هل صحيح أنه تم سحب قسم من القوات الروسية المتواجدة في سوريا، كما أفادت جريدة « موسكو تايمز » (المحظورة في روسيا)، التي كشفت أن القوات الروس سلّمت مواقعها على عجل إلى حزب الله وميليشيات أخرى تابعة لإيران.
خاص بـ”الشفاف”
في مقال بعنوان « إعادة انتشار » (قام بترجمته موقع “ميمري”)،كشف المغرد الرويس « أناتولي نيسميان »، الذي يستخدم إسماً مستعاراً هو « المُريد »، عن مغزى سحب قسم من القوات الروسية المتوجدة في سوريا، وزجّها في حرب أوكرانيا. وجاء في تعليقه أنه، إذا صحّت المعلومات، فذلك يعني أن روسيا فقدت عدداً كبيراً من الضباط في « اللاحرب » التي تخوضها في أوكرانيا.
وأضاف أن الخسائر بين الضباط قد ضاعَفَت من تأثير « الإصلاحات » التي طبّقها وزير الدفاع الروسي السابق، « أناتولي سيرديوكوف »، الذي سعى لإصلاح الجيش بعد الإداء غير المشرّف للقوات الروسية في حرب جيورجيا في سنة ٢٠٠٨.
روسيا اعتمدت نموذج “الجيش المحترف” الأوروبي
وكان « سيردياكوف » قد توصّل إلى أن المطلوب هو خفض أعداد الجيش وتحسين نوعية العسكر المتبقّي. وحيث أنه كان هنالك وجهة نظر سائدة بأن الجيش السوفياتي، ثم الجيش الروسي، يعاني من « كثرة » عدد الضباط، فقد أحدثَ خفضاً حاداً في أعداد الضباط، كما أقفل عدداً من كليات تدريب الضباط.
بكلام آخر، فإن الجيش الروسي اتّبع النموذج الأوروبي الذي ألغى « الخدمة العسكرية الإلزامية » وتحوّل إلى نموذد « الجيش المُحترف »، كما فعلت إنكلترا، وفرنسا وألمانيا، وغيرها. وفي غياب جيش كبير، يشتمل على أعداد كبيرة من « المجنّدين »، فقد استنتج وزير الدفاع الروسي السابق أن وجود اعداد كبيرة جداً من « الضباط » بات أمراً لا لزوم له، وباهظ الكلفة على الخزينة.
لم تتوقع روسيا أن تخوض حرباً برّية تقليدية، بل بنت إستراتيجيتها على أساس أنها لن تخوض سوى « نزاعات محلية قصيرة الأجل » أو « حملات تأديبية » مثلما تفعل في سوريا.
لا إنسحاب من “حميميم” و”طرطوس”
ولكنها الآن باتت مضطرة لاستعارة ضباط من وحدات أخرى، وسوريا هي أحد أبرز « الخزّانات » لهذا الغرض.
يلاحظ المحلّل الروسي أيضاً أنه أساس ظاهرة “المرتزقة الروس” (جماعة “فاغنر”):
المفهوم الجديد للجيش الروسي الذي وضعه وزيرالدفاع السابق يتقف مع تكتيك « لا توجد قوات روسية » هناك، كما تقول روسيا عن وجودها العسكري في أوكرانيا (سابقاً)، وليبيا، وسوريا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وموزامبيق. ويقوم ذلك التكتيك على استخدام قوات من « المرتزقة » بقيادة ضباط « مُعارين » من الجيش الروسي ويمكن “التضحية بهم”.
ولهذا السبب نفسه، لن تتخلى روسيا عن قاعدتي « حميميم » و « طرطوس » في سوريا. فهاتان القاعدتان تؤمّنان لوجستيات الجماعات المسلّحة (المرتزقة) التي تنشرها روسيا في حوالي ١٢ بلدا.
ويضيف أن هذا المفهوم العسكري الروسي لا يصلح لحرب واسعة النظاق ضد عدو تقليدي، كما هو الحال في أوكرانيا حالياً. أولاً، لأن أحداً لا يستطيع أن يسدّ نقص الضباط القياديين. وهذا، بالمناسبة، ما يجعل مستحيلاً اليوم أن تعمد روسيا إلى عملية « تعبئة شاملة »! فلا يوجد « قادة عسكريون » لعملية التعبئة الشاملة. ولا يتبقى سوىلا خيار « تعزيز الوحدات العسكرية » الموجودة. ولكن ذلك لن يحلّ مشكلة نقص الضباط القياديين.
ويخلص المحلل الروسي إلى أن خبر سحب قوات روسية من سوريا يعني أن القوات الروسية تعرّضت لخسائر كبيرة في صفوف الضباط في « اللاحرب » التي تخوضها في أوكرانيا، ما يجبرها على سحب ضباط قياديين من وحدات خارج أوكرانيا لـ « تطعيم » الوحدات التي تقاتل في أوكرانيا حالياً. وهذا الوضع يمكن أن يتكرّر خلال شهرين من القتال.