول، أنّ “القاع الاجتماعي” بات مُهدِّداً رئيساً لاستقرار النظام بطيفيه؛ المحافظ والإصلاحي، وتتمظهر الانقسامات الاجتماعية بشكل حادّ في إيران على ثلاثة أسس، صراع الأرياف والمدن، وصراع الطبقات، والصراع الجندري (صراع النوع بين الرجل والمرأة).
وفي خضم هذه الوقائع، على الأرض، التي تفسّر أسباب الإحتجاجات في إيران، تتجاهل السلطة في طهران أغلب تلك الأسباب، أو تنقسم تجاهها، وعادة ما يركّز الطرف القوى والغالب فيها والمنتمي إلى جناح مرشد الثورة، كـ|بيت المرشد”، وقيادات الحرس الثوري، وأئمة صلاة الجمعة، ومجلس الخبراء، إلى اتهام العامل الخارجي بالوقوف وراءها، متعمدا تجاهل الأسباب المادية والموضوعية المرتبطة عادة بالإحتجاجات التي تحصل عند مختلف شعوب العالم، وخاصة العامل الاقتصادي. وهذا التعمّد مردّه تجاوز الاعتراف بفشل السياسات الخارجية والداخلية المتبناة من قبل النظام، والقائمة على ثوابت أيديولوجية لعل أبرزها السعي إلى تصدير الثورة من أجل الوصول إلى هدف التوسع والهيمنة.
وبما أن أيديولوجيا النظام الإيراني تمنعه من تغيير سياساته تلك، فهو يتشدد في التمسك بالعامل الخارجي إلى جانب تقوية قبضته الأمنية ضد المتظاهرين، على أمل أن ذلك قد ينقذه من أي تراجع في سياساته ومن ثَمّ من التغيير. غير أن الاحتجاجات الاقتصادية، وعلى عكس الاحتجاجات السياسية التي لم تُحدِث تغييراً مهماً في خريطة القوى السياسية، من شأنها، حسب الزغول، أن تُحدِث هذا التغيير،
ومن المرجَّح، وفق هذه الرؤية، أنّ تتواصل الاحتجاجات الاقتصادية في إيران، وتتفاقم نظراً لدوام تردّي الحالة الاقتصادية، واستمرار الإصلاحات النيوليبرالية، واستمرار العقوبات الاقتصادية.