لم تكن جولة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى الشرق الاوسط متجانسة، فهو زار الكويت لتمتين الشراكة الاميركية معها. وزار إسرائيل لتعزيز فرص اعادة انتخاب رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لولاية جديدة في التاسع من أبريل المقبل. وزار لبنان لتحذير المسؤولين فيه ان السياسة الاميركية المقبلة ستختلف جذرياً عن الماضية.
والجولة ايضاً كانت جزءاً من استعداد بومبيو نفسه للترشح للرئاسة في العام 2024، وتعزيز سيرته الذاتية كعسكري ورئيس استخبارات سابق، وعضو كونغرس، ووزير خارجية.
أهمية لبنان الاستراتيجية كانت تراجعت كثيرا منذ رعت وزيرة الخارجية الجمهورية السابقة كوندوليزا رايس «اتفاق الدوحة» في العام 2008، والتي أعطت ايران و«حزب الله» الكلمة العليا في بيروت. وكرس الديموقراطيون، بقيادة وزير الخارجية السابق جون كيري، رؤية اميركا ان لبنان هو من حصة ايران، وراحت واشنطن تنسّق مع «حزب الله» بشكل غير مباشر عبر قناتين: الاجهزة الامنية اللبنانية، والبريد الالكتروني الشخصي المتبادل بين كيري ونظيره الايراني جواد ظريف.
وساهم التنسيق الاميركي – الايراني في تخفيف الازمات في لبنان، ومنع تدهور الامور مع اسرائيل، بما في ذلك احتواء ردة فعل الحزب على قتل اسرائيل جهاد مغنية في الجولان السوري، في يناير 2015، وما نجم عن ذلك من عملية قام بها الحزب اللبناني، وادت الى مقتل جنديين اسرائيليين، من دون رد اسرائيلي يذكر. وكان ذلك على غير عادة… هذا كان في الماضي.
أما الرئيس دونالد ترامب، فهو تبنّى سياسة مغايرة تماماً تجاه إيران وحلفائها، وهي سياسة مواجهة، ليست بالضرورة عسكرية، وانما ديبلوماسية وسياسية واقتصادية، الهدف منها كسر الجمهورية الاسلامية اقتصادياً ومالياً، ما يعود سلباً على حلفائها في المنطقة. ولأن لبنان كان محسوباً سلفاً في المحور الايراني، فهو كان في «عين العاصفة».
لكن ديبلوماسيين أميركيين مخضرمين لا يزالان يعتقدان ان لبنان يستحق محاولة تحييده عن المواجهة الاميركية – الايرانية. الديبلوماسيان هما ديفيد هيل، وكيل وزير الخارجية، وديفيد ساترفيلد، مساعد الوزير لشؤون الشرق الادنى بالوكالة. وسبق للرجلين ان عملا في مناصب ديبلوماسية مختلفة في السفارة الاميركية في لبنان، ومنها منصب سفير، ويتمتع كل منهما بعلاقات متينة وصداقات مع السياسيين اللبنانيين يعود عمرها الى عقود. ويعزو العارفون في العاصمة الاميركية توصل اللبنانيين الى تسوية قضت بانتخاب ميشال عون رئيسا وعودة سعد الحريري رئيسا للحكومة إلى جهود هيل.
في الدوائر المحيطة بترامب، مجموعة من الصقور تسعى، منذ زمن، لاعتبار لبنان جزء مما يسمونه «دولة حزب الله». هذا التصنيف يعني، حسب هؤلاء، انه في حال اندلاع حرب بين اسرائيل والحزب يوماً، فان على الاسرائيليين ضرب كل الاهداف في لبنان، بما فيها العائدة للدولة، على غرار ما فعلوا في حرب العام 2006.
في خضم التصعيد الاميركي غير المسبوق في وجه الايرانيين، كان لا بد من معاملة لبنان على انه ملحقا بايران، لكن «الديفيدين»، هيل وساترفيلد، مارسا نفوذيهما لاقناع بومبيو بضرورة اعطاء لبنان فرصة، وكانت زيارة المسؤول الاميركي الى بيروت، حيث اوضح للمسؤولين الجدية الاميركية في مواجهة ايران، ومغبة ان يساعد اللبنانيون، إيران في تفادي أي من العقوبات.
لم يطلب بومبيو من اللبنانيين، حسب المصادر الاميركية، ملاحقة «حزب الله» او الانخراط في مواجهة مسلحة معه، بل طلب تحييد دولة لبنان عن الحزب، على جاري العادة في السنوات الماضية، بما في ذلك من مصلحة للبنان.
ماذا سمع بومبيو من اللبنانيين؟ تقول المصادر في واشنطن ان الوفد الاميركي عاد بخيبة امل… «لا يبدو ان المسؤولين اللبنانيين يدركون فداحة الموقف، وهم قدموا مواقف عجيبة، منها ان حزب الله جزء من الدولة، وانه منتخب وممثل في البرلمان والحكومة». بكلام آخر، أبدى اللبنانيون تنصلاً من أي مسؤولية في ابقاء الدولة بعيدة عن الحزب، وهو ما يعني ان العقوبات الاميركية ستطول قطاعات في الدولة اللبنانية، التي يعاني اقتصادها اصلاً بسبب أوضاع المنطقة، وانفضاض اصدقاء بيروت الخليجيين عنها، للسبب نفسه، أي «حزب الله».
ربما تراهن بيروت، كما طهران، على الصمود اقتصادياً، وان في ظروف صعبة، حتى انقضاء رئاسة ترامب، لكنها رئاسة ستستمر عامين على الأقل، وقد تستمر ستة. كما ان اللبنانيين والايرانيين لا يدركون ان مواجهة إيران تتمتع باجماع الحزبين في الكونغرس، وان وصول رئيس ديموقراطي الى البيت الابيض لن يكون بالضرورة صديقاً للايرانيين، مثل الرئيس السابق باراك أوباما.