بين عامي 1971 و1975، انتشر حول العالم المسلسل البريطاني « آب ستيرز داون ستيرز ». وتم عرضه في مصر أيضا. وهو يحكي قصة بيت بريطاني لأسرة بريطانية عريقة وغنية جدا، تعيش في الطابق العلوي، ولديها مجموعة من الخدم يعيشون في الطابق السفلي.
ونرى اختلاف البشر الظاهري، ولكنهم في النهاية بشر: يحبون ويكرهون ويحزنون ويفرحون ويعانون ويحتفلون مهما كانت حياتهم سهلة أم صعبة… وقد تم عرض المسلسل مرة أخرى بإخراج جديد عام 2010، وكان من أنجح المسلسلات البريطانية حول العالم.
وفي نفس التوقيت تقريبا، وفي أوائل السبعينيات، ظهر في مصر نجم الأغنية الشعبية “أحمد عدوية” الذي إنطلق كالصاروخ وغنى أغاني (مثل أغنية السح الدح أمبو) كانت صادمة لمستمعي أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش ونجاة ووردة وفايزة أحمد! ووقتها صرح أحد مديري شركات إنتاج كاسيتات الأغاني مدافعا عن أحمد عدوية: “نحن نقوم بدعم إنتاج بعض أغاني كبار المطربين والمطربات (بدون ذكر أسماء) من دخل بيع أغاني أحمد عدوية“!!
وكان هناك هجوم حاد على أحمد عدوية من مدّعي الثقافة، وتم منع أغانيه من الإذاعة والتليفزيون والبوتاجاز!! وكأنهم استكثروا على عامة الشعب أن يكون لهم مطربهم « الذي يغني للناس إللي تحت »!
ومرة في ندوة « نجيب محفوظ »، أبدى نجيب بك إعجابه ببعض أغاني أحمد عدوية. ولما رأى بعض الإستنكار في وجوه بعض مثقفي الندوة قال لهم وهو يضحك ضحكته المشهورة المجلجلة: « هو أنا حا اتكسف أقول أني بأحب أحمد عدوية أشهر مطرب شعبي، وانتشرت أغانيه رغم منعه من الإذاعة والتليفزيون »!
وفي نفس فترة انتشار أحمد عدوية تصادف أني تعرفت على خطيبتي السابقة وكانت تدرس في كلية الطب. ويبدو أن الوسط العام في كلية الطب، جامعة القاهرة، في هذا الوقت كان يستنكر أحمد عدوية. ولما تم ضبطي بواسطة خطيبتي متلبسا بالاستماع لشريط كاسيت أحمد عدوية، استاءت مني خطيبتي جدا، ويبدو أن هذا أحد أسباب فسخ خطبتنا فيما بعد!!
وعندما كنت أعمل بالخليج، فوجئت بالعمال السوريين والفلسطينيين الذين يعملون معي بالمشروع يعملون على أنغام أغاني أحمد عدوية، وكنت أعتقد أن أغاني أحمد عدوية اقتصرت على الأحياء الشعبية في مصر.
وفي فيلم « الفاتنة والصعلوك » (1974) (بطولة حسين فهمي ومرفت أمين) غنى أحمد عدوية واحدة من أحلى أغانيه، « حبة فوق وحبة تحت »، ولا أعتقد أبدا أن أحمد عدوية أو كاتب أغانيه قد شاهدا أو حتى سمعا بالمسلسل البريطاني « آب ستيرز داون ستيرز » حتى يقتبسا فكرة المسلسل! وكلمات الأغنية بسيطة وجميلة، وفي الفيلم كان أحمد عدوية يبيع فول مدمس من على « عربية فول » في الشارع ويغني للناس « حبة فوق وحبة تحت »، وهو يوزع عليهم سلاطين الفول المدمس.
وهذه هي بعض كلمات الأغنية:
البدر ساكن فوق
وأنا اللي ساكن تحت
بصيت لفوق من الشوق
مال قلبى وانجرح
يا أهل الله ياللى فوق
ما تطلو على اللي تحت
ولا خلاص اللي فوق
مش دارى باللى تحت
طب حبه فوق وحبه تحت
نظرة نظرة فوق ونظره تحت
…
كلام في منتهى الجمال ولحن بنفس الجمال من الملحن فاروق سلامة.
ويبدو أنه لا مساواة في الحب أيضا، والعدالة الاجتماعية مفتقدة حتى في الحب، الناس “اللي فوق” لا يصح أن يحبوا الناس “اللي تحت“!
والعدالة الاجتماعية من وجهة النظر الاقتصادية هامة جدا لتحقيق السلام الاجتماعي بين الطبقات، وهي لمصلحة الناس “اللي فوق” كما هي أساسية للناس “اللي تحت“، وإذا أصر الناس “اللي فوق” على الاحتفاظ بثرواتهم بدون أن يقوموا باستثمارها وتوزيع جزء منها من أجل مصلحة الجميع “اللي فوق واللي تحت” فسوف يزداد الفقراء فقرا ويزداد الأغنياء غنى، وتزداد الهوة بين “اللي فوق” و “اللي تحت” وهذا للأسف يحدث في كافة أنحاء العالم ويزداد وضوحا في المجتمعات الفقيرة حيث يجتمع الفساد والثروة في زيادة الهوة بين “اللي تحت” و “اللي فوق” لأنه خطر جدا على الجميع إذا أصبح:
وللا خلاص اللي فوق
مش دارى باللى تحت
….
وهذه هي بعض كلمات أغنية أحمد عدوية « السح الدح أمبو” التي كانت في سبب شهرته الشعبية، كما أنها أيضا كانت السبب في منع أغانيه من الراديو والتليفزيون:
عمي يا صاحب الجمال
ارحمني دنا ليلي طال
شوف لي جمال على قد الحال
يعوض صبري اللي طال ..
عمي ..
يا صاحب الجمال
السح الدح امبو
ادي الواد لابوه ..
ياعيني الواد بيعيط
صعبان علي الواد ..
ماتشيل الواد من الارض
الواد عطشان اسقوه..