فور استشهاد الرئيس رفيق الحريري صرخ المشيعون في شوارع بيروت “ابو بهاء، أبو بهاء“، في ما يشبه المبايعة لنجله البكر “بهاء” لتولي شؤون البيت السياسية بعد استشهاد والده. وهي عادة قبلية تقضي بإلباس “العباءة” للإبن الاكبر سنا، وفي حالة آل الحريري، كان بهاء (مواليد ١٩٦٦) بحكم العرف هو الوريث السياسي لوالده. وهو أطل على المشيعين حينها محمولا على الاكتاف، الى أن قضى الله أمرا كان مفعولا، وآل الإرث السياسي للرئيس الشهيد رفيق الحريري الى نجله سعد.
قيل حينها ان المملكة العربية السعودية هي التي عملت على تسليم سعد الحريري مقاليد البيت السياسي، وإقصاء شقيقه الاكبر بهاء! وقيل وقتها ايضا ان بهاء الحريري عصبي المزاج، ولا يقدر العواقب، وان “سعد” الذي كان والده اوكل اليه إدارة امبراطوريته المالية، أي شركة “سعودي اوجيه“، وانصرف هو لادارة الحكومة اللبنانية وورشة الاعمار، ما أعطى سعد الحريري ثقة حكام المملكة، لانه حاز ثقة والده.
وقبل تولي الرئيس سعد الحريري مقاليد البيت السياسية، كان مقعد الرئيس الشهيد محط انظار أرملته نازك التي جلست ذات يوم على كرسيه في مكتبه في قريطم بحضور عدد من الصحافيين، وتوجهت اليهم بالقول “الناس يطالبونني بتولي مقعد الرئيس الشهيد” في محاولة لتسويق نفسها كخلف لزوجها الشهيد.
في حين لم تغب عن بال النجل الاكير بهاء ان كرسي والده يجب ان تؤول اليه، وهو الاحق بها.
ومع النكبات المالية التي مُني الرئيس سعد الحريري، وقرار افلاسه المتخذ من قادة المملكة العربية السعودية، وما حصل معه في 14 تشرين الاول، حيث ارغم على اعلان استقالته من رئاسة الحكومة من الرياض، وجد بهاء الفرصة سانحة لدخول المعترك السياسي على جثة شقيقه. وذلك، بعد ان سحب انجال الحريري مجتمعين يدهم من شقيقهم الرئيس سعد الحريري، ومن إرث والدهم السياسي، واكتفوا بحصّتهم من الارث المالي الضخم الذي تركه لهم، ليراكموا ثرواتهم في عالم المال والاعمال.
وبقيت رئاسة الحكومة والارث السياسي للرئيس الشهيد امانة في عنق الرئيس سعد الحريري، ومحط نظر بهاء.
محاولات بهاء الحريري لدخول عالم السياسة كانت خجولة، واولها جاءت في اعقاب اعلان شقيقه استقالته من الرياض. إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل، بعد ان رفض جميع القادة السياسيين التعاون مع بهاء، قبل جلاء وضع شقيقه في المملكة، اما المحاولة الثانية فجاءت مع اندلاع ثورة السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. فحاول بهاء ركوب موجة الثورة من بعيد، عبر تمويل عدد من المنتديات السياسية الناشطة في صفوف الثوار خصوصا في الشمال.
مؤخرا اصدر المكتب الاعلامي لبهاء الحريري بيانا اعلن فيه عن اول اسم يدعمه وهو نبيل الحلبي، اضافة الى الكشف عن دعم عدد من المنتديات الناشطة في صفوف الثوار، متبنيا مطالب الثورة بكاملها، ومعتمدا على بعض ادبيات الحريرية السياسية، وموجها انتقادات مباشرة وغير مباشرة لشقيقه الرئيس سعد الحريري، الذي اتهمه بالتخاذل والتخلي عن ارث والده والانحياز الى التسوية مع الجنرال عون وحزب الله.
المعلومات تشير الى ان الساحة السنية في لبنان، تعاني من حالة احباط وضياع، نظرا لتراجع الوضع المالي للرئيس سعد الحريري، فضلا عن فشل التسوية التي خاض غمارها، مع الرئيس ميشال عون والتيار العوني، والتي انتهت الى اخراجه من رئاسة الحكومة، الامر الذي انعكس تضعضعا في الشارع السني ولدى ما تبقى من جمهور 14 آذار.
وتشير المعلومات الى ان لبنان لم يعد موجودا على قائمة اولويات دول مجلس التعاون الخليجي، عموما، والمملكة العربية السعودية خصوصا، ولان الطبيعة لا تعرف الفراغ، تسعى تركيا الاخوانية الى ملء الفراغ السعودي. وليس من قبيل الصدفة ان يطل بهاء الحريري، محاولا استنهاض الشارع السني، من خلال جماعات ومنتديات تعّرف عن نفسها بانتمائها الطائفي والمذهبي، قبل الوطني، ومعظمها من الذين تلبسهم تهمة الانتماء الى تنظيم “الاخوان المسلمين“، خصوصا منتديات الشمال.
المعلومات تشير الى ان تركيا التي تحاول بسط نفوذها، حيث تستطيع، على انقاض نفوذ دول مجلس التعاون، خصوصا، المملكة العربية السعودية، تستعد لمد نفوذها الى لبنان، عبر بهاء الحريري، ومنتدياته.
محاولة بهاء الحريري الثانية، قد تمنى بالفشل، على غرار المحاولة السابقة، وهذه المرة يجابه بهاء الحريري، برفض شعبي لمحاولته بعد ان رفض قادة 14 آذار محاولته السابقة.
هل ستنجح تركيا في ملء الفراغ السعودي في لبنان؟ وهذا يعني ان حظوظ بهاء الحريري قد تتقدم على ما عداها!
وفي حال استفاقت المملكة على دورها، فان حظوظ بهاء الحريري ستمنى بفشل جديد!