تحاول باكستان مجاراة عدوتها الهندية اللدودة في التسلح، والتفوق عليها جوّيا، خصوصا أن الهند استلمت بالفعل 30 طائرة « رافال » فرنسية الصنع من أصل 36 طائرة بموجب صفقة وقعتها نيودلهي مع باريس عام 2015. ومن المقرر أن تستلم الطائرات الست المتبقية في إبريل الجاري.
وبطبيعة الحال فإن سباق التسلح في منطقة جنوب آسيا ليس أمرا جديدا، وخصوصا بين الهند وباكستان، لكن الجديد هو من بات يغذي هذا السباق اليوم.
ولأن باكستان تعاني من ضائقة مالية، ثم لأن علاقاتها مع الولايات المتحدة يشوبها بعض التوتر وفقدان الثقة، ما يعيق حصولها على مقاتلات جديدة أمريكية الصنع لتعزيز سلاحها الجوي المكون من خليط من الطائرات الحربية متعددة المصادر، من بينها 66 مقاتلة أمريكية من نوع (F-16) حصلت عليها لأول مرة عام 1981، فإنها لجأت إلى حليفتها الصينية من أجل الحصول على 25 مقاتلة صينية خفيفة من نوع (J-10C) لتضمها إلى ما لديها من مقاتلات صينية قديمة من نوعي (J-7)، و (JF-17)، ولتكون بمواجهة مقاتلات « رافال » الهندية بحسب وزير الداخلية الباكستاني شيخ رشيد أحمد. والمعروف أن المقاتلة (J-10C) هي أحدث نسخة مطورة من سلسلة (J-10) وتعتبر اليوم عضوا مهما في نظام القتال لسلاح الجو الصيني، وقد تستمر كذلك خلال السنوات العشر القادمة.
ولعل أكثر ما يزعج الباكستانيين أنهم مكبلين لجهة استخدام مقاتلاتهم الأمريكية من نوع (F16). فالأخيرة التي تعد الأكثر تفوقا على ما عداها من مقاتلات، والأقدر على منافسة ترسانة الهند من المقاتلات الروسية الصنع، موضوعة تحت مراقبة شديدة من قبل الأمريكيين، بحيث لا يتمكن أصحابها من نقل ملكيتها إلى طرف ثالث أو استخدامها كيفما شاؤوا أو تطويرها محليا بمساعدة دول أجنبية، وذلك خوفا من تسرب او تسريب تكنولوجياتها إلى أطراف معادية.
وعلى الرغم من كل ما يقال من أن المقاتلة الصينية (J-10C)، منافسة للمقاتلة (F-16)، لأنها تتميز بخصائص تشغيلية عالية لجهة السرعة والمدى والتخفي والقدرات التسليحية، وتشتمل على أجهزة استشعار وأنظمة اتصالات وتحذير ورادار ممسوح ضوئيا، وغير ذلك مما تتميز به المقاتلات الأمريكية والروسية والأوروبية، فإنها ــ طبقا لبعض لخبراء العسكريين ــ غير قادرة على منافسة مقاتلات « رافال » الفرنسية، وأن ميزتها الوحيدة تكمن في رخص ثمنها، ما يجعلها خيارا مناسبا فقط للدول التي تمنعها قدراتها المالية أو تحالفاتها السياسية من شراء المقاتلات الغربية أو الروسية. والمعلوم بصفة عامة أن الصين لم تستطع تسويق مقاتلاتها إلا في نطاق ضيق ولم تبعها إلا لحفنة من الدول مثل باكستان وبنغلاديش وميانمار وكوريا الشمالية وبعض الدول الأفريقية كنيجيريا. ويعارض البعض الآخر من الخبراء فكرة أن المقاتلات الصينية أقل جودة وتنافسية من « رافال » الفرنسية قائلين أن الذي يحدد أيهما أفضل هو أن يتواجها في معركة ما، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
غير أن ما يؤكد أن الصين نفسها غير واثقة بعد في صناعتها الحربية، هو تجنبها استخدام محركاتها النفاثة في صناعة مقاتلاتها، والاعتماد بدلا من ذلك على محركات روسية الصنع من نوع (AL-31F). صحيح أن المفاوضات حول تزويد الروس للصينيين بهذا النوع من المحركات وصلت قبل سنوات إلى طريق مسدود بسبب اشتراط موسكو أن تشتري بكين المزيد من مقاتلات « سوخوي » من طراز (SU-35) ورفض بكين الاستجابة للشرط، لكن الصحيح أن تعرقل المفاوضات حفز الصين على بدء مشروعها الخاص لانتاج محركات طائرات شبيهة بما تصنعه روسيا ودول الغرب. لكن يبدو أن الأمر لم يكن سهلا فمرّت سنوات طويلة دون أن يتم اعتمادها بسبب ضعف الموثوقية التشغيلية.
وأخيرا، فقد نشرت مجلة “فورين بولسي” الأمريكية العام الماضي مقالا تضمن مقارنة بين الصين والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا لجهة قيمة الصادرات من الطائرات الحربية. وفيها نجد أنه ما بين عامي 2000 و2020، صدرت الصين ما قيمته 7.2 مليار دولار فقط، بينما كان الرقم الخاص بالولايات المتحدة هو 99.6 مليار دولار، والرقم الخاص بروسيا هو 61.5 مليار دولار، والرقم الخاص بفرنسا هو 14.7 مليار دولار. ولم يقلل كاتب المقال من جودة وقدرات المقاتلات الصينية، لكنه تساءل فقط عن أسباب ضعف الطلب عليها التي أرجعها بصفة عامة إلى مخاوف المشترين من ربط مشترياتهم العسكرية بالاستراتيجيات الصينية الإقليمية والدولية، ضاربا المثل بالفلبين التي أوقفت طلباتها على هذه المقاتلات واستبدلتها بمقاتلات من صنع كوريا الجنوبية.
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي