ترجمة/ فاطمة العثمان
صنفت الحشود المناهضة للحكومة الإيرانية، والتي نزلت إلى الشوارع في جميع أنحاء إيران في السنوات القليلة الماضية، المرشد الأعلى علي خامنئي على أنه العدو الحقيقي للشعب، واصفة إياه بـ “القاتل” وقيادته بـ “غير الشرعية”.
وتواجه القيادة الإيرانية التي يغلب عليها رجال الدين أعمق تحدياتها منذ عام 2019، فقد أصبحت الشعارات التي تم ترديدها ضدخامنئي البالغ من العمر 83 عاماً راديكالية بشكل متزايد، حيث كانت تصل في بعض الأحيان إلى استعمال البذاءة الجنسية.
هتف الطلاب في جامعة الشريف للتكنولوجيا بطهران “خامنئي قواد” و “F … k القيادة”، ومن بين الشعارات الأخرى التي سمعت خلال موجة الاحتجاجات المستمرة، “عارنا هو قائدنا غير الكفوء” و “الموت للديكتاتور سواء كان شاهاً أو آية الله”.
في غضون ذلك، يبدو أن المتظاهرين استهدفوا أعضاء آخرين في القيادة الإيرانية مثل الرئيس إبراهيم رئيسي، وهو نفسه متشدد يخضع لعقوبات غربية بسبب مزاعم بانتهاكات حقوق الإنسان عندما كان قاضياً.
حقيقة أن المحتجين يركزون غضبهم على خامنئي ليست مفاجأة، إذ كان للمرشد الأعلى الكلمة الأخيرة في جميع شؤون الدولة في إيران لأكثر من ثلاثة عقود. وخلال فترة حكمه، حافظ على إحكام قبضته على سياسة البلاد وقواتها المسلحة، ولجأ أحياناً إلى العنف الشديد لقمع التحديات التي تواجه النظام الحاكم.
ونتيجة لذلك، يلومه المحتجون الإيرانيون على كل ما يحدث، سواء كانت إحباطاتهم ذات طبيعة اجتماعية، أو سياسية، أو اقتصادية.
رد فعل خامنئي المتأخر على الاضطرابات
تباطأ خامنئي في التعليق العلني على الاحتجاجات المستمرة التي اندلعت بسبب وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا في المستشفى في 16 سبتمبر/أيلول، بعد ثلاثة أيام من اعتقالها بزعم ارتدائها الحجاب، أو غطاء الرأس، بشكل غير لائق.
وسط تكهنات بشأن صحته، تناول خامنئي الاضطرابات في خطاب ألقاه أمام الخريجين العسكريين في 3 أكتوبر، حيث ألقى، وليس مفاجئاً، باللوم على الولايات المتحدة، وإسرائيل، والإيرانيين في الخارج، لتدبير الاضطرابات، كما أشار إلى أن قمع المظاهرات سيتصاعدإذا استمرت.
وفي كلمة أخرى، اتخذ موقفاً أكثر تشدداً، قائلاً إن المتظاهرين “المتحالفين مع العدو” يجب “التعامل معهم من قبل السلطات القضائيةوالأمنية” الأمر الذي اعتبر ضوءً أخضراً لقوات الأمن للجوء إلى العنف ضد الحشود المتظاهرين.
في السنوات الأولى للثورة
قبل الثورة الإسلامية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1979، كان خامنئي يُعتبر رجل دين فكرياً مهتماً بالشعر والموسيقى، وحارب ضد حكم الشاه. لكن شخصيات أخرى مثل حسين علي منتظري، وأكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمود طالقاني، ومحمد حسين بهشتي تمتعت بمكانة أعلى بين رجال الدين الثوريين.
بعد وصول آية الله الخميني، الأب المؤسس للثورة، إلى السلطة، كان خامنئي جزءًا من ثلاثة رجال دين شباب كانوا يُعتبرون الحكام غيرالرسميين لمدينة “مشهد” المقدسة.
ورفع خامنئي لاحقًا مكانته بين حكام إيران الجدد عندما تم تعيينه إمامًا لصلاة الجمعة في طهران وعضواً في المجلس السري للثورة الإسلامية. وارتفعت مكانته أكثر بعد موجة الاغتيالات التي استهدفت العشرات من مسؤولي الجمهورية الإسلامية. هو نفسه أصيب بجروح بالغة في هجوم بالقنابل على مسجد في طهران في يونيو 1981، ألقي باللوم فيه على جماعة متمردة يسارية، وقد أصابته الحادثة بشلل في ذراعه اليمنى.
في 29 أغسطس من ذلك العام، مع زيادة مصداقيته بين قادة إيران، تمت ترقيته إلى منصب السكرتير العام للحزب الجمهوري الإسلامي الحاكم، الذي ساعد الخميني في إقامة ثيوقراطية في إيران.
الرئاسة، اختلافات مع الخميني
كانت علاقات أبو الحسن بني صدر، أول رئيس منتخب للجمهورية الإسلامية، متوترة مع الحزب الجمهوري الإسلامي، وعُزل من قبل البرلمان في يونيو 1981، ولقي خليفته، محمد علي رجائي، مصرعه في انفجار قنبلة في أغسطس.
أتت الانتخابات الرئاسية في أكتوبر بخامنئي إلى الرئاسة في وقت كان فيه ما يسمى بالجناح اليساري للحركة الإسلامية يتمتع بأغلبية في البرلمان. واضطر خامنئي، المنتمي لليمين، لاختيار شخصية من الجانب الآخر، مير حسين موسوي، كرئيس للوزراء، واختلفت وجهات نظر الرجلين في العديد من القضايا، لكن الخميني أجبر خامنئي على إعادة تعيين موسوي في منصبه عندما بدأ ولايته الثانية في عام 1985.
حدثت هذه التطورات وسط خلافات محتدمة حول حدود سلطة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، وتم تكريس فكرة ولاية الفقيه- وهو نظام حكم متجذر في الإسلام الشيعي يبرر حكم رجال الدين على الدولة= في الدستور مع تولي الخميني دور المرشد الأعلى حتى وفاته.
في رسالة مفتوحة موجهة إلى خامنئي في عام 1988، اتهم الأب المؤسس للجمهورية الإسلامية الرئيس بالفشل في فهم فكرة ولاية الفقيه، وكتب أن المرشد الأعلى يمكنه إصدار فتاوى مثل أنبياء الله. كانت الرسالة مكلفة للغاية من الناحية السياسية بالنسبة لخامنئي، الذي كتب إلى الخميني قائلاً: “أنت واحد من الأشخاص القلائل الذين يلمعون مثل الشمس”.
المرشد الأعلى خامنئي
بعد وفاة الخميني في يونيو 1989، اختار مجلس رجال الدين، الذي تألف من نخبة من الخبراء، خامنئي ليكون المرشد الأعلى الجديد، على الرغم من أنه لم يصل إلى المرتبة المطلوبة بين رجال الدين الشيعة التي نص عليها الدستور.
منذ ذلك الحين، اتخذ خامنئي باستمرار مواقف متشددة بشأن الشؤون الخارجية، ووسع بشكل تدريجي سلطات الحرس الثوري الإسلامي مع ترقية القادة الموالين له.
أربعة من الرؤساء الخمسة الذين خدموا في ظل حكمه المطلق شكلوا تحديات لسلطته.
انتخب أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس البرلمان السابق وأحد المقربين من الخميني، رئيساً بعد أن تولى خامنئي رئاسة الجمهوريةالإسلامية، وعارض خامنئي بعض سياسات الرئيس، بما في ذلك في المجالات الثقافية، مما أدى إلى استقالة وزير الثقافة والإرشادالإسلامي، محمد خاتمي، وتم إجراء تغييرات أخرى في مجلس الوزراء والمكاتب الحكومية العليا.
وفي عام 1995، أسس أعضاء مجلس الوزراء الإصلاحيين التنفيذيين “حزب البناء الإيراني”، والذي مثل أقلية قوية في البرلمان المنتخب في العام التالي. وفاز خاتمي، مرشح هذا الحزب والجناح اليساري، في الانتخابات الرئاسية عام 1997 التي دعم فيها حلفاء المرشد الأعلى المنافس الرئيسي لخاتمي، علي أكبر ناطق نوري.
قمع المعارضة
أثناء توليه منصبه حتى عام 2005، دفع خاتمي باتجاه الانفراج مع الغرب، والمزيد من الحرية الاجتماعية والسياسية في إيران، لكن خامنئي وحلفاءه عرقلوا الكثير من إصلاحاته، وفرضوا ضغوطا على إدارته وسجنوا شخصيات سياسية، وأغلقوا صحفاً إصلاحية.
وخضع رئيس بلدية طهران، غلام حسين كرباستشي، للمحاكمة وحكم عليه بالسجن أربع سنوات بتهم فساد، علماً أنه يُعتبر اصلاحياً سياسياً وحليفاً وثيقاً لخاتمي.
وأقال البرلمان وزير الداخلية عبد الله نوري من منصبه واضطر وزير الثقافة عطاء الله مهاجراني إلى الاستقالة بسبب ضغوط شديدة.
وابتداء من أواخر عام 1998، اغتيل عشرات المعارضين والمثقفين على يد عملاء وزارة المخابرات، فيما أصبح يعرف باسم سلسلة جرائم القتل. وفي يوليو 1999، هزت إيران ستة أيام من أعمال الشغب التي اندلعت بسبب مقتل طالب جامعي على يد الشرطة، في أعقاب احتجاج على إغلاق صحيفة إصلاحية، كما قُتل ثلاثة أشخاص على الأقل و”اختفى” العشرات من الطلاب في حملة السلطات على المتظاهرين.
وفي عام 2003، تم استبعاد العديد من المرشحين البرلمانيين الموالين لخاتمي من قبل مجلس صيانة الدستور، وقاطعت “جبهة المشاركة الإسلامية الإيرانية”، وهي الحزب السياسي الرئيسي المؤيد للرئيس، التصويت.
احتجاجات حاشدة ضد النظام
في هذا السياق، أعلن فوز المحافظ محمود أحمدي نجاد، الذي كان يعتبره البعض من رعايا خامنئي، في الانتخابات الرئاسية لعام 2005، وواجه انتقادات متزايدة بشأن إدارة حكومته للاقتصاد، وقرارات السياسة الخارجية، ثم اختلف مع المرشد الأعلى بعد أن قيل إنه حاول زيادة سلطاته.
وأثارت إعادة انتخاب أحمدي نجاد المتنازع عليها في عام 2009 ثمانية أشهر من الاحتجاجات، الأكبر منذ الثورة الإسلامية، إلا أن خامنئي أصر على أن نتيجة الانتخابات كانت صحيحة، وأمر بشن حملة على الحركة الخضراء شهدت مقتل العشرات من أنصار المعارضة واعتقال الآلاف.
وتفاوض حسن روحاني، المعتدل الذي تولى منصبه عام 2013، على اتفاق نووي تاريخي مع القوى العالمية بموافقة خامنئي، لكن المرشد الأعلى قاوم جهود الرئيس لتوسيع الحريات المدنية وإصلاح الاقتصاد.
وتفاقمت المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها العديد من الإيرانيين بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي في 2018، وأعادت فرض العقوبات على إيران، مما أثار احتجاجات حاشدة من ديسمبر 2017 إلى يناير 2018.
وشهدت إيران أيضًا موجة من الاحتجاجات الجماهيرية في نوفمبر 2019، ما أدى إلى حملة قمع دموية من قبل قوات الأمن راح ضحيتها مئات الأشخاص.
انتخاب رئيسي ومسألة الخلافة
في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، تغلب رئيسي على مجال ضيق من المرشحين المحافظين في الغالب، في تصويت تميز بالدعوات إلى المقاطعة، وانخفاض نسبة المشاركة تاريخياً، الأمر الذي وفّر مادة دسمة لمنتقدي قيادة البلاد. ومع ذلك، وصف خامنئي التصويت بأنه هزيمة”للدعاية المعادية” وأشاد بحضور الشعب “الملحمي والمتحمس” في التصويت.
وبالنظر إلى عمر خامنئي وتدهور حالته الصحية، كان السؤال حول من قد يخلفه كمرشد أعلى موضع تكهنات لا تنتهي. وفي وقت من الأوقات، ورد أنه فضل “رئيسي”، لكن الأمر متروك لمجلس الخبراء لاختيار مرشد أعلى جديد.
في غضون ذلك، يأمل بعض المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع هذه الأيام أن تؤدي وفاة خامنئي إلى تغيير النظام.