يبدو أن البعض ممن حصلوا على شهادات علمية رفيعة، هم أخطر على أمن المجتمع بكثير من أولئك الذين لم يكملوا تعليمهم.
هذا ما تكشف عنه الكوارث حين تحل بالمجتمعات. فبعض الحاصلين على تعليم علمي رفيع، وعادة ما يسمون بمسميات معروفة، لا يتردّدون في تحليل كارثة فيروس كورونا بصورة سطحية بعيدة عن العقلانية، كتحليلهم لانتشار المرض بأنه مجرد “حرب جرثومية” تقودها الولايات المتحدة ضد منافسيها وأعدائها، ويأبون إلا أن يغلقوا عقولهم أمام الأسباب العلمية والاجتماعية لانتشار المرض الذي بات يطرق أبواب أكثر الدول.
فيما البعض الآخر من أصحاب هذه الشهادات بذلوا جهدا لكي يوجّهوا بوصلة أسباب المرض وعلاجه باتجاه المدرسة الدينية ونحو خطابها الغيبي والأسطوري.
ففي الوقت الذي كان يجب أن يعوّل أفراد المجتمع على أصحاب هذه الشهادات لكي يوظفوا تحصيلهم العلمي في معالجة كورونا وآثاره، أو في توجيه الناس للإستفادة من مختلف العلوم لمواجهة المرض ودرء مخاطره، بات البعض يلعبون دورا مباشرا في تجهيل الناس، إما من خلال عرض المسألة وكأنها مؤامرة سياسية وصراع نفوذ بين قوى دولية، أو بتوجيه الناس نحو الحلول المناهضة لكل صور العقلانية.
وعليه نتساءل: أين يمكن أن تكمن خطورة هذا النوع من الرؤى والتفكير؟
تكمن الخطورة في أن الفرد الأكاديمي والمتخصص قادر على استخدام أدوات العلم بالصورة الصحيحة وفي المواقع والظروف التي يتحتم على العقل العلمي أن يلعب الدور المنوط به لخدمة الإنسان والبشرية والحياة، لكنه يأبى إلا أن يتجاهل هذا الدور بشكل ساذج بتأثير من الرؤى الغيبية، أو بشكل فج وبعيد عن المنطق بتأثير من السيناريو المؤامراتي المستند إلى الأهواء الأيديولوجية.
أما الذي لم يكمل تعليمه فإنه في غالب الأحيان ينطلق في مواقفه من أرضية شعبية عاطفية، فيمكن تَوَقُّع مواقفه واعتبارها طبيعية. لكن في مقابل ذلك، لا يمكن توقع نفس هذا الموقف من قِبل الحاصل على تعليم علمي مرتفع، خاصة حينما يخضع للأهواء الأيديولوجية أو حينما يستسلم للرؤى الغيبية.
وقد نتساءل مجددا: لماذا تصدُر من الحاصل على شهادة علمية رفيعة مثل هذه المواقف غير العلمية وغير المنطقية؟
قد تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى الاستعانة بدراسات نفسية واجتماعية، بل وأيضا بيولوجية، من أجل فحص ذهن هذا الفرد والتدخّل في أعماق شخصيته وتحليل مواقفه. لكني أعتقد بأن الجانب الهوياتي لعب دورا أساسيا في تشكّل مثل هذه المواقف، وأقصد بذلك أن هذا الفرد، العربي والمسلم، ومهما حصل على شهادات علمية رفيعة، تظل مواقفه متأثرة بانكسار هويته الدينية والعربية في ظل الهزائم العديدة التي تعرض لها مشروعه العروبي أو الإسلامي، لذا بات الطريق المنطقي العلمي منغلقا أمامه باعتباره شخصية انهزامية، في مقابل انفتاحه على مهاجمة الغرب الكافر والمستعمر والإمبريالي من جهة، أو لجوئه إلى هويته الغيبية الأسطورية من جهة أخرى.
حتى لو كان الظرف المشترك المؤدي إلى هذا الإنهزام وهذا الإقحام للدين والسياسة هو مرض كورونا!
fakher_alsultan@hotmail.com
*كاتب كويتي