(الصورة: ديكارت فيلسوف، وعالم رياضياتي وفيزيائي فرنسي من القرن الـ١٧، من الشخصيات الرئيسية في تاريخ الثورة العلمية)
الأوروبيون لا يتميزون عرقيًّا ولا ثقافيًّا عن بقية الأمم فقد خضعوا أكثر من عشرة قرون لتحَكُّم الكنيسة وكانوا مستسلمين لهذا التحكم ثم فجأة هبوا من سباتهم الذليل الطويل وراحوا يجوبون العالم ويتحكمون بالأمم ويستعمرون الشعوب ويواصلون حركة التغيير….
لقد تضافرت مجموعة من العوامل جعلتهم يتحررون نسبيًّا من أطواق ورواسب وقيود التاريخ: أول هذه العوامل المستفزة أن الجيوش التركية طرقت أبواب عاصمة الامبراطورية المقدسة فينا فشعر الأوروبيون بالتهديد الحقيقي في وجودهم ليس هذا فقط بل لقد أُوصِدَتْ أمامهم أبواب التواصل مع العالم….
هذا التهديد وهذا الإغلاق دفع كولومبس إلى مغامرته المعروفة للبحث عن طريق آخر للتواصل مع الصين ومع العالم وقد أحدث اكتشاف أمريكا هزة فكرية مزلزلة شملت أوروبا كلها….
ثم اكتشف كوبرنيكوس أن الأرض ليست سوى كوكب يدور حول الشمس فأحدث بذلك زلزالًا فكريًّا آخر….
ثم جاء ديكارت ليعلن نظريته في المعرفة حيث شكك بالموروث ودعا كل إنسان بأن يضع محتويات ذهنه موضع المساءلة والفحص والتحقق ….
ثم أعلن مارتن لوثر انشقاقه عن الكنيسة ووقف بجانبه أمير سكسونيا وأمراء ألمان آخرون وأسفر الانشقاق عن تقسيم أوروبا إلى شمال يدين بالبروتستانتية وجنوب بقي على الكاثوليكية…..
ثم توالت الهزات الفكرية والاكتشافات العلمية التي غيرت التفكير وقوضت الثوابت….
إن حشو الأذهان بالمعلومات لا يحقق نتائج إيجابية وإنما المطلوب تغيير طريقة التفكير وتهيئة الأذهان لقبول التغيير ومواصلة الارتقاء.
ومع ذلك فإن الشعوب الغربية لم تتحول إلى شعوب عقلانية وإنما هم محمولون بمركبة عقلانية قوامها المؤسسات العقلانية والنظم والقوانين…..
* إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان البليهي كاتب ومفكر عربي سعودي. عين عضواً في مجلس الشورى السعودي.
*
إقرأ أيضاً:
نِعَم اللاهوت العقلاني: الإيمان المسيحي بالتقدّم كيف أدّت المسيحيّة إلى الحرية، والرأسمالية، ونجاح الغرب
في مذكرات وزير خارجية فرنسا في عهد شارل ديغول، “ألان بيرفيت”، أن رئيساً إفريقياً بدأ مقابلته مع ديغول في قصر الإليزيه بالحديث عن إعجابه الشديد بفرنسا لأن “فرنسا بالنسبة لنا هي الثورة الفرنسية”! ردّ ديغول: “مسيو، فرنسا هي ديكارت”!
Fكلام واقعي وصحيح يذكرنا بثورات وانتفاضات فكرية اثرت على المجتمعات حتى يمنا هذا ، اكثر مما اثرت الحروب والقنابل
الاجرامية…
اذا أفضل سبل التطوير والتغيير والتقدم والحرية هو العلم والانعتاق من التفكير المتحجر